جديد مهور سورية ..ثلاثة ملايين ليرة مقدماً ومثلها مؤخراً إضافة إلى مبلغ يسجل حين الطلب
بعد قصة حب استمرت بين سامر ونور سنوات وبعد طول انتظار لتحقيق الحلم الموعود بالزواج, صدم سامر بطلب أهل نور لمهر قدره ثلاثة ملايين ليرة مقدماً ومثلها مؤخراً إضافة إلى مبلغ يسجل حين الطلب.. وتساءل كيف يمكن لشاب في مقتبل العمر تأمين مثل هذا الرقم ونحن في ظروف صعبة يصعب فيها على ميسوري الحال تأمينها.. ولتذهب أحلامهما أدراج الرياح. حال الثنائي سامر ونور يمثل شريحة كبيرة من الشباب المقبل على الزواج إذ تعد مشكلة ارتفاع المهور كبقية تفاصيل الحياة التي ارتفعت أضعافاً مضاعفة ما جعل الشباب يعزفون عن الزواج… في المقابل وللمفارقة سجل أعلى مهر مؤخراً في المحكمة الشرعية 100مليون لعروس من دمشق بينما في المحافظات الشرقية يتراوح المهر بين 100- 1000 ليرة ومن يطلب مهراً عالياً يعد منبوذاً اجتماعياً، ويدعو القاضي الشرعي الأول محمود المعراوي إلى عدم المغالاة في طلب المهور حسب الحديث النبوي الشريف (أكثرهن بركة أقلهن مهراً) وذلك لأن المهر يعد هدية وحسب إمكانات الشاب المتقدم لطلب يد الفتاة، بينما يؤكد الباحث الاجتماعي حسام الشحاذة أن ارتفاع المهور من أسباب ارتفاع نسبة العنوسة ويجب نشر التوعية بين الناس..في هذا الموضوع نتطرق إلى ارتفاع المهور وما أسبابه وما وجهة نظر الشرع والباحث الاجتماعي. يعتقد البعض أن هناك جملة من الشروط تفرضها عادات و تقاليد الأسرة قد تصل في مجملها إلى أرقام مبالغ فيها تقف حجر عثرة أمام زواج الشباب، وهنا يكافح الشباب سنوات لتوفير مبلغ قد يصل إلى مئتي ألف ليرة يدفعه كمهر، بينما لا يرى البعض من أولياء الأمور فرصة لكسب المال وبداية الثراء إلا من باب مهر ابنته ولو على حساب تأخير زواجها لسنوات. تتحدث نهى وهي شابة جامعية عن أنها ضحية لغلاء المهور ولا تزال تنتظر من سيدفع ما يطلبه ولي أمرها، والشاب لايزال يجمع مئات الآلاف ليلبي شروط أهل خطيبته وبين هذا وذاك تتزايد أعداد الشابات من أمثال نهى على ذمة العادات و التقاليد القديمة الحديثة. طمع وجشع! يرى الشاب عروة أن ارتفاع المهر للزواج هو طمع وجشع أولياء الأمور الذين يعدون بناتهم سلعة يتاجرون بها. بينما تعد آلاء (خريجة جامعية) السبب في ارتفاع مهور الزواج إلى العادات التي تتحكم بنا والتي لا ترحم إضافة إلى التفاخر المبالغ فيه وتترحم آلاء على أيام زمان عندما كانت تقام الأعراس في البيوت قبل أن تنتقل إلى صالات الزفاف والفنادق الفارهة التي تكلف الكثير. تتراوح تبعاً للمنطقة! القاضي الشرعي الأول بدمشق المستشار محمود المعراوي أوضح أن متوسط المهور يتراوح بين 500 ألف ليرة مقدم و500 ألف ليرة مؤجل يمكن أن يزيد قليلاً ويمكن أن ينقص حسب المنطقة وحسب المستوى المادي والاجتماعي مثلاً: مناطق دير الزور والبوكمال عادة يسجلون أقل من 500 ليرة قد يسجلون 100أو 200 أو 300 ليرة مقدم ومؤجل وهناك مناطق يكون فيها المهر أكبر أي 1000 ليرة حسب الاتفاق حيث إنها عادة راسخة ومن يخرج عنها يعد منبوذاً وخرج عن العادات والتقاليد، ونوّه القاضي الشرعي الأول بأن هناك جملة من العادات والتقاليد ترتبط بأهل العريس أثناء كتابتهم المقدم والمؤجل. حالات زواج داخل المحكمة الشرعية عادة المهور لا تصل إلى الخمسة ملايين والذي