ماذا بعد القضاء على داعش؟
مع استمرار تنظيم داعش الإرهابي في تكبد المزيد من الهزائم على أرض المعركة في سورية والعراق، فإن ذلك قد يجعله ينتقل إلى أماكن جديدة نسبياً وغير مألوفة نوعاً ما بالنسبة للعمليات التي يقوم بها الغرب في مواجهة الإرهاب من خلال انتقاله نحو الفضاء الإلكتروني.
وأشار الباحثان في العلوم السياسية كولين بي كلارك وتشاد سيرينا في مؤسسة راند الأميركية في مقال نشرته مجلة «ناشيونال إنترست» إلى أن القضاء على تواجد تنظيم داعش المهيمن في الشرق الأوسط سيؤدي إلى دفعه نحو أكثر الزوايا المعتمة في العالم الإلكتروني.
وعبّر الباحثان عن قلقهما من أن داعش قد ينتقل نحو استخدام تداولات افتراضية من أجل تمويل هجماته المستقبلية كجزء من الجهود التي يبذلها لإخفاء عملياته غير الشرعية، وفي الوقت نفسه لتمكينه من دعم تنفيذ هجمات في المناطق التي تقع خارج سيطرته، فالتنظيم يمتلك تقنيات كبيرة في استخدام الفضاء الإلكتروني على نطاق واسع وبطرق مبتكرة.
هذا ويحاول التنظيم تطوير بنيته الإعلامية الاجتماعية من أجل مساعدة أعضائه على تجنب الضرر الحاصل في الاتصالات المتبادلة والمحتويات المنشورة من قبل المجموعة وذلك حسب يوروبول، وكالة الشرطة الأوروبية، كما أن التواجد الاجتماعي والإعلامي الموسع قد يجعل التنظيم قادراً على الاستمرار في تشجيع تنفيذ الهجمات في الخارج مع تقلص نفوذه ولكن ربما بتواتر أكبر.
وأشار الباحثان إلى أن داعش يخسر حالياً على الأرض ويعاني من الناحية المالية، كما أن مقاتليه يهربون وقياداته مستهدفة بشكل مكثف، فضلاً عن الخسائر العسكرية التي لحقت به، الأمر الذي يدفعه وبصورة متزايدة للاعتماد على مقاتلين كبار في السن في تنفيذ هجمات انتحارية ضمن محاولة يائسة للاستمرار في المعارك.
وعلى الرغم من هذه المحنة، فإنه من غير المرجح للغاية أن تتم هزيمة داعش في الأشهر والسنوات القادمة، وأشار الباحثان إلى أنه حتى عندما ينتقل التنظيم من مناطقه أو يتم إخراجه بصورة مؤقتة من المنطقة، فإن السكان العرب السُنّة المتضررين من المحتمل أن يستمروا في تعاطفهم مع أهداف المجموعة في تأسيس دولة الخلافة، فهم ما يزالون يرون أن التنظيم الحامي الأكثر لمصالحهم.
ونظراً للخسائر التي تلحق بتنظيم داعش فهو ينتقل بصورة أساسية نحو المرحلة التالية من دورته الحياتية من خلال العمل تحت الأرض وعبر المواقع الإلكترونية تجنباً للعمليات التي تستهدفه في سورية والعراق على السواء، إن استعادة السيطرة على المناطق من التنظيم يعتبر بمثابة عمل مؤقت سيؤدي فقط إلى دفع المجموعة نحو القيام بنشاطات سرية على المدى القصير، وذلك بحسب ما ذكر كريغ وايتسايد، أستاذ في كلية الحرب الأميركية، الذي ذكر أنه وبالتزامن مع ذلك، سينتقل التنظيم ربما للتركيز في نشاطاته على نواحٍ أخرى يستمر من خلالها بالمحافظة على قوته والبقاء قادراً على إعادة تمويل تنظيمه بالأسلحة والمواد الأخرى، فضلاً عن قيامه من دون شك بمضاعفة جهوده وتواجده في العالم الإلكتروني، الأمر الذي يؤمن له ملاذاً آمناً نسبياً أثناء تنفيذ العمليات الهجومية وتقديم الدعم.
وعبّر الباحثان عن المخاوف من أن أي هجوم ناجح للتنظيم على التراب الأميركي قد يستدعي رداً عسكرياً فورياً، الأمر الذي قد يعزز من موقف التنظيم وداعميه ويجعلهم يبدون أكثر قوةً مما هو عليه الحال فعلياً، وإن الهجوم الأخير الذي وقع في مانشستر في إنكلترا، يثبت قدرة التنظيم على الوصول ومحافظته على قدرات ملموسة في الإلهام والتوجيه لتنفيذ الهجمات في الخارج، بما في ذلك الغرب. كما قام التنظيم بإثبات قدرة كبيرة على الاستفادة من التوترات الطائفية في العالم الإسلامي من أجل تلميع صورته كحامٍ للسنّة، ويعتبر هذا جزءاً من إستراتيجيته حيث شن التنظيم مؤخراً هجمات في مصر استهدفت المسيحيين الأقباط، وفي حال نجحت هذه الإستراتيجية، فإن التنظيم سيكرر هذا السلوك بدول أخرى يحتفظ بتواجده فيها بما في ذلك العراق والسعودية وأفغانستان وباكستان.
وتساءل الباحثان: أنه في حال كان التنظيم أقرب للهزيمة، لماذا هنالك قلق كبير حيال إمكانياته في تنفيذ هجمات؟ فخلال الأيام الماضية، أصدرت وزارة الخارجية الأميركية تحذيراً للأميركيين من السفر إلى أوروبا، فضلاً عن تحذير صدر من إدارة أمن النقل في بداية شهر أيار حول هجمات قد تتم عبر القيام بعمليات دهس، وإن المخاوف من قدرة الإرهابيين على زرع المتفجرات في الأجهزة الإلكترونية أدت إلى فرض قيود على حمل أجهزة الحاسوب المحمول في الطائرات المتجهة إلى الولايات المتحدة، كما أن المملكة المتحدة رفعت من مستوى التهديدات التي تواجهها.
هذا وتزداد المخاوف في شهر رمضان، حيث يقوم التنظيم بزيادة وتيرة هجماته الإرهابية، ففي العام الماضي وخلال شهر رمضان تبنى داعش المسؤولية عن مقتل أكثر من ثلاثمائة شخص، كما شجّع التنظيم أتباعه على الاستفادة من عروض الأسلحة في الولايات المