التسوّل .. ظاهرة تكبر كل يوم ولا حلول في الأفق
و عشرات المتسولين ينتشرون في شوارع دمشق.. رجال ونساء وأطفال وعجزة ومقعدون، وجميعهم لديهم قصص محزنة يروونها لاستعطاف المارة، من تأمين سعر الدواء، إلى المساهمة في تأمين إيجار السكن، إلى المساعدة في عمل جراحي، إلى رعاية الأيتام، وكل ما يخطر ولا يخطر في البال. أغلبية الناس يعرفون أن أكثر المتسولين ليسوا بحاجة، وإنما يتخذونها مهنة، ومع هذا يعطونهم ما يزيد من طمعهم وتمسكهم بتسولهم، وكلما ضُبط متسول، تضبط في حوزته مبالغ كبيرة جداً، وهذا لا يُعيب الناس، وإن كان يحمّلهم بعض المسؤولية، فمن سماتنا كشعوب مشرقية أننا عاطفيون، لا نقوى على رد أو نهرِ طفلة أو طفل يتمسك بثيابنا ويقول: جوعان؟ وكيف نقوى على نهر أم يفترش طفلها الرصيف حافياً وشبه عارٍ وهي تطلب منّا ما يساهم في ستر هذا الطفل؟. كل هذا يدفع الجميع للسؤال الكبير: أين نحن من هذه الظاهرة؟ وكيف تفشت بهذا الشكل المخيف؟ وهل حجة الأزمة والفقر والنزوح كافية للتبرير؟ رئيسة فريق رصد حالات التسول والتشرد في وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل فداء دقوري قالت إن أعداد المتسولين تزايدت بشكل كبير جداً بعد الحرب، وفي وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل يوجد فريق مختص تم تشكيله من قبل الوزيرة لمعالجة هذا الموضوع، بالتعاون مع وزارتي الداخلية والعدل، ولدى الوزارة أيضاً مكاتب لمكافحة التسول والتشرد في مناطق الكسوة وباب مصلى وقدسيا، وحالياً يتم العمل على إنشاء مكتب في مدينة دمشق. وأضافت دقوري أن الفريق يقوم بجولات ميدانية لرصد حالات التسول والتشرد في المدينة والريف، وقبل التوجه لأي منطقة، يتم التنسيق مع أقسام الشرطة المعنية بحسب المنطقة التي سيتوجه إليها الفريق، من أجل تأمين المؤازرة من عناصر الشرطة، لأن الفريق لا يستطيع الإمساك بأي حالة من دون ضبط شرطة، موضحة أن شرطة السياحة معنية أيضاً بالموضوع. أغلبية الحالات المضبوطة تمتهن التسول وبينت رئيسة فريق الرصد أن أغلب الحالات التي يتم ضبطها أو ضبطت سابقاً هي حالات تمتهن التسول، فيها مشغِّلون (أهل– أقارب– أشخاص)، ومنذ شهر رمضان حتى اليوم تم إيداع 190 متسولاً ومتشرداً في المراكز، وتم إخلاء سبيل عدد منهم من القضاء، وبقيت حوالي 20 حالة في مركز الكسوة المخصص لكبار السن والذي يتسع لحوالي 400 حالة، و23 طفلة في مركز باب مصلى المخصص للبنات ويتسع لـ 40 طفلة، و40 طفلاً في مركز قدسيا المخصص للذكور ويتسع لـ 70 طفلاً، وفيما يخص الأطفال، لدى الوزارة عقد شراكة مع جمعية حقوق الطفل، وعند رصد حالات تسول للأطفال، يتم تحويلهم للجمعية التي تؤمن لهم تعلم مهنة، وتعمل على معالجة التسرب المدرسي، ويقوم اختصاصيوها بمتابعة الحالات بعد خروجها من المراكز، عبر التواصل مع الأهالي والزيارات الميدانية التي يقومون بها إلى المنازل. المشكلة عند القضاء وفيما يخص عودة