ما الذي يجري في السعودية ؟
لقد كانت “مملكة آل سعود” في عربة مشروع العدوان الأمريكي على المنطقة، من أجل إعادة هذه المنطقة ودور الأمريكي فيها، وصولا إلى تفرّده في السيطرة على الإقليم بدون وجود حلف المقاومة، وهو الحلف الذي طالما حاول مقاومة وإسقاط هذا المشروع.. كلّ المعطيات تدلّل وتؤكّد أن المشروع الأمريكي لم يمرّ، وبالتالي فإنّ هناك خسائر كبيرة ستلحق بكلّ من عوّل أو ساهم في هذه العربة الأمريكية ومنهم “السعودي”، خاصة وأنّه ذهب بعيداً جدّاً في التعويل على نتائج رآها أنّها محسومة لصالح العدوان.. لم يوفّر “السعودي”، إلى جانب آخرين، أيّ أداة أو وسيلة أملا في الوصول إلى خارطة إقليمية تكون فيها الثورة الإسلامية في إيران من الماضي، فقامر بكلّ ما يملك في سبيل ذلك، وحيث أضحى كلّ ما يملكه معرّضاً للخسارة أو للربح، فلو ربح الأمريكي الحرب لكانت “داعش” اليوم دولة هامة وكبيرة على مستوى المنطقة، وهي التي سوف تسوَّق باعتبارها الدولة “السنية” التي هزمت الثورة “الشيعيّة” في إيران، وسوف تعمّم ثقافتها على شعوب المنطقة كاملة، وإذا استغرب أحدٌ هذا الكلام اليوم عليه العودة إلى أرشيف وسائل إعلام العربان ليتذكّر كيف كانت تسوّق “داعش”!!.. لكن السؤال الذي لم يجب عليه كثيرون، وهو ماذا يعني أن يفشل الأمريكي في عدوانه، وبالتالي ماذا تعني خسارة “السعودي” ومن وقف إلى جانبه من قوى إقليمية؟.. خسارة “السعودي” ليست فقط خسارة ماديّة، وإنّما هي خسارة شاملة، باعتبار أن خسارة “النموذج الداعشي” سوف يرتدّ خسارة على “مملكة آل سعود” في مستواها “الوهابي”، أي انّ فضيحة “النموذج الداعشي” هي فضيحة أمنية للأمريكي لكنها فضيحة “للنموذج الوهابي السعودي”، ليس فقط على المستوى الإقليمي وإنما على المستوى الدولي والتاريخي، والتخلّص منه، ولو استعراضاً، أضحى مطلباً أساسيّاً لبقاء “المملكة” واستمرارها، خاصة في وجه الضغوط التي تتعرض له على المستوى الدولي.. إضافة إلى ذلك هناك خسارة أخرى لحقت بالنمط السياسيّ “للملكة”، باعتبار أنّ هذا النمط هو نتاج ثقافة حاكمة لها، نعني “المملكة” أيضاً، وهو ما يحاول البعض الاشتغال عليه للالتفاف على هذه الخسارة خلال هذه المرحلة.. أولا.. كان لابدّ من أن تتخلّص “المملكة” من خارطة علاقات كانت قد حدّدتها خلال مرحلة العدوان ذاتها، فهي من جهة كانت الراعي والداعم الأساسي “للأخوان المسلمين” على مستوى المنطقة، وهذا ليس جديداً عليها، فهي كذلك بتوجيه من بريطانيا منذ نشأت “الأخوان”، إلا أن الخسارة فرضت على “المملكة” الدفاع عن “الوهابية” من خلال هجومها على “الأخوان”، مصدّرة أن كل ما جاء به “النموذج الداعشي” إنما هو ناتج فعل “الأخوان”، حيث ضحّت مرحلياً بهم وصولاً إلى تبرئة “الوهابية”، إذاً كان مطلوباً بدايةً تبرئة “الوهابية” من تبعات “النموذج الداعشي” الذي تمّ فضحه وتظهيره على حقيقته، وهذا ما ولّد الخصومة مع “قطر” والابتعاد عنها مبدئياً، وهذا أولاً.. أمّا ثانيا.. فكان لابدّ من العمل على إعادة إنتاج النمط الداخلي لبناء الحكم في “المملكة”، وهو ما تمّ التركيز عليه أخيراً باعتباره نمطاً بالياً، عبّر عنه الأمريكي “أوباما”، حين كان رئيساً للولايات المتحدة، لكن ذلك لم يكن