يدُ أنقرة على الزناد: دمشق و«قسد» إلى أين؟
يستمر التصعيد سيداً للموقف في ملف مناطق سيطرة «قسد»، وسط أنباء عن سحب موسكو جزءاً من قواتها من ريف حلب الشمالي، وعن تحركات عسكريّة تركيّة مستمرّة وسط تلويحها المتكرر بمهاجمة عفرين. ويأتي ذلك غداة تصريحات الرئيس السوري حول خيانة «المجموعات التي تعمل لمصلحة الأميركيين» صهيب عنجريني من جديد يفرضُ التوتر نفسه على ملف مناطق سيطرة «قوات سوريا الديمقراطيّة» في شمال سوريا وشرقها. وبينما تعيش منطقة عفرين (شمال) ضغطاً تركيّاً متزايداً يلوّح بـ«عملية عسكرية»، حضرت المناطق الشرقيّة الخاضعة لسيطرة «قسد» في تصريحٍ لافت أدلى به الرئيس السوري بشار الأسد قبل يومين لعدد من وسائل الإعلام. وعلاوة على كونه صادراً عن رأس الدولة، جاء التصريحُ في توقيت حسّاس عقبَ تبدّد التفاؤل الذي كان سائداً قبل فترة حول مؤتمر حوار سوري يُعقد في سوتشي، وغداة إسدال ستار الجولة الأخيرة من «جنيف» على تعثّر سياسي جديد. ردود الفعل التي تتالت على ألسنة عدد من الشخصيّات المحسوبة على «مجلس سوريا الديمقراطيّة» نحَت منحى تصعيديّاً بدورها، ليبدو المشهد مختلفاً عن المُعتاد في هذا الملف. وفيما جرت العادة على أن ينطلق التوتر من الميدان (في الحسكة، كما في ريف دير الزور) في شكل اشتباكات بين الجيش السوري و«قسد» أو قوات الأمن السورية و«الأسايش»، اكتسب التصعيد هذه المرّة صبغةً سياسيّة من دون أن تتضح منعكساته الميدانيّة حتى الآن. وفي تزامنٍ لافت، انسحب أمس جزء من القوات الروسيّة المتمركزة في مدينة تل رفعت في خطوةٍ تضاربت الأنباء حولها، ما بين كونها مقدمة لانسحاب روسي نهائي من ريف حلب الشمالي أو خطوة في سياق إعادة انتشار في المنطقة. ويكتسب هذا التفصيل أهمية خاصة تنبع من أن الدخول العسكري الروسي إلى المنطقة في نهاية آب الماضي كان بمثابة تمهيد لوضعها على خريطة «مناطق خفض التوتر» («الأخبار»، العدد 3262)، استباقاً لأي مغامرة عسكريّة تركيّة محتملة. وتزداد أهميّة التفصيل المذكور في ظل المعلومات الواردة عن نشاط عسكريّ تركيّ متزايد سُجّل في خلال الساعات الأربع والعشرين الأخيرة. وفيما تربط بعض التحليلات بين تصريحات الرئيس السوري الأخيرة وأي تحرك عسكري تركي فعلي، يؤكد مصدر دبلوماسي سوري أنّ «الموقف من العدوان التركي لم يتغير ولا يمكن أن يتغيّر: كل وجود عسكري على الأراضي السورية من دون تنسيق مع الحكومة هو احتلال». يقول المصدر لـ«الأخبار» إنّ «هذا ليس كلاماً نخترعه، بل هو أمر مُسلّم به وفق كل القوانين الدوليّة، ولا فرق في هذا الإطار بين قوات احتلال أميركية أو تركية أو سواها». المصدر أكّد أنّ «تصريحات الرئيس الأسد كانت واضحة: كل من يعمل تحت قيادة أي بلد أجنبي ضد جيشه وضد شعبه هو خائن، ولم تقتصر على من يعمل لمصلحة الأميركيين». يوضح المصدر أنّ أي سؤال عن «أزمة بين الحكومة السورية والأكراد»، هو سؤال خاطئ الصيغة، ويضيف: «في سوريا هناك سوريوّن فحسب، من دون أي إشارة عرقيّة أو طائفيّة أو سواها». وعطفاً على ما سبق، يتابع المصدر: «أي مشكلة في أي منطقة سوريّة تُحلّ بالحوار لا بالمفاوضات، هذا التفصيل شديد الأهميّة، وإذا كان هناك من يتوهّم أنّه يقيم دولة داخل الدولة ويتحدث عن مفاوضات، فعليه أن يعي الفارق الكبير بين المصطلحين، ثم أن يجعل بوصلته وطنيّة خالصة من دون تبعيّة لقوى خارجيّة». في المقابل يعلّق «الرئيس المشترك لمجلس سوريا الديمقراطيّة» رياض درار على التطوّرات بنبرة مرتفعة. يرى درار أن «التصريحات الأخيرة التي تتهم جزءاً من الشعب السوري بالخيانة والخروج عن الوطنية غير موفقة، وتخدم التهديدات التركية باحتلال مناطق من سوريا تدافع عنها قوات سوريا الديمقراطية التي تنسق أيضاً مع روسيا الاتحادية لضمان حمايتها». يقول لـ«الأخبار» إنّ التصريحات «تصبّ في مسار التعمية السياسية على الأخطاء التي يرتكبها النظام بالتخلي عن أي مشروع للتسوية، ومشاركة المكونات الشعبية والسياسية في حل يخرج البلاد من أزمة ساهم هو