عفرين السورية... حياة جديدة ومصير مجهول
يعتري الزائر لمدينة عفرين شعور غريب حول هذا المكون الجديد، الذي بدأ بتلمس الحياة ليفرض نفسه أمرا واقعا مستفيدا من حالة الحرب والفوضى التي تعيشها البلاد.
فزائر عفرين للمرة الأولى بعد غياب الدولة عنها، يشعر بأنها كجنين قطعت مشيمته عن رحم أمه ويحاول البقاء على قيد الحياة معتمدا على ما يقدم له من مساعدات خارجية وقدرات ذاتية ليس معلوما متى تنضب.
استطاع القائمون على المدينة خلق ملامح دولة عبر إقامة هيئات وكيانات تدير شؤون المدينة بشكل ذاتي مستفيدة من البنى التحتية التي خلفتها الدولة، والتي نجت من التخريب الذي طال أماكن أخرى من سوريا ليصبح للمدينة شرطة جديدة تحت اسم اسايش وجمارك ومدارس تعلم التلاميذ بلغة ومناهج كردية وتعطيهم شهادات تمكنهم من الدراسة، فقط بجامعة عفرين المشكلة حديثا وبكوادر محلية كانت في السابق تدرس بالجامعات الحكومية.
سيارات المدينة بات لها لوحات جديدة مكتوب عليها اسم عفرين باللغتين الكردية والعربية وأرقاما تستخدم فقط داخل المدينة حيث يقوم السائق بتسليمها على آخر حاجز وتركيب لوحة اخرى مكتوب عليها حلب وغيرها من المحافظات كونه لا يستطيع استخدام هذه اللوحة خارج عفرين.
لتزور عفرين يجب أن يكون لديك كفيلا يدخلك إلى المدينة ويكون مسؤولا عن تصرفاتك حتى مغادرتك إياه، الأمر الذي حرم أهالي حلب زيارة هذه المدينة التي كانت في السابق مقصدا سياحيا ومتنفسا لهم في الصيف بفضل طبيعتها الخلابة وجوها اللطيف. هذا الأمر فرض أيضا حالة شبه انعزال للمدينة عن باقي المدن الأخرى نتيجة لصعوبة تأمين الكفيل وغير ذلك من الإجراءات التي تتسبب بوقوف الزائر لساعات على حواجز الاسايش المزروعة على مداخل المدينة التي يقف عليها الناس بالمئات تحت الشمس الحارقة منتظرين السماح لهم دخول المدينة.
وان كنت من أهالي عفرين عليك إبراز بطاقة إقامة تثبت أنك من سكان المدينة أو ريفها.
بعض القادمين إلى المدينة يقصدونها من أجل العبور إلى مدينة أخرى أحدهم كان رجلا سبعينيا رفض الكشف عن اسمه لمراسل "سبوتنيك" وأخبره فقط أنه من قرية المهدوم بريف حلب الشرقي وقال "هربت من الدواعش باتجاه الطبقة بريف الرقة التي أعيش فيها حاليا… أنا ذاهب إلى سراقب بريف إدلب لأجلب أحفادي الموجودين فيها ليعيشوا معي في الطبقة".
يقصد عفرين أيضا أسر السجناء لدى الاسايش..فعلى مدخل المدينة من جهة اعزاز سلك ارتال من الأشخاص الطريق مشيا على الأقدام قاصدين زيارة أبناءهم حيث قال محمود الرجل الثمانيني لمراسل سبوتنيك "انا من مارع بريف حلب.. قادم عن طريق اعزاز لازور ابني المسجون بقرية رجو التابعة لعفرين…هو كان في تركيا مع زوجته وأولاده يعمل حلاقا هناك من اجل لقمة العيش ولكن المعيشة بتركيا غالية وصعبة لذلك قرر العودة الى سوريا ليعمل في الزراعة إلا أن الأكراد اعتقلوه منذ سنة على احد حواجزهم وسجنوه بتهمة الانتماء للجيش الحر."
