الدكتور فواز صالح يكتب لصاحبة الجلالة: كورونا والأخلاق
صاحبة الجلالة _ د. فواز صالح
كتب الدكتور فواز صالح أستاذ في كلية الحقوق بجامعة دمشق نائب رئيس اللجنة الدولية لأخلاقيات البيولوجيا في اليونسكو سابقاً .. تبنت اللجنة الدولية لأخلاقيات البيولوجيا (IBC) والمفوضية العالمية لأخلاقيات المعارف العلمية والتقانات كومستCOMEST )) التابعتان لمنظمة اليونسكو، في شهر آذار الماضي، إعلاناً بشأن فيروس كورونا (كوفيد 19)، جاء فيه أن العدوى الناشئة عن هذا الفيروس تستدعي تأملاً واستجابة أخلاقية-حيوية على الصعيد العالمي.
وأن مواجهة هذا الفيروس عالمياً تتطلب ضرورة تجاوز الانقسامات السياسية، والحدود الجغرافية، والاختلافات الثقافية، بهدف الوصول إلى تدابير مناسبة للتغلب على هذا الوضع الدراماتيكي. ودور لجان أخلاقيات البيولوجيا ولجان الأخلاقيات على الأصعدة الوطنية والإقليمية والعالمية، في مثل هذه الأزمات، هو دعم حوارٍ بناءٍ قائمٍ على القناعة بضرورة أن تكون القرارات السياسية مؤسسة علمية، وتقودها الأخلاقيات ومستلهمة منها.
ووجهت اللجنة والمفوضية نداءً إلى الحكومات من أجل أن تتخذ تدابير عاجلة لمواجهة هذه الجائحة تبنى على العناصر الآتية:
1- ضرورة بناء السياسات الصحية والاجتماعية على أدلة وبراهين علمية قوية، مع مراعاة الشكوك التي قد تنشأ وقت الجائحة، وخاصة عندما يكون سبب الجائحة عاملٌ ممرضٌ جديدٌ، وينبغي أن توجه الاعتبارات الأخلاقية العالمية هذه السياسات. وينبغي على القرارات السياسية أن تقوم على معارف علمية قوية، من دون أن تستمد مشروعيتها من العلم فقط. ففي حالة الأزمة التي تتضمن عناصر مجهولة عديدة، يصبح من الضروري إجراء حوارٍ مفتوحٍ بين السياسة والعلم والأخلاق والقانون. والسياسات التي لا تقوم على معارف وممارسات علمية راسخة هي غير أخلاقية لأنها ضد الجهود التي تبذل من أجل الوصول إلى رد مشترك على هذه الجائحة.
2- لا يعدّ توزيع موارد الرعاية الصحية على المستويين الكلي والجزئي مبرراً أخلاقياً إلا إذا كان قائماً على مبادئ العدالة والمنفعة والانصاف. وفي حالة اختيار المرضى، بسبب نقص في الموارد، يجب الأخذ بالحسبان الحاجات السريرية وفعالية العلاج. وينبغي أن تكون التدابير شفافةً، وأن تحترم الكرامة الإنسانية. فالمبادئ الأخلاقية المكرسة في نطاق حقوق الإنسان تعترف بحماية الصحة كحقٍ لكل كائن بشري.
3- يجب الأخذ بالحسبان استراتيجيات دعم ووقاية لحماية الأشخاص الضعفاء، وضمان ألا تسوء ظروفهم أكثر. وينبغي أيضاً اتخاذ تدابير أخرى من أجل معالجة الضغط النفسي الذي سببه القلق النجم عن الجائحة وتأثير العزل.
4- التأكيد على مسؤوليات الحكومات لضمان الأمن العام، وحماية الصحة، وتوعية الجمهور والجماعات الفاعلة الأخرى حول الإجراءات الضرورية لمنع انتشار العدوى؛ ومسؤوليات الجمهور باحترام القواعد التي تحمي كل شخصٍ، ليس فقط بوصفه فرداً، وإنما أيضاً كمجتمع؛ ومسؤوليات العاملين في مجال الرعاية الصحية في علاج المرضى والعناية بهم.