المتسولين إلى الشوارع بعد فترة الحجز في المراكز، أوضحت دقوري أن المشكلة ليست في وزارة الشؤون ولا في فريق الرصد، بل بسبب طريقة تعامل القضاء مع الموضوع، فهذا الملف ليس من اختصاص وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل وحدها، بل تشارك فيه عدة جهات مثل الداخلية والعدل والصحة لمعالجة الحالات المرضية، وإن تم تفعيل قانون التسول رقم (16) بشكل صحيح، سيُحل قسم كبير من المشكلة، فالقانون تصل فيه عقوبة المشغل إلى السجن مدة سبع سنوات مع الغرامة المالية، أما أن تعمل وزارة الشؤون وحدها، فلن تنجح المكافحة، لأن القانون (16) الخاص بالتسول لا يسمح بإيداع المتسول أو المتشرد أكثر من 48 ساعة في مراكز وزارة الشؤون، وبعدها على المركز تحويلهم إلى القضاء، لنفاجأ في كل مرة بالإفراج الفوري عنهم. رسالة للناس وعن الحالات التي تتطور إلى ممارسات أخرى كالدعارة، قالت دقوري إن هناك حالات تم الإبلاغ عنها، لكن التدخل الفوري شبه مستحيل لأن القانون يفرض ضبطهن بالجرم المشهود، لكن تمت زيارة أكثر من حالة وتمت معالجة أوضاعهن، وتبيّن أن أغلبيتهن من فاقدي الأسر، وسبب ما يقومون به هو الحاجة للنقود، فتم تمكينهن عبر (منارات باب شرقي ودمر ومساكن برزة وحاميش) التابعة للأمانة السورية للتنمية، وهي منارات متعددة البرامج ويتم عبر التشبيك مع هذه المنارات تأمين فرص عمل وتدريب ومنح دراسية. وختمت دقوري حديثها بالتمني على الناس ألا ينخدعوا بما يقوله المتسولون ليستعطفوهم به، وألا يعطوهم المال، بل عليهم تبليغ الوزارة عبر خطها الساخن للتعامل مع حالات التسول بشكل فوري، وهو رقم موجود على موقع الوزارة. لا أعطي.. أعطي بشروط من حيث انتهت رئيسة فريق الرصد.. أي من الناس.. بدأ استطلاع (تشرين) الذي طرحت فيه سؤالاً واحداً هو: هل تعطي المتسول نقوداً؟ ولماذا؟ فاختلف الناس في مقاربتهم للموضوع، لكنهم اتفقوا على أن الأمر صار بحاجة لعلاج وحل جذري. ميساء عبد القدوس (موظفة)، قالت إنها تعطي بحالات قليلة لأشخاص كبار في السن، أما الأطفال فلا تعطيهم كي لا تشجعهم على الاستمرار بالتسول. أما المحامي عبد الفتاح الداية، فأوضح أنه يعطي الطفل الصغير والشيخ الكبير بشرط ألا يكون المبلغ من دون مقابل، (يشتري منه أي شيء في حال كان يبيع)، وإن كان التسول بغاية الحصول على الطعام، فإنه يأخذ المتسول إلى المطعم ويشتري له، وإن كان يتسول ثمن الركوب في وسيلة مواصلات، يصطحبه إليها ويدفع بدلاً عنه بعد التأكد من أنه فعلاً بحاجة للوصول إلى مكان ما ولا يملك ثمن الركوب. أما السيدة عتاب هزاع، فقالت إنها تعطي من يطلب من دون نقاشات أو تحليلات، فيكفي – بالنسبة إليها – أنه وضع نفسه في هذا الموضع. الصحفية راما شويكي وجهت السؤال الآتي: إذا أراد المواطن مساعدة كل متسول يراه في الشارع بشكل يومي كم سيحتاج من النقود؟ وأضافت: إن المرء يشعر بالعطف على كثير منهم، ولاسيما الأطفال الذين يفترشون الأرض ويلتحفون السماء، والنساء اللواتي يحملن الأطفال وكبار السن والمرضى والمشوهين، وقد يبادر إلى إعطائهم النقود من باب الشفقة وضرورة تقديم العون للآخر انطلاقاً من دوافع دينية وإنسانية، لكن الظاهرة تفاقمت كثيراً وصارت بحاجة إلى حل جذري. الطالبة سوسن عليوي قالت إنها تعطي الأطفال دوماً، لأنها شاهدت مرة رجلاً يضرب ابنته المتسولة بوحشية لأنها لم تجنِ مبلغاً جيداً، بينما قالت ريم الشاعر إنها لا تعطي الأطفال والشباب والنساء القادرات على العمل، لكنها قالت أيضاً: اصنع المعروف في أهله وفي غير أهله، فإن أصبتَ فهو أهله وإن لم تُصِب فأنت أهله. أما سوسن علي ونور عبد الكريم فقاربتا الموضوع بطريقة ساخرة، إذ أجابت سوسن: لا أعطي، لأنهم كثيرون وأنا فقيرة، أما نور فقالت: أعطي لأنني فقيرة وأتعاطف مع الفقراء، كلنا فقراء، لكن بعضنا فقراء مع بريستيج. القضاء: مشغلو المتسولين ملّمون بالقانون القاضي المستشار أحمد خليل قال: لا نريد أن نرد الكرة إلى ملعب الشؤون، ولا نريد اتهامهم بالتقصير، فظاهرة التسول ليست وليدة اللحظة، لكنها تفاقمت بعد الحرب. فيما يخص الأطفال، تحت العشر سنوات لا يُلاحق، ولا يُسأل، فالمادة الثانية من القانون الخاص بالأحداث الجانحين رقم 18 لعام 1974 وتعديلاته تنص على ما يلي: (لا يلاحق جزائياً الحدث الذي لم يتم العاشرة من عمره حين ارتكاب الفعل) ومن الواضح أن مشغلي هؤلاء الأطفال لديهم فكرة عن القانون، لأن أغلبيتهم يعتمدون على أطفال تحت سن العاشرة، أما فئة الأحداث، فلا نملك تجاهها صفة التوقيف، وإنما الإيداع في مركز إصلاحي، ثم يسلم إلى وليّه بالذات، فالحدث لا يخضع لعقوبة السجن، وحين لا يكون له أهل، فإن المادة الثامنة من قانون الأحداث الجانحين نصت على: (إذا لم يكن بين ذوي الحدث من هو أهلٌ لتربيته، أمكن وضعه لدى مؤسسة أو جمعية صالحة لتربية الحدث، وعلى مراقب السلوك، أن يراقب تربية الحدث، ويقدم له وللقائمين على تربيته الإرشادات اللازمة) وهذا يؤكد على الدور الكبير المنوط بوزارة الشؤون الاجتماعية والعمل. العقوبة بغاية الإصلاح لا الردع وأضاف القاضي خليل أن هناك أعداداً كبيرة جداً من المتسولين، والقاضي إنسان أيضاً، يتأثر بالحالة التي أمامه إن كانت طفلاً أو امرأة، ويرى أيهما أصلح، أن يكون أمام حالة أولى ليس لها سوابق، ويمنحها فرصة ثانية من خلال تسليمه إلى أهله ليكون تحت حمايتهم المباشرة؟ أو إيداعه في المركز المخصص؟ وهذا الباب إنساني، وفي الوقت ذاته يحرص على تحقيق غاية المشرّع الذي جعل العقوبة غايتها الإصلاح لا غاية الردع. وأوضح خليل أن القانون لا يتوانى عن فرض أشد العقوبات على المشغلين، لكن القاضي تحكمه الأدلة، وإن كانت التحقيقات لا تنطوي على أدلة، وهي عبارة عن قيل وقال، فالقاضي يضطر لتنفيذ القانون، أما عن إطلاق الأطفال الأحداث بعد الإيداع بأيام، فهذا لأن المشرع يعتبر هذا الطفل ضحية، ويُلاحق في إطار الجنح، وعقوبتها