في تأجيجها بسبب عناده وعنجهيّته». ويضيف: «النظام يسعى لإخضاع القوى السياسية أو اتهامها بأنواع التهم، ومنها التعاون مع قوى غير سورية، وهو من ساهم بإدخال هذه القوى عبر إشغال الجيش في معارك مدمرة أضعفته وجعلته رهينة للقوى المتدخلة، وسببت تمكين قوى الإرهاب من التمدد والسيطرة على مناطق واسعة تخلى عنها هو، بمن فيها داعش الذي قامت قوات (قسد) بمواجهته وطرده بمساندة قوات التحالف». بدوره، يقول «رئيس هيئة العلاقات الخارجيّة في مقاطعة الجزيرة» عبد الكريم عمر إنّ «(قسد) ليست هي من جلب التحالف الدولي إلى سوريا، بل جلبه الإرهاب. حين كان الإرهابيون يهاجمون كوباني (عين العرب)، وكانت على وشك السقوط، ساندتنا قوات التحالف دون سواها». يؤكّد عمر لـ«الأخبار» أنّ «هذا لا يعني أنّنا سلّمنا التحالف إرادتَنا، نحن نعمل مع الجميع، ولدينا علاقات متميزة مع موسكو». يرى عمر أن «تصريح (الرئيس) الأسد هو إعلان حرب علينا، في وقت كنا نتوقع فيه البدء بعملية سياسية جديّة بعد القضاء على داعش». ويضيف: «نحن لم نقطع الخيوط مع أحد، وحين ذهبنا إلى حميميم، وأنا كنت عضواً في الوفد، كان التنسيق بيننا وبين التحالف قائماً ولم يحل هذا بين النظام وبين إرسال وفد للجلوس معنا، فماذا تغيّر اليوم؟». يستغرب عمر «الحديث عن القوات الخارجيّة، في وقت لم تتخذ فيه دمشق أي خطوة ضد الاعتداء التركي الذي احتل مناطق واسعة». ويكرر التذكير بـ«دور قسد في محاربة الإرهاب»، ويشدّد على أهميّة «البحث عن حلول سياسية للأزمة التي نعيشها، لأن القضاء على داعش لا يكون بالمعارك العسكريّة فقط، بل بإزالة الأسباب التي أدت إلى وجوده. والإرهاب ليس داعش فحسب، هناك عشرات الفصائل الراديكاليّة المرتبطة بتركيّا مثل (النصرة) وغيرها». ورغم الاحتقان المتزايد عبر التصريحات والتقارير الإعلاميّة، تؤكّد مصادر سوريّة كرديّة أنّ «التصعيد ليس النغمة الوحيدة السائدة في الشارع». ويقول السياسي ريزان حدّو المقيم في عفرين إنّ «شريحة واسعة في الشارع الكردي في عفرين تحديداً تأمل زوال كل أسباب التوتر مع الحكومة السوريّة». يقول حدو لـ«الأخبار» إنّه لا يرى أن «الأكراد هم المقصودون بتصريحات الرئيس السوري وفق المحددات التي وردت في كلامه (من يأتمر بالأوامر الأميركية ويعمل ضد الشعب والجيش) فالوحدات الكردية وقفت مع إخوانها السوريين في نبّل والزهراء، ورفضت المشاركة في حصار المدنيين، واستقبلت الجنود السوريين المحاصرين في منغ عندما كان عمر الشيشاني يتوعدهم بمذبحة». كذلك، يُذكر حدّو المقرب من «وحدات حماية الشعب» بأنّ «الوحدات الكردية والجيش السوري تصدوا معاً لهجمات داعش في الحسكة، وتدخلت الوحدات في معارك رأس العين (2012 و2013) لإنقاذ جنود سوريين حوصروا في منطقة (أصفر نجار) من قبل الدبابات التركية وعناصر متطرفين من (النصرة) و(غرباء الشام). ويشدد على أن أي اشتباك بين الطرفين «سيصبّ في مصلحة التنظيمات الإرهابيّة والدول والجهات التي تريد إضعاف السوريين، وسيعطي دفعاً للمشروع التركي العدواني الهادف إلى تكرار تجربة لواء الإسكندرون ودولة شمال قبرص». العلم السوري في «الأحياء الكردية» شهد عدد من أحياء حلب أمس تطوراً لافتاً، تمثّل في رفع العلم السوري في عدد من الأحياء التي تنتشر فيها حواجز لـ«وحدات حماية الشعب» الكرديّة. ورغم عودة معظم أحياء المدينة إلى سيطرة الدولة السورية إثر خروج المجموعات المسلّحة من القسم الشرقي أواخر العام الماضي، ظلّ العلم السوري غائباً عن عدد من الأحياء مثل الشيخ مقصود، الأشرفيّة، الهلّك، وبعيدين. وترافق رفع العلم فوق المؤسسات الحكوميّة ببدء عودة عشرات من العائلات إلى تلك الأحياء، بعد أن حالت بينها وبين عودتها سابقاً جملة تعقيدات ومخاوف. ورغم أن الإجراء يأتي في خضم تزايد حدة التصريحات بين الحكومة السورية و«مجلس سوريا الديمقراطيّة»، نفت مصادر كرديّة أن يكون رفع العلم ناتجاً من «الخوف من التصعيد»، وأكدت أنه يأتي في إطار اتفاق محلي بين المحافظة ووجهاء الأحياء. الأخبار