5- ينبغي، في عصر وسائل التواصل الاجتماعي التي تؤدي إلى التضليل والمعلومات الخاطئة، أن تلعب المعلومات العامة الدقيقة، وخاصةً المعلومات العلمية، دوراً أساسياً في توجيه الالتزام الجماعي للأفراد. تعدّ المعلومات المحددة والعملية والمفهومة المتعلقة بأفضل الوسائل لأداء نشاطات الحياة اليومية معلومات مهمة من أجل أن يستطيع المواطنون، ليس فقط حماية صحتهم، وإنما أيضاً من أجل أن يسهموا في ضمان الصحة العامة. وفي الأساس، يجب أن تكون الرسالة صادقة، ودقيقة، وشفافة ومقدرة حتى لا تزرع الرعب، ولا تقلل من خطورة الظروف، ولكن أن توعي المواطنين، بأسلوبٍ نقديٍ، بالمخاطر الحالية والمستقبلية.
6- ومن الضروري التنسيق بين الجهود المبذولة على الصعيد الدولي، وصياغة فهمٍ مشتركٍ لإجراءات المراجعة الأخلاقية. وقد تصبح مراجعة وموافقة على وجه السرعة لمناهج جديدة ضروريةً حتى لا يتم تأخير إجراء البحث في أثناء هذه الطوارئ الصحية العامة. وأصبح الوقت ملحاً، في أثناء هذه الجائحة، لإحداث لجنة إشرافية من أجل بحثٍ مسؤولٍ على مستوى عالمي. وينبغي على مثل هذه اللجنة أن تجمع النتائج التي تم الوصول إليها على المستويات المحلية، وأن تنسق أو تشارك إجراءات المراجعة، التي يمكن أن تعدّ استثنائيةً في زمن الجوائح، ولا تتبع القواعد المعتادة. في هذا الصدد، يعدّ تقديم توجهات إلى اللجان الأخلاقية المحلية أمراً جوهرياً. من الممكن استيعاب أن تتكيف الممارسات الحديثة مع سياق الطوارئ، آخذين بالحسبان طبيعة التهديد العالمي. ومن المهم أيضاً في مثل هذه الظروف ألا يكون الهدف من إجراء البحث العلمي تحقيق ربح مادي محض. وينبغي الاعتراف بالشفافية، ومشاركة البيانات، وتشاطر منافع البحث العلمي لكل البشر كقيم أساسية. ويجب على الباحثين الالتزام بالمبادئ الأخلاقية للبحث العلمي، ويجب أن تخضع كل النشاطات البحثية لمراجعة اللجان الأخلاقية المختصة.
7- ضرورة التأكد من أن المسائل الأخلاقية والاجتماعية والسياسية المتعلقة باستخدام التقانات الرقمية مثل الهواتف المحمولة ووسائل التواصل الاجتماعي والذكاء الصناعي يتم معالجتها على نحوٍ ملائمٍ. إذ ينبغي احترام حقوق الإنسان دائماً، وينبغي أن تكون قيم الحياة الخاصة والاستقلالية متوازنة بعناية مع قيم الأمن والأمان.
8- وينبغي ألا تعرقل التدابير المتطرفة التي اتخذتها الدول لمنع انتشار عدوى الفيروس التعاون الدولي في محاربة الجائحة، ولا أن تحرض على رهاب الأجانب أو على التمييز أو تديمهما. ويعدّ بناء التضامن والتعاون بدلاً من إيجاد الملاذ في الإقصاء والعزل هو واجباً أخلاقياً. كما أشار الإعلان إلى أهمية التعاون والتضامن الدوليين بدلاً من رؤيةٍ ضيقةٍ للمصلحة الوطنية، وأكد على مسؤولية الدول الغنية بمساعدة الدول الفقيرة في هذا الوقت من الطوارئ الصحية العامة الدولية. كما دعى إلى اتخاذ تدابير ضد كل أشكال الاتجار أو/ والفساد الممارس من قبل أفراد أو مجموعات التي تحاول تقويض التضامن الضروري.