الرشاقة ليست حكراً على عارضات الأزيـاء.. بل امتدت للمؤسسات الاقتصـادية!
((أنا فخور بمؤسستي «الرشيقة»)): تعـبير عـلى لسان أحد الوزراء الحاليين(لما كان مديراً لمؤسسة كبرى) ..فخوراً بمرونة مؤسسته؛ ولعـله بهذا الوصف بلور أهم مواصفات المؤسسة الناجحة.. لسنا نتحدث عـن ملكة جمال تزهو بقوامها، ولا لاعـب فوتبول يفخر بلياقته! بل عـن مؤسسة تتخذ قراراتها بسرعـة؛ وتنفذها بشكل أسرع، في ظل عـالم شديد المنافسة، بسبب سرعـة المتحولات. يستعـرض خبراء عـلم الإدارة ميزات المؤسسات الصغيرة والمتوسطة – والتي تشـّكل أغلبية قوام اقتصادنا – والمعـروفة اصطلاحاً SMEs ((وهي: Small & Medium scale enterprises))؛ وتتربع عـلى رأس تلك الميزات: سرعـة المؤسسة بالتأقلم مع أي متغـيّرات! ففي مؤسسة عـملاقة؛ يحتاج اتخاذ أي قرار لاجتماع مجلس الإدارة، وقرارات وورقيات، وروتين لا ينتهي، تكون بعـدها: الفرصة قد تلاشت ((أو اضمحلّـت))..! المرونة تتعـلـّق بالدول/المؤسسات/ وحتى حياة الأفراد، يقول آينشتاين في هذا السياق «مقياس الذكاء البشري، هو مدى استعـدادنا للتغـيـّر بغـية التكيـّف مع الظروف». فسـّر عـلماء الأحياء انقراض الديناصورات العـملاقة (بالرغم من سطوتها وبأسها) لكونها بطيئة الحركة وصعـبة التأقلم مع تغـيـّرات البيئة المحيطة..! في حين الكائنات الأصغـر حجماً كانت أكثر رشاقة في ردود أفعـالها، ما أنقذها من الزلازل والانكسارات في قشرة الكرة الأرضية! مثال بسيط عـلى ماقلته: منشأة صغـيرة/حرفية لصناعة المحارم الورقية ضمن عـلب كرتونية؛ لها اسم باهت، وبمجرد نجاح المسلسل المكسيكي «كساندرا» قبل عـقدين من الزمن، هدته قريحته لصاحب المنشأة باختيار الاسم – «ماركة» لمنتجه الخطير- مع صورة البطلة الحسناء، ولم يأخذ منه الموضوع في (تفكير- تصميم- تنفيذ) سوى سويعـات تشاور فيها مع شريكيه (ولديه) واتصال هاتفي مع المطبعة المجاورة، وفي صبيحة اليوم التالي وصلته كميات الكرتون مزدانة بالاسم واللوغو الجديديـن، وفي المساء كان المنتـج بحلّتـه الجديدة يزهو بين أقرانه في الأسواق؛ ولاضرورة للقول بأنـه انتزع قصب السبق، والفضل يعـود جزئيا ً للفكرة؛ ولكن السرعـة في تنفيذها كان لها الحظ الأكبر! أذكر في نهاية التسعـينيات: كنا بصدد دراسة لقطاع دباغـة الجلود الوطني، ولاحظنا – بدهشة – تفوّق القطاع الخاص عـلى القطاع العـام، بالرغـم من بساطة تجهيزاته، وضآلة رساميله، وضعـف عـموده الفقري، بينما وتيرة الإنتاج شبه متوقفة في منشآت القطاع العـام بالرغـم من آلاتها الضخمة/الحديثة/ العـديدة وبحثنا عـن السبب، وسرعـان ما اكتشفناه.. منشأة ق.خ: تقرر شراء جلود من المسلخ، وتنفذ قرارها فوراً، أما مؤسسة ق.ع فبحاجة لجان واجتماعـات ومراسلات، وموافقات من المؤسسة العـامة الكيماوية، والوزارة المختصة، واللجنة الاقتصادية العـليا، ولما يصدر القرار البيروقراطي تكون الفرصة تبخرت! أحد الأقوال الطريفة في تصوير فائدة الفرصة لمن يستطيع قطفها – لقلة مرونته- في الوقت المناسب: دقـّت الفرصة عـلى الباب، ولكننا كنا في الغـرفة المجاورة؛ فلم نسمع قرع الباب!نتيجة دراسة قامت بها المؤسسة العـملاقة: جي بي مورجان ( JP Morgan) أن ّ 95% من العـاملين في مؤسسة ذات مرونة خارج الأطـُر الرسمية يشعـرون بدورهم بحوافز تدعـوهم لتجاوز الأهداف المتوقعـة منهم. شركـة الأدوية الشهيرة(بريستول مايرز سكويب) فيها 14% من الموظفين بمكان العـمل الرسمي مقابل 67% من النسبة المتبقية تقول إنها ترحـّب بالعـمل عـن بـُعـد بسبب تفّهــم الإدارة المرنة في الشركة، ويعدون عـملهم بمكان افتراضي virtualومـن البيت! مؤسسة أخرى (فرنسية هذه المرة) وفـّرت السنة الماضية وحدهـا 42 مليون $ من جراء احتفاظها بموظفين؛ كانوا سيتركونها متسببين بخسارات ضخمة لولا أسلوبها المرن بالتساهـل حيال أوقات ومكان الدوام! الأرقام لاتكذب: لوحظ أن ّهذا بدوره رفع بنسبة 31% من أداء وإنتاجية الموظفين. يقول أحد خبراء الإدارة بشأن وضع برنامج عـمل يومي دقيق للأنشطة الإداريـة ((يجب أن يتحلى البرنامج بالمرونة ليتيح مجالا ً لأي تغـيـيرات تحصل بآخر لحظة – أليس هذا ما يحصل دوما ً؟!- )). يقول ألبير كامو «مباركة هي النفوس التي تنحني، ولا تنكسر». ختاماً: نلاحظ أنّ للمرونـة في جو العـمل نتائج متتالية تشابه تأثير الدومينو!.