اكتشافاً من قبل الرئيس الأمريكي آنذاك، بمقدار ما كان تعبيراً عن الخسارة التي مُنيَ بها المشروع الأمريكي، والذي مثّل خسارة تاليةً لنمط الحكم في “المملكة” وفي معظم دول الخليج، وهو ما دفع الرئيس “أوباما” حينها لجمع حكومات الخليج وإبلاغها بذلك.. إذاً سقطَ النمطُ السياسيُّ للحكم في “المملكة”، وكان مطلوباً التنازل عن هذا النمط، من خلال التنسيق الجديد مع “ترامب” الظامئ جدّاً لمال الخليج، وتحديداً “مملكة آل سعود، باعتبار أنّه كان ينظر إليها باعتبارها “بقرة حلوب”، أو كما كان يصفها، وكان يتطلع إلى استغلالها ونهبها بكل السبل الممكنة.. لقد كان هناك استعدادُ كبير في العائلة المالكة “للملكة” لهذا الاستغلال، مقابل أن تتخلّص “المملكة” من سقوط النمط السياسيّ فيها، ولم يكن أمامها إلا أن تكسر هذا النمط بدفع “محمد بن سلمان” كي يكون “بطل نمط سياسيّ جديد”، من خلال حركة استعراضية يُقدَّم فيها بثوب “إصلاحيّ”، ويتم تسويقه على هذا الأساس أمام رأي عام عالميّ، على اعتبار أنّ “المملكة” تجاوزت نمطها السياسيّ السابق الذي سقط نتيجة الخسارة الكلية على مستوى المنطقة والإقليم.. الاستخبارات الأمريكية لم تكن بعيدة عن هندسة هذا “النموذج الجديد” والتسويق له، كما أنّ دائرة الحكم الصغيرة لـ “ترامب” كانت مشرفة على إخراج هذا “النموذج”، فكان أن قُدّمت حركة “الإصلاح الجديدة” بإلقاء القبض على بعض الأمراء الذين اعتبروا رئيسيين وأساسيين في بنية الحكم السابق، البنية التي تمّ فضحها وهزيمتها أمام ما دعمته وقدّمته وفعلته على مستوى المنطقة، وكانت هذه ثانية هامة جدّاً.. أما الثالثة.. فهي خطوة هامة أيضاً، تتمثل في ضرب خارطة العلاقات التي رتّبتها البنية السابقة لحكم “المملكة”، ببعض الذين استعملوا من قبلها، باعتبارهم جميعاً أدوات سياسيّة استعملتها “المملكة” خلال مراحل الاشتباك السابقة، حيث كان “هادي” في اليمن، و”الحريري” في لبنان، على مستوى الأفراد والأسماء التي كان يجب تجاوزها، باعتبارها جزء من بنية حكم سابقة، أملاً بأنّ استبدالها يمكن أن يحمل دلالة هامة لتجاوز البنية التي ذكرنا.. ما يحصل لـ “هادي” اليوم لا يختلف عمّا يحصل مع “الحريري”، غير أنّ البنية الخاصة للبنان أظهرت ما حصل مع “الحريري”، في حين أنّ البنية اليمنية والعلاقة مع “المملكة” من خلال الوضع الخاص بـ “هادي” وعدوانها على اليمن لم تظهّر حقيقة ما يحصل مع “هادي” في هذه المرحلة.. النقطة الرابعة.. وهي النقطة الأكثر أهمية، والتي تأتي بالـ “مملكة الجديدة” كي تصطف اصطفافاً كليّاً وعلنيّاً مع “إسرائيل”، وهو مسعى “أمريكي – إسرائيلي” يقابله تمكين “المملكة الجديدة” من العودة “بقوة” على المستوى الاقليمي، لكنّ المقابل المدفوع من “المملكة” للأمريكي كان كبيرا جدّاً خاصة لجهة النهب المالي من قبل “ترامب” والذي رافق جملة هذا الحراك، وذلك كلّه سعيّاً “أمريكيّا – إسرائيلياً” إلى ترتيب اصطفاف أقوى في وجه حلف المقاومة، وتحديداً المكوّن الإيراني منه!!.. بهذا المعنى يمكن أن نفهم أنّ ما يحصل في “مملكة آل سعود” إنّما هو إعادة إنتاجها من جديد كي تكون أكثر استعمالاً في يد الأمريكي، إضافة إلى الحفاظ عليها وعلى نظام الحكم فيها!!!.. خالد العبود