الجيش السوري عند حدود العراق: الاقتصاد أول المنتفعين
يستعدّ الوسط الاقتصادي لقطف أولى ثمار وصول وحدات الجيش السوري وحلفائه إلى الحدود العراقية، إذ أعاد التواصل البري بين البلدين انتعاش آمال عودة العلاقات بينهما.
ومع أن الأمر لا يزال رهناً بالإجراءات الأمنية، إلا أن وصول وحدات من الجيش السوري إلى بعض المناطق الحدودية مع العراق، أنعش آمال الوسط الاقتصادي بإمكانية إعادة فتح الطريق البري بين البلدين، والذي كان قد أُغلق تماماً قبل أكثر من ثلاث سنوات عندما سيطر تنظيم «داعش» على معابره الرئيسية، مانعاً بذلك حركة النقل والتنقل بين البلدين، للأفراد والبضائع.
ومن شأن استعادة دمشق وبغداد تواصلهما البري إنعاش اقتصادهما، لا بل هناك من يؤكد أن هذا التطور الميداني سينعكس إيجاباً أيضاً على اقتصادات دول أخرى في المنطقة كلبنان وإيران.
ووفق ما يقول عضو غرفة تجارة دمشق مازن حمور، فإنّ «العراق يُمثّل العمق الاقتصادي الاستراتيجي لسوريا»، متوقعاً في حديثه إلى «الأخبار» أن يحقق التبادل التجاري بين البلدين «زخماً متسارعاً مع فتح الطريق البري، وخاصة أن ذلك التبادل يمثل مصلحة مشتركة لكلا البلدين، لجهة تصريف منتجاتهما وسلعهما المصنعة محلياً، وكسر حالة العزلة والحصار التي فرضت على اقتصادهما بفعل سيطرة تنظيم داعش على الحدود، أو نتيجة القرارات الغربية الساعية لخنق الاقتصاد السوري».
وهناك من يذهب بعيداً في تفاؤله، فيشير إلى أن سيطرة «داعش» على المعابر الحدودية الرئيسية أظهر كم أضاع البلدان من فرص اقتصادية كبيرة، وذلك في ضوء تدني معدلات التبادل التجاري بين دمشق وبغداد. وعلى ذلك، فإنّ النتائج الاقتصادية المتوقعة لفتح الطريق البري لن تقف عند استعادة المستويات التي جرى تحقيقها سابقاً، وإنما ستتجاوزها بكثير، بالنظر إلى الظروف الراهنة التي يعيشها البلدان سياسياً وعسكرياً واقتصادياً، سواء بالنسبة الى قيمة المبادلات التجارية أو الى حجم الاستثمارات البينية.
قيم متواضعة!
تكشف البيانات الإحصائية التي حصلت عليها «الأخبار» من وزارة الاقتصاد والتجارة الخارجية، أنّ التبادل التجاري بين البلدين سجّل خلال أول عامين من عمر الأزمة زيادة ملحوظة، مقارنة بالفترة السابقة. ففي عام 2010 لم يكن حجم التبادل التجاري يزيد على 206 ملايين يورو، في حين أنه في عام 2011 تم تحقيق تبادلات تجارية وصلت قيمتها إلى نحو 285 مليون يورو، أي بنسبة زيادة تبلغ نحو 38 في المئة. وفي عام 2012 استمرت قيمة التبادلات التجارية بالارتفاع لتصل إلى 358 مليون يورو، ليأتي عام 2013 حاملاً معه سيطرة «داعش» على مناطق عدة في الجزيرة السورية وباديتها، ما أدى إلى تراجع حجم التبادل التجاري ليسجل نحو 66.98 مليون يورو في العام المذكور، ونحو 46.55 مليون يورو في عام 2014، ليكون بذلك هذا العام الأسوأ على صعيد العلاقات التجارية السورية ــ العراقية.
لكن مع دخول النفط العراقي إلى تركيبة تلك العلاقات، عاد التبادل التجاري ليسجّل في العام 2015 رقماً متقدماً بلغ نحو 280.44 مليون يورو، إلا أنه سرعان ما عاود الانخفاض مجدداً في العام الماضي ليبلغ نحو 175.13 مليون يورو.
وهنا يسأل كثيرون، كيف يجري استيراد النفط العراقي و«داعش» يسيطر على الحدود؟ تجيب مصادر خاصة عن ذلك السؤال بالإشارة إلى أنّ النفط العراقي يجري استيراده عبر المناطق «التي يسيطر عليها الأكراد» في الجزيرة السورية والمتاخمة للحدود العراقية، في مقابل رسوم معينة يدفعها القطاع الخاص الذي يستورد النفط لمصلحة الحكومة السورية، المضطرة إلى ذلك بعد سيطرة «داعش» على معظم حقول المنطقة الوسطى مع بداية هذا العام، وتراجع الكميات المستوردة بحرياً من إيران. ولذلك، كان من الطبيعي أن يسجل الربع الأول من العام الحالي رقماً متقدماً في حجم التبادل التجاري بين دمشق وبغداد وصل إلى 184.68 مليون يورو، أي ما معدله 2.2 مليون يورو يومياً.
يقود تحليل بيانات التجارة الخارجية السورية مع العراق إلى نتيجة رئيسية مفادها أن معدلات التبادل التجاري خلال السنوات السابقة لا تُعبِّر عن الإمكانات الحقيقية لاقتصاد كلتا الدولتين، وتحديداً على مستوى تركيبة السلع والمنتجات المتبادلة، فضلاً عن طبيعة الفرص الضائعة، والتي كان يمكن استغلالها بما يحقق مكاسب كبيرة للطرفين. فمثلاً، يشكل النفط العراقي نحو 99 في المئة من مستوردات سوريا خلال السنوات الثلاث الماضية، في حين أنّ الأدوية البشرية والألبسة السورية تشكل نحو 18 في المئة و12 في المئة على التوالي من إجمالي الصادرات السورية للعراق، هذا إضافة إلى ما يقوله الباحث في الشؤون الزراعية حسان قطنا، من أن التقديرات تشير إلى وجود ما بين 300 ــ 500 ألف طن من المنتجات الزراعية يجري تهريبها سنوياً باتجاه العراق. ولذلك، فإن هناك آفاقاً كبيرة لتفعيل التبادل التجاري إذا ما قدر للطريق البري أن يفتتح، وهذا يمثل بنظر مازن حمور «تحدياً للصناعة السورية، التي عليها مسؤولية رفع مستويات الإنتاج عن السابق لتلبية احتياجات وجهة تصديرية، هي الأهم لاعتبارات عديدة سياسية واقتصادية».
الترانزيت أيضاً
الوجه الآخر لمنافع التواصل البري بين سوريا والعراق يكمن في استعادة تجارة الترانزيت بين البلدين عافيتها بعد توقف قسري دام سنوات عدة. وإن كانت هناك محاولات من بعض الشاحنات للاستمرار في التنقل بين البلدين، فإنّ الرسوم الكبيرة التي يفرضها «داعش» على مرور كل شاحنة، وحرص التحالف الغربي على استمرار «القطيعة» الاقتصادية بين سوريا والعراق عبر استهداف طائراته للشاحنات وطرق النقل البديلة، أسهما في فشل تلك المحاولات غالباً.
ويؤمن رئيس اتحاد شركات النقل الدولي في سوريا صالح كيشور، بأنّ إعادة فتح الطريق البري سوف يسمح سريعاً باستئناف استيراد العراق لاحتياجاته عبر مرفأ طرطوس. وهو المرفأ الذي كان يُلقَّب سابقاً بـ«مرفأ بغداد»، الأمر الذي يعني إعادة تشغيل أسطول الشاحنات السورية والعراقية من ناحية، واستفادة خزينة الدولة السورية من رسوم الترانزيت والاستيراد من ناحية ثانية، وتخفيض العراق تكلفة استيراد ما يحتاج إليه من سلع وبضائع من ناحية ثالثة. ويضيف كيشور في حديثه إلى «الأخبار» أن «متوسط عدد الشاحنات التي كانت تعبر الحدود يومياً باتجاه العراق قبل سيطرة تنظيم داعش وصل إلى نحو 200 شاحنة يومياً».
ولا تقتصر فوائد استعادة تجارة الترانزيت باتجاه العراق على الاقتصاد السوري فقط، فالصادرات اللبنانية تتهيأ منذ اليوم للدخول مجدداً عبر الأراضي السورية إلى الأسواق العراقية، وهذه هي حال مرفأ بيروت الذي يتمنى الاستحواذ على نسبة ليست بالقليلة من إجمالي المستوردات العراقية. وفي السياق نفسه، لا يستبعد اقتصاديون أن يقود فتح الطريق البري مع العراق إلى الضغط على الحكومة الأردنية، التي ستجد نفسها مضطرة تحت ضغط خسائر مزارعيها وتجارها إلى التفكير جدياً بفتح معبر حدودي لها مع سوريا، ولا سيما بعد سيطرة القوات العراقية على المثلث الحدودي للدول الثلاث، واتجاه الجيش السوري لحسم معركة درعا بالسلاح أو بالمصالحات والتسويات.