بداية القابضة

رئيس التحرير : عبد الفتاح العوض

رئيس مجلس الإدارة : د. صباح هاشم

من نحن اتصل بنا
أجنحة الشام

أخطاء أردوغان التكتيكية وخطيأته الاستراتيجية

السبت 07-01-2017 - نشر 8 سنة - 6022 قراءة

 

 

 

 

قبل أسبوعين تقريباً، صادق الرئيس الأميركي باراك أوباما على ميزانية وزارة الدفاع بما في ذلك مشروع قانون يمهّد الطريق لتزويد فصائل سورية محدّدة بصواريخ مضادّة للطيران محمولة على الكتف، "بعد تحقيق شروط معيّنة".في العادة، تظهر تبعات هكذا قرار فوراً في الميدان لكن ذلك لم يحصل.

حاز مشروع القانون الأميركي على اهتمام خاص في تركيا كون الجماعات الكردية الحليفة لواشنطن في طليعة المستفيدين منه.

ولم يخفِ المسؤولون الأتراك امتعاضهم من القانون. ثم لم يلبث أن ارتفع صوت أردوغان ووزراء في حكومته اعتراضاً على عدم تقديم التحالف الدولي ما كان مطلوباً منه في معركة "الباب". واليوم يعلن نائب رئيس الوزراء التركي أن مسألة استخدام قوات حلف شمال الأطلسي والتحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة الأميركية لقاعدة أنجرليك صارت من أولويات جدول أعمال الحكومة التركية.

الأسبوع الماضي قامت طائرات التحالف بالتحليق فوق مدينة "الباب" بعد الخسائر غير المألوفة التي تكبّدها الجيش التركي وفصائل "درع الفرات". لكن التحالف لم يقصف أية أهداف لداعش في الباب. بات واضحاً أن واشنطن تريد إعادة الحليف التركي إلى بيت الطاعة في ذروة مأزقه السوري. ومع أن روسيا قد شاركت للمرة الأولى في قصف أهداف في الباب، إلا أن هذه الخطوة بقيت استعراضية ولم تلامس سقف المشاركة الفعالّة في معركة هي بالأصل أميركية في اللعبة القائمة.

يقول الوافدون من أنقرة إن أردوغان الذي قام بالاستدارة نحو موسكو بات محاصراً في الداخل بعد أن عادت الأسلحة والمسلّحون الذين فتح لهم الحدود إلى بلاد الشام إليه.

وبالرغم من التعتيم الإعلامي في الداخل التركي حول سير المعارك مع داعش، فإن كل البروباغندا الرسمية حول قُرب انتهاء معركة "الباب" لا تقنع أحداً، بل تزيد من الأسئلة حول أداء وكفاءة الجيش التركي في مواجهة ما كان مُفترضاً أنه "نزهة" في الشمال السوري.

أمام هذا الواقع، لم تتغير رهانات أردوغان الداخلية. يواصل سلطان تركيا الحديثة الرهان على سياسة التفرّد بالقرار حتى داخل حزب العدالة والتنمية. خلال الأشهر القليلة الماضي، تم إقصاء عشرات القيادات داخل الحزب وخضع بعض الرموز لما يشبه الإقامة الجبرية، وصار ممنوعاً عليهم التصريح من دون إذن أردوغان.

سياسة القمع نفسها انسحبت على المكونّات الكبرى في المجتمع التركي. المتابع للإعلام الموالي لحزب العدالة والتنمية يلحظ بوضوح حجم الضّخ باتجاه تصنيف كل من لا يوالي سياسة أردوغان في صف أعداء تركيا !

ثم جاءت موجة العمليات الأمنية النوعية وبلغت ذروتها باغتيال السفير الروسي ثم بالاعتداء الإرهابي "النوعي" ليلة رأس السنة في اسطنبول. صحيحٌ أن أردوغان يحاول استثمار هذه الاعتداءات للمضي في حملته العسكرية في سوريا والدفاع عن الخيار الذي سلكه، لكن الصحيح أيضاً أن المجتمع التركي بات يعاني الاختناق الأمني والسياسي.

ما الذي أوصل تركيا إلى هنا؟ ما سبب الجفاء في العلاقة بين أردوغان وواشنطن؟ هل هو التقارب التكتيكي التركي من روسيا فقط؟ ما هي دلالات الحرفية التي باتت تظهر في الهجمات الأخيرة في تركيا؟ هل باتت أنقرة مسرحاً لتبادل رسائل أمنية بين أجهزة استخبارية بستار داعش؟

هذه الأسئلة تقود جميعها إلى إجابة واحدة. مجدداً يخفق تيّار الاخوان المسلمين الذي يمثله حزب العدالة والتنمية في حساباته. من حق أردوغان اتخاذ خطوات تكتيكية لحماية مصالحه في سوريا. ولكن الخطوات التكتيكية يجب أن تصب في صالح المصلحة الاستراتيجية و إلا استحالت تهديداً. بهذا المعنى فهو قد أخفق أميركياً وأطلسياً حين ناور بعيداً مع الروس من دون التنسيق. كان بإمكانه لعب دور الوسيط بين الشرق والغرب وتسجيل نقاط في قيادة العالم "السنّي" على حساب السعودية المُرهقة ومصر المشغولة بنفسها، لكنه استدار في لحظة أميركية حسبها فراغاً في السلطة، بعد أن أخطأ فهم رسالة الانقلاب الأخير وذهب بعيداً في رد فعله الشخصي.

حتى الساعة، لا يبدو أن هناك إسماً بديلاً عن أردوغان في واشنطن. لم يُطرح إسم البديل حتى في ذروة السجال بين الحليفين. للمؤسسة العسكرية الأميركية حساباتها التي لا يمكن لأي رئيس القفز فوقها، حتى لو كان دونالد ترامب. وترامب بالمناسبة يريد قتال داعش بالحلفاء وأموالهم لا بقواته.

لكن أردوغان تجاوز أجندة إدارة أوباما ورؤية ترامب، وهو يدفع ثمن ذلك. وواشنطن قرّرت المشاهدة والاستمتاع، الى أن يعلن التوبة.


أخبار ذات صلة