ليست جزائية، فالمادة 117 من قانون أصول المحاكمات الجزائية أجازت إخلاء السبيل بعد خمسة أيام من إيداعه في المركز، والقاضي يقوم بتسليمه حصراً لذويه مع تعهد من ولي أمره، أو أحد أقربائه، أو يبقى في المركز، وهنا تتضح الحاجة للمزيد من مراكز الإيداع والإصلاح، وأضاف: بالنسبة لي كقاضٍ، عندما أعلم أن مركز قدسيا للأطفال يتسع لحوالي 70 طفلاً فقط، والحالات لدي تتجاوز هذا الرقم بكثير، أيهما أصلح، تسليمه لذويه، أم إرساله إلى المركز الذي تتسبب زيادة الأعداد فيه إلى الافتقار إلى أهم الخدمات؟ أنا كقاضٍ محكوم بالإضبارة التي تصل إلي، لكن على وزارة الشؤون إعداد ملفات عن هؤلاء الأطفال المودعين في المراكز وعن أوضاعهم الأسرية، لتستوعبهم وتعمل على بناء شخصياتهم من جديد. وأكد خليل مرة ثانية أنه لا يقصد تحميل وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل مسؤولية ما يجري، فالأوضاع العامة معروفة للجميع، لكنه يريد الإشارة إلى أن المجتمع هو الأساس، فالقانون يضبط الخلل، أما المجتمع فيصوب هذا الخلل، والمجتمع السوري لا يجوز أن يسمح لهؤلاء المشغلين باستغلال هذه الطيبة في زيادة هذه الظاهرة، وتمنى ألا يساعد الناس هذه الفئة إلا عبر الجمعيات المختصة بمساعدتهم، موضحاً أن الجسم القضائي يرى أن الحل جماعي، وليس عبر توقيف الحالات أو تركها، وإنما عبر نظرية ثقافية متكاملة، وهذه مسؤولية وزارة الشؤون والعمل عن طريق قيامها بالتوعية عبر برامج محددة وعبر الإعلام بأنواعه، ونشر معلومات عن التسول والتشرد، وتوجيه الأشخاص المقتدرين مادياً إلى الجمعيات المختصة التي يقوم بعضها بتأمين العمل لبعض الحالات، والتعليم لحالات أخرى، ليكون الحل جذرياً. قانون العقوبات اهتم بالتسول من جهته، قال رئيس النيابة العامة في دمشق القاضي ياسين قطيفاني، إن قانون العقوبات أفرد بحثاً كاملاً لموضوع التسول للأشخاص البالغين ذوي الأهلية القانونية (فوق 18 سنة)، وخصص لها المواد 596 إلى المادة 599، فند فيها العقوبات التي تصل في بعض الحالات إلى العقوبة الجنائية، حيث تقول المادة 596: (من كانت له موارد، أو كان يستطيع الحصول على موارد بالعمل، واستجدى لمنفعته الخاصة الإحسان العام في أي مكان كان، إما صراحة أو تحت ستار أعمال تجارية، عوقب بالحبس مع التشغيل لمدة شهر على الأقل، وستة أشهر على الأكثر، ويمكن فضلاً عن ذلك، أن يوضع في دار للتشغيل وفقاً للمادة 79، ويقتضى بهذا التدبير وجوباً في حال التكرار). أما المادة 597 فنصت على: (من أصبح بسبب كسله، أو إدمانه السكر أو المقامرة، مجبراً على استجداء المعونة العامة أو الإحسان من الناس، عوقب بالحبس مع التشغيل من شهر إلى ستة أشهر، وللقاضي فضلاً عن ذلك أن يحكم بوضع المحكوم عليه في إحدى دور التشغيل، ومنعه من ارتياد الحانات التي تباع فيها المشروبات على ما نصت عليه المادتان 79 و80). وفي المادة 598، توسع المشرع في العقوبة لتشمل نماذج