«الجهاد» تحت سياط عذاب القبر وجهنم
بكل أسف، لن تتوقف عمليات الذبح والتفجير والقتل علي أيدي الجماعات التكفيرية، بل هي مرشحة للزيادة، فالحصار بأفكار عذاب القبر وجحيم النار ونعيم وحوريات الجنة هي أولي أدوات السلفي التكفيري، حتي تسيطر علينا طوال الوقت، ثم يبدأ السلفي التكفيري يعدد الأفعال المحرمة، فنجد أن كل ما يحيط بنا حرام، ما نسمعه من موسيقي وغناء حرام، وما نراه حرام، والحب حرام، والعمل في الحكومة وغيرها حرام، وطريقة أكلنا حرام، ونكثر من الدعاء ربما نخفف ما يحيط بنا وما نرتكبه من الحرام.
نشعر بالغربة في هذا العالم المليء بالحرام والذنوب، والعذاب الرهيب بعد الموت المفاجئ، ونشاهد مقاطع فيديو يبثونها عن الموت الفاجئ لشباب صغار وأصحاء، ونمتلئ رعبا من عذاب القبر وأصناف الجحيم التي تنتظرنا، وعندئذ يبدأ التكفيريون في تجهيزنا للمرحلة الثانية، وهي أن نرفع راية الجهاد علي هؤلاء الذين يرتكبون الذنوب، ويحيطون بنا، ويمنعونا عن تنفيذ شرع الله، أداة النجاة الوحيدة لنا من هذا المصير المروع.
يبتعد بنا التكفيري خطوة خطوة عن حياتنا اليومية المليئة بالخطايا والذنوب، ونجدهم في مجتمعات صغيرة، يرتدون زيا مختلفا عن مجتمع الخطيئة والكفر، ليميزهم عن غيرهم من العصاة، وليس مهما أن يكون هذا الزي يشبه ما كان يرتديه السلف الصالح أم لا، فالمهم أن له دلالة علي القطيعة مع المجتمع الكافر.
لا يقتصر الجهاد علي المختلفين عنهم في الدين، أو حتي المذهب، فالجميع عصاة وكفار، ولدي التكفيري حديث يعتقد أنه صحيح تماما، مفاده أن رسول الله قال إن أمتي ستنتهي منقسمة علي 73 فرقة، كلها في النار، إلا واحدة ناجية، والتي تتبع سنتي.. وبصرف النظر عن مدي صحة مضمون الحديث والخلافات حوله، فقد جري استخدامه كسلاح في توسيع نطاق التكفير، حيث كل جماعة تعتقد أنها الفرقة الناجية من النار، وأن غيرها من الجماعات، حتي لو كانت تشبهها في الكثير من معتقداتها وسلوكها فهي في النار، وأعضاؤها من الكفار.
طوال حكم جماعة داعش في سوريا والعراق، وفي المناطق التي احتلتها جبهة النصرة في سوريا لا تجد سلفيا جهاديا غرس شجرة، أو ألقي بذور نبتة أو وضع حجرا للبناء أو أنشأ مصنعا إلا لتجهيز السيارات المفخخة والأحزمة الناسفة والألغام، بل حولوا أنابيب البوتاجاز المنزلي إلي قذائف.
معظمنا لم يصدق الفيديو الذي يصور أبا وأما يضعان حزاما ناسفا علي خصر طفلتهما «فاطمة»، ويذهب بها الأب قرب قسم للشرطة، ويطلب منها أن تدخل وتدعي أنها تائهة عن أهلها، ثم يضغط علي زر تفجير الحزام الناسف علي خصر طفلته، لتتناثر أشلاؤها، ويقتل بعض رجال الشرطة في دمشق، فالأب «عبد الرحمن» وزوجته يعتقدان أن طفلتهما ستذهب إلي الجنة. لكننا سمعنا أحد دعاة السلفية الجهادية يقول في مقطع فيديو: إن الجهاد مهنة مربحة، وليس عليك إلا أن تخرج بسلاحك وتأسر بعض الكفار، عدة رجال وأطفال ونساء، وتبيع بعضهم في سوق النخاسة، وتحتفظ بالبعض الآخر من أجل الخدمة والاستمتاع .. هذا «الداعية» موجود بيننا، ويلقي الخطب والمواعظ في المساجد، ويوجد المئات مثله، يروجون للقتل والسبي والتدمير باسم الجهاد.
هذا الخطاب المغرق في انغلاقه والمعني بالآخرة والموت أكثر من الحياة لا يقودنا إلا إلي الدمار باسم الجهاد ضد العصاة والكفار، ورأيناهم يرتكبون الكثير من حوادث الذبح والحرق بكل دم بارد، فالقتلة يتسابقون علي القتل، المئات يقودون السيارات المفخخة في العراق وسوريا، ويتسابقون علي الموت، لأنهم يرون أنه شهادة في سبيل الله، وأنه سيرفعهم إلي الجنة والنعيم، ويفجرون أنفسهم بين الناس في الأسواق والمتاجر والشوارع، ورأينا مقاطع فيديو وهم يزفون العناصر التي تم تكليفها بقيادة السيارات المفخخة أو ارتداء الأحزمة الناسفة، ويتلقون التهاني والتبريكات من إخوانهم في الجماعة. هؤلاء نتاج ثقافة تمزج بين الاستغراق في العيش في الآخرة مع مفهومهم للجهاد، وتكفيرهم لكل ما عداهم، وهذا المزيج متداول وبكثرة، ونسمع صراخ هؤلاء «الدعاة» في الكثير من الزوايا والمساجد وحتي سيارات الميكروباص والتاكسي وبعض المحال، وعشرات بل مئات الفضائيات التي تمولها جماعات ودول تنشر ثقافة القتل والتفجير، لدينا دور حضانة ومدارس ومراكز للدروس الخصوصية يديرها هؤلاء في القري والمناطق العشوائية والمدن الصغيرة، ويواصلون الزحف بأفكارهم، ولا نهتز إلا عندما نري جريمة قتل ارتكبها أحد خريجي هذه الحواضن، ونكتفي بتقديم المجرم إلي القضاء، بل أحيانا يتم تشكيل مجلس عرفي للتحكيم، يسعي للمصالحة، والتوصل إلي مصالحة، وتبادل التهاني بإخفاء معالم الجريمة، بينما معامل التفريخ تواصل إنتاج المئات والآلاف من أمثال هذا المجرم.