يتجاوز المليون ليرة حالة نادرة وقليلة والنص القانوني يقول (لاحد لأقل المهر ولا لأكثره) وهذا راجع لاتفاق الطرفين وللعادات والتقاليد مع التوجيه الديني بعدم المغالاة في المهور, حسب الحديث النبوي(أكثرهن بركة أقلهن مهوراً) ومعنى الحديث حسب القاضي الشرعي الأول كلما كان المهر أقل كانت البركة والتوافق في الحياة، والمهر في الأصل بتكليفه القانوني هو هدية والهدية عادة حسب إمكانية الشخص فمنهم من يقدم حسب إمكاناته, حيث أنه لا يشكل شيئاً فالمهر ليس تثميناً للمرأة إنما الأمر راجع لمطلق اتفاق الزوجين تحكمها العادات والتقاليد. حالة غريبة! يتحدث القاضي المعراوي عن حالة نادرة أنه من ستة أشهر جاءتنا حالة غريبة وهي تسجيل مهر 50 مليون مقدم و50 مليون مؤجل وهذا أكثر مهر 100 مليون ليرة سجل في الفترة الأخيرة لعروس من دمشق. ومن الحالات الغريبة يقول : منذ حوالي شهرين جاء أحد الأشخاص ليسجل مهراً لزوجته فكتب 30 مليون ليرة مقدم و8 ملايين مؤجل، وبعد شهر عاد وقال للقاضي الشرعي أنه سيعدل المهر ليصبح 100 مليون وبقي المؤجل على ماهو 8 ملايين لم يغيره، أي إن الـ108 ملايين هي حالة نادرة ونحن لا نستطيع الرفض كقاض شرعي لأن الاتفاق حاصل بين الطرفين. متى يتدخل القاضي الشرعي؟ يبين القاضي الشرعي أنه يتدخل عندما لا يكون الولي موجوداً ولاحظنا أن المهر قليل وهنا يلجأ الطرفان إلى تسجيل مبلغ قليل حتى لا يدفعوا رسوماً فقط ويكون المهر أكثر من ذلك، وعندما أسأل وأتأكد أجد أن المهر أكثر من ذلك ولكنهم اتفقوا على وضع مهر منخفض حتى لا يدفعوا رسوماً. ونوه المعراوي بأن الحالة التي ذكرتها ليست دعوة لزيادة المهور ، ولكني لا أستطيع أن أمنعها فالمهر في النهاية هدية والموافقة تتم بين الطرفين. وضع حد لغلاء المهور سألنا القاضي الشرعي الأول عن إمكانية وضع حد لغلاء المهور عن طريق تحديد مبلغ معين يمنع تجاوزه سيساهم في الحد من الظاهرة إلى جانب التوعية المجتمعية بمخاطر الظاهرة عن طريق وسائل الإعلام وخطباء المساجد فقال: لا أعتقد لأن الدعوة لتقليل المهور هو توجيه الناس إلى أن هذا المهر حقيقته ليس ثمناً للمرأة وليس للتباهي وتالياً المرأة التي مهرها أعلى هي غالية والمرأة التي مهرها قليل ليس لها قيمة، وذكر حادثة أن أحد أولياء الأمور طلب مهراً لابنته من الزوج خمسة ملايين مقدم وخمسة ملايين مؤجل والزوج ليس بإمكانه أن يدفع أكثر من 300 ألف مقدم و300 ألف مؤجل والنتيجة تعرقل الزواج ، وبعد فترة عاد الشاب ولكن مع فتاة أخرى قبلت بـ200 ألف مقدم و200 ألف مؤجل فالأهل هنا يريدون السترة وليس المهر الغالي حتى ولوكان الزوج فقيراً (أن يكونوا فقراء يغنيهم الله من فضله). فالمهور هدية وليست للتباهي والهدية على قدر حال مهديها أي الغني يقدم هدية على حسب حاله والفقير يقدم على حسب حالته أيضاً، ولايمكن تدخل المشرع في تحديد المهور لأن الأمر يتعلق بالعرف وبالعادات والتقاليد ،ويضيف القاضي الشرعي أنه لا يمكن للمشرع أن يتدخل ويحدد المهر المتفق عليه ولكن يمكن توعية الناس عن طريق خطباء ورجال دين منوهاً بأن المغالاة في رفع قيمة المهور يزيد من نسبة العنوسة في المجتمع . عن طريق التوعية يرى المحامي نايف رزوق أن عقد الزواج هو عقد كسائر العقود التي تخضع لإرادة طرفي العقد وهما الزوجان ولا يستطيع أحد أن يفرض مهراً محدداً بدليل أن هناك بعض عقود الزواج التي جرت أمام المحاكم الشرعية بدمشق وتجاوز فيها المهر مئة مليون ليرة سورية، لهذا فإن حل موضوع ارتفاع المهور وتأثيرها في الزواج يجب حلها عن طريق التوعية عبر وسائل الإعلام المختلفة والمراكز الثقافية ودور العبادة وإلا سوف يبقى ارتفاع المهور سبباً من أسباب عزوف الشباب عن الزواج وزيادة حالات العنوسة. يتم التركيز على المستوى المادي وتجاهل المعايير الأهم ! ولأهل الاختصاص وجهة نظرهم إذ يعد حسام سليمان الشحاذة الاختصاصي النفسي والتربوي أن غلاء المهور في المجتمعات العربية ظاهرة ناتجةٌ عن إرثٍ ثقافي واجتماعي بال تراكم عبر القرون الماضية، بالتزامن مع حالة التردي في المستوى التعليمي لأولياء الأمور (أهل الفتاة)، وغياب أي معايير عقلانية ومنطقية لبحث مقومات الشاب المقبل على الزواج، كدراسة حالته الثقافية والتعليمية، ومستوى الطموح المتوافر لديه، ومدى تقارب خصائصه مع مواصفات الفتاة التي يرغب بها الشاب زوجةً له، وبدلاً من ذلك يتم التركيز على المستوى المادي والاقتصادي للشاب، وتجاهل أي معايير أخرى متوافرة لديه، ما يجعل غلاء المهور من أهمّ الأسباب المؤدية إلى عزوف الشّباب عن الزّواج، فالشّاب الذي يكون في مقتبل عمره، ويرغب بالزّواج يُفاجأ ويُصدم من قيمة المهر الذي يطلبه أهل الفتاة، وخاصّة أنّه ما زال في بداية حياته، وتكاليف الزواج غير مقتصرة على المهر فحسب، بل هناك تكاليف الزفاف، والمسكن، وأثاث المنزل، والشبكة.. وغيرها من الأمور، فتطول رحلة البحث عن العروس المناسبة التي يرضى أهلها بحال الشاب ووضعه المادي المُتيسر، وقد تستمرّ رحلة البحث..، والطامة الكبرى أنه كلّما مرّت به السّنوات زادت المهور غلاءً. يبين الباحث الشحاذة أنه من الأسباب المؤدية إلى غلاء المهور في مجتمعاتنا المحلية في سورية أن الأهل مثلاً يَعدون غلاء المَهر ضماناً لمستقبل ابنتهم مع هذا العريس أو ذاك، فَهُم يجهلون مستقبل ابنتهم، والمهر الذي يشترون به الذّهب – بحسب العادة – يساعد على مواجهة المشكلات الماديّة التي يمكن أن تتعرّض لها ابنتهم في المستقبل حين حصول أي مشكلة غير متوقعة كالطلاق مثلاً، أو وفاة الزوج، أو تعدد الزوجات..إلخ، وبذلك يصبح المهر سلاحاً تستخدمه الفتاة لمجابهة مستقبل تعتقد أنه مجهول المعالم -على المستوى القريب أو البعيد- مع هذا الشاب، بصرف النظر عن المقومات الأخرى التي قد تجعل من الشاب عريساً مناسباً لها كالمؤهلات العلمية، والقيم الأخلاقية التي يحملها، وما لديه من مستوى الطموح.. حبّ الظهور وهناك سبب آخر وهو حب الظهور أو (البريستيج) أي الاهتمام برأي النّاس الذين يُعدُّون من المحيط الحيوي لأهل الفتاة، كالأقارب، والأصدقاء المقربين، الجيران، زملاء العمل..إلخ، إذ يعتقد بعض أولياء الأمور أن هؤلاء الأشخاص ينظرون إلى الفتاة التي تتزوّج بمهر قليل على أنّها فتاة بسيطة وأهلها بسطاء، والنّاس تغرّهم المظاهر، فالمهر الغالي يعني أنّ العريس غنيّ، وأنّ الزّواج رابح، وكأنّ المسألة عبارة عن معادلة تجارية بحتة، ولا نعمم، لكن واقع الحال يشير إلى أن العريس الغنيّ من صاحب المال تُفتح أمامه الطرق بسهولة، فهو وفق المفهوم الشعبي (عريس لقطة). غلاء المستوى المعيشي وأضاف أن غلاء المستوى المعيشي سبب رئيس فالمهر قد يكون مرتفعاً وعالياً، ولكنه في الوقت ذاته قد يتناسب مع الغلاء الذي نعيشه في هذه الأيام، بالتزامن مع انخفاض قيمة الليرة السورية أمام سعر الذهب أو أمام القطع الأجنبي، وقد يكون هذا الغلاء منطقيّاً من وجهة نظر أهل الفتاة، وبالنّسبة للمجتمع المحيط بهم، لكن ليس باستطاعة الشّاب المُقبل على الزواج أن يُقدمه، فكلّما زادت صعوبة الحياة ومتطلّباتها المعيشيّة، زاد غلاء المهور. وأشار الشحاذة إلى انخفاض المستوى الثقافي والتعليمي فمعظم الدراسات التي أجريت في العالم العربي حول العنوسة وغلاء المهور، أشارت إلى أن الأسر التي يتمتع أفرادها بمستوى جيد من المؤهلات العلمية والثقافية، لديهم ميول لتزويج بناتهم لأي شابٍ يتوفر فيه القدر الجيد من المستوى التعليمي والثقافي، مع قدرٍ مقبول من المستوى المادي والاقتصادي، حتى إن معظمهم أبدى استعداده لمساعدة هذا الشاب – صهر المستقبل – من الناحيتين المادية والاقتصادية، إلا أن هذا التوجه كان في أدنى مستوياته بالنسبة للأسر التي يتمتع أفرادها بمستوى تعليمي وثقافي منخفض، حيث يكون جل اهتمامها البحث عن الامتيازات المادية والاقتصادية الحالية للخاطب، وما يمكن أن يؤمنه للعروس من مهر، ومسكن وأثاثٍ فاخر، وسيارة، ومجوهرات..إلخ، بصرف النظر عن رضا الفتاة أو عدم شعورها بالراحة أو السعادة مع هذا الخاطب. الحلول الممكنة يمكن إيجاد حلول لهذه الظاهرة والتخفيف من آثارها السلبية على الفرد والمجتمع من خلال عدة نقاط حسب الشحاذة، كالتّوعية الدّينيّة: ففي الحديث الشريف عن سيد المرسلين محمد (ص) قوله (إِذَا خَطَبَ إِلَيْكُمْ مَنْ تَرْضَوْنَ دِينَهُ وَخُلُقَهُ فَزَوِّجُوهُ، إِلَّا تَفْعَلُوا تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الأَرْضِ، وَفَسَادٌ عَرِيضٌ)، فعلى الرغم من أن المهر من حقوق الزّوجة في الإسلام، وفي جميع الأديان السماوية والقوانين الوضعية، إلا أن الحكمة منه هو حِفظ قدر الفتاة المخطوبة، ولم تكن الحكمة منه تعجيز الشّباب وإرهاقهم وهم في بداية حياتهم، فلو تمّت التوعية بقيم المهور زمن الدعوة الإسلامية مثلاً لاتّعظنا، فمنهن من تزوجت مقابل تعليمها القرآن الكريم، ومنهن من تزوّجت مقابل أن يَحفظ الزوج القرآن الكريم، إذاً فحق المرأة في المهر، لا يشترط أن يكون حقاً مادياً، بل قد يكون معنوياً. تالياً التّفكير في الحالة المادية للشّاب بعد الزّواج: لو فكّر أهل الفتاة بالحالة التي ستكون عليها حياة ابنتهم مع زوجها في المستقبل لاختلف الأمر، فبعض الشباب قد يُرهقون أنفسهم بالديون والقروض، لتأمين المهر وتكاليف الزواج، فيُصبح دخل الشاب في المستقبل مرهوناً بقضاء تلك الديون، وتالياً صعوبة الحياة مع قلة الدخل، واستمرار ذلك لسنوات سيؤدي بالضرورة إلى تفاقم المشكلات بين الزوجين، وقد ينتهي الأمر بهم إلى الطلاق في بعض الحالات. التفكير في مشاعر الفتاة فغلاء المهر هو ظلمٌ للفتاة أيضاً، فالأمر ليس بيدها، وزواجها لا يتم إلا بموافقة ولي أمرها، فكلما غالى الأهل بالمهور على الشباب المقبلين على الزواج، وصعبوا الأمر على المتقدمين لخطبتها، سيتأخر زواجها، وتمضي الأيام وتكبر في السن، ويقلّ عدد المتقدمين لها، وتزداد نسبة العنوسة، لذلك كان ينبغي على الأهل أن يفكروا ملياً بابنتهم، ويفكروا بعواقب العنوسة. المصدر: تشرين