أخرى، حيث تقول: (من غادر مؤسسة خيرية تعنى به وتعاطى التسول عوقب ولو كان عاجزاً بالحبس المدة المذكورة أعلاه). وتشدد العقوبة في حالة التكرار. لتأتي المادة 599 التي تقول: (إن المتسول الذي يستجدي في أحد الظروف التالية: إما بالتهديد أو بأعمال الشدة، أو يحمل شهادة فقر حال كاذبة، أو بالتظاهر بجراح أو بعاهات، أو بالتنكر بأي شكل كان، أو باصطحاب ولد غير ولده، أو أحد فروعه ممن هم دون السابعة من العمر، أو يحمل أسلحة وأدوات خاصة باقتراف الجنايات والجنح، أو بحالة الاجتماع ما لم يكن الزوج وزوجته، أو العاجز وقائده، يعاقب بالحبس من ستة أشهر إلى سنتين مع التشغيل، فضلاً عن وضعه في دار للتشغيل إذا كان غير عاجز، وبالحبس البسيط المدة نفسها إذا كان عاجزاً، ويمكن كذلك أن يُفرض عليه تدبير الحرية المُراقبة). وختم رئيس النيابة العامة كلامه أنه لا توجد مشكلة فيما يخص البالغين الذين يعاقبون كما ينص القانون ولا تتم مراعاتهم أبداً، أما المشكلة فهي مع الأطفال، والمشكلة بحاجة لوعي من قبل المجتمع، وللإكثار من مراكز الإصلاح لاستيعاب أعداد أكبر من المتسولين والمشردين. تجربة رائدة ومن التجارب الرائدة على مستوى القطر، والتي يضرب بها المثل دائماً في مكافحة التسول، هي تجربة جمعية البر والخدمات الاجتماعية في حمص، والتي جعلت من مدينة حمص – ولسنين طويلة – مدينة خالية من التسول، وللتعرف على هذه التجربة، تواصلت (تشرين) مع رئيس الجمعية الدكتور غانم أرسلان الذي قال: إن جمعية البر والخدمات الاجتماعية بدأت منذ العام 1970 بمكافحة التسول بمدينة حمص، حيث لاحظت وجود أعداد كبيرة من المتسولين المحترفين وعملت على معالجة مشكلاتهم، فمن كان بحاجة حقيقية تم إعطاؤه معونة مالية وصحية، ومن كان متشرداً من دون من يكفله، تم وضعه في دار العجزة، ومن كان متسولاً محترفاً تم كف يده وإعادته إلى بلده أو إحالته للقضاء، وهكذا تمت معالجة موضوع التسول في مدينة حمص التي غدت خلال سنوات قليلة خالية من التسول، وظلت هكذا حتى العام 2010. وأضاف د. أرسلان: اليوم وبعد انتهاء الأزمة في حمص، عادت جمعية البر إلى متابعة عملها بالتعاون مع مديرية الشؤون الاجتماعية والعمل، وتقوم حالياً بتسيير فرق مكافحة التسول في محاولة حثيثة للقضاء على هذه الظاهرة التي عادت بقوة إلى شوارع حمص، وتعمل بالتعاون مع أهالي المدينة لعودة حمص كما كانت مدينة خالية من التسول. مشروع «سيّار».. على طريق الأمل وعن مشروع (سيّار) الذي يعنى بأطفال الشوارع من المتسولين والمشردين، قالت إحدى مؤسسات المشروع لمى النحاس إن (سيّار) بدأ عام 2014 كمبادرة تستهدف الأطفال المتسربين من المدارس، والأطفال المتسولين أو العاملين بالتسول المقنع مثل بيع بعض المأكولات البسيطة أو مسح السيارات، والأطفال العاملين في مهن لا تتناسب مع أعمارهم ومع طفولتهم، ثم تحولت إلى مشروع يعمل تحت جناح وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل وبإذن وبموافقة منها. وعن سبب إطلاق المشروع، أوضحت النحاس أن المبادرة قد أسست فقط للإضاءة على الظواهر السلبية التي تسببت بها الحرب في المجتمع السوري، لكن حادثة وقعت مع أحد متطوعي المشروع حولت المبادرة إلى بدء العمل مع الأطفال في الشوارع وجعلها أولوية، وهي عندما عرضت طفلة عمرها 9 سنوات نفسها على أحد متطوعي المشروع لقاء مبلغ زهيد. وأوضحت نحاس أنهم لاقوا صعوبة كبيرة في بداية عملهم، فهؤلاء الأطفال مدربون على عدة جمل يستعطفون بها الناس، ومهما حاولت التحدث معهم لن تأخذ أكثر من تلك الجمل نفسها، لكن وعبر بعض الهدايا البسيطة والمأكولات واللعب والحديث معهم عبر فرق جوالة تلتقي بهم يومياً، كُسر حاجز الخوف بين المتطوعين وبين الأطفال، وصاروا ينتظرون فرق المشروع ويفرحون برؤيتها، وكانت بداية اللقاءات في حديقة المتحف للتعرف على احتياجاتهم وما يجب تقديمه لهم لإنقاذهم. وأضافت: حاولنا جذب أطفال آخرين، لكننا لم نستطع، لأن كل مجموعة ممنوع عليها أن تخرج من المنطقة المخصصة لها، فاستقطبنا الأطفال الموجودين في منطقة أبو رمانة، فاكتشفنا أنهم متسولون أباً عن جد، وليسوا من متسولي الأزمة، وثقافتهم العائلية هي التسول والأمية مع الزواج المبكر. وبعد خمسة أشهر تواصلنا مع مشروع (مسار) وسمحوا لنا– مشكورين- العمل في أرض المعرض القديم لمدة عام كامل، كذلك فقد شبّكنا مع المراكز الثقافية عبر وزارة الثقافة التي سمحت لنا– مشكورة أيضاً– حجز ساعتين أسبوعياً لنستطيع استقطاب الأطفال الموجودين في تلك المناطق، وتوسعنا داخل مدينة دمشق، ووصلنا إلى الأرياف مثل الجديدة وجرمانا والصبورة وبعض المناطق التي يوجد فيها هؤلاء الأطفال. وعن الفعاليات التي يقوم بها المشروع، أوضحت النحاس أن على رأس الفعاليات، فعالية (أبناء الشمس) التي انطلقت بتاريخ 1 تموز 2017، وهدفها تسليط الضوء على هذه الفئة المهمشة في كل العالم وليس في سورية فقط، وتحريك الرأي العام تجاههم، والتحول -مع الوزارات المختصة- إلى مشروع وطني للتخفيف من هذه الظاهرة. وعن سبب تسميتها أبناء الشمس، قالت نحاس: إن كلمة سورية باللغة السنسكريتية تعني الشمس، والمشروع يسعى لنقل هؤلاء الأطفال من الظل إلى الشمس، وتم تنفيذ الفعالية في العام الماضي في خمس مدن سورية إضافة إلى دمشق، وثلاث مدن عربية هي (بيروت – عمان – بغداد) نفذوها بالوقت ذاته والبرنامج نفسه، وأطلق الجميع حمامة سلام حمّلها الأطفال أمنياتهم، وعرضت الفعالية بشكل مباشر على موقع فيس بوك، والفعالية في سورية كانت برعاية الهيئة السورية لشؤون الأسرة والسكان وبمساعدة الكثير من الفرق التطوعية، وفي هذا العام كبرت الفعالية، فكانت في تسع مدن سورية وبيروت وعمان وخمس مدن عراقية، ويتم العمل على تحويل الفعالية ليوم عالمي، لأن هذه الفئة ليس لها يوم عالمي مثل بعض الفئات الأخرى، ومن دواعي الفخر أن تنطلق هذه الفعالية من سورية، رغم الحرب والأزمة. تشرين