معاناة القادمين لاتقتصر على مشيهم مسافات طويلة تحت الشمس الحارقة الا انها تهون امام معظمهم تجاه معاناتهم لمعرفة مصير ابنائهم المسجونين فالسيدة السبعينية فريدة والدة ابراهيم حسن جمعة القادمة من دير الزور تقول.."اعتقل الاكراد ابني الوحيد على احد الحواجز لأنه من الجيش الحر منذ عشرة اشهر واريد ان يخرج ابني من السجن..هم يعاملونه معاملة جيدة لكنهم لم يحاكمونه حتى الان..نريد فقط ان يحاكمونه ويضعون مدة لسجنه"..ام ابراهيم بدأت بالسباب على من كان السبب باندلاع الحرب في سوريا وقالت "اللعنة على من اطلقوا على انفسهم اسم ثوار..الامهات مقهورين من الذي يحدث حاليا..كنا في ظل النظام نعيش بالجنة..الله لا يوفق من خرب الوطن..".
محال المدينة التجارية ولافتاتها كتبت باللغتين الكردية والعربية كون المدينة يعيش فيها حتى الآن سكانها العرب التي لم يتسن لنا لقائهم لمعرفة رأيهم بحياتهم الجديدة في ظل حكم الأكراد لهم ومدى تقبلهم لواقعهم الجديد.
جولتنا داخل المدينة وريفها تطلب مرافقتنا من قبل احد الصحفيين العاملين بجريدة روناهي الناطقة باسم الحكم الذاتي بالكردية والعربية والإنكليزية والتي مقرها الرئيسي في القامشلي إضافة إلى مرافقتنا من احد عناصر الحماية الكردية والذين قدموا لنا كل التسهيلات اللازمة لنجاح الجولة التي أظهرت حياة طبيعية أمنة يعيشها المواطن العفريني.
شوارع عفرين وطرقها الممتدة على كامل ريفها مزروعة بصور عبد الله اوجلان الملقب ب (آبو) الزعيم الروحي للأكراد إضافة إلى صور وأسماء قتلى الأكراد الذين اقيمت لهم مقبرتان تضمان 700 شهيدا أحداهما مقبرة الشهيد رفيق مقامة على احد جبال عفرين وفيها 300 شهيدا بينهم مدنيون وتجري فيها أعمال توسيع لإتاحة المكان لشهداء محتملين نتيجة المعارك التي يخوضها الاكراد على اطراف عفرين وريفها والاشتباكات مع المسلحين والأتراك وكان اخرها أول امس والتي خلفت على حد قول احد مرافقينا 23 قتيلا من جنود الجيش التركي الذي اشتبك مع الاكراد بريف عفرين دون ذكر خسائر الاكراد في هذه الاشتباكات.
ويضيف احد المرافقين أن المناوشات بين قوات الحماية والأتراك مستمرة بين الطرفين أحداها كانت قبل شهرين عندما دخل فيها عناصر الجيش التركي بدباباتهم إلى داخل أحدى القرى الحدودية وأقاموا فيها ساترا ترابيا على احد تلالها وانتشروا فيها لساعات قبل أن يتصدى لهم عناصر قوات الحماية ويطردوهم إلى خارج الحدود المزروعة بجدار ضخم تبنيه تركيا على كامل حدودها مع سوريا حيث تظهر آليات الجيش التركي ومعداته وورشاته على طول الحدود مستكملة أعمال بناء الجدار الذي قضم مساحات من الأراضي السورية.
تمتلك عفرين أراض زراعية خصبة تنتج محاصيل وافرة من الزيتون والرمان العفريني المشهور على مستوى سوريا والتفاح والكرز إضافة إلى القمح والخضار وغير ذلك من محاصيل تؤمن السلة الغذائية للعفرينيين إضافة إلى مورد رزق لهم وللحكم الذاتي عبر تصدير منتوجاتهم الغنية إلى باقي المحافظات السورية.
معظم الدردشات التي جرت خلال الجولة مع من التقاهم مراسل سبوتنيك أكدت بشكل قطعي عدم نية الأكراد على الانفصال عن الدولة السورية وانهم يريدون فقط حكما فدراليا يمكنهم من رعاية شؤونهم في إقليمهم الذي اطلقوا عليه اسم روج افا والذي يضم مقاطعات عفرين وعين العرب كوباني والقامشلي ويحفظ حقوق الأكراد في ممارسة عاداتهم وتقاليدهم وثقافتهم وسياستهم الذاتية إلا أن السؤال المطروح في ذهن الجميع إلى متى يستطيع هذا الكائن الجديد الاستمرار في البقاء.
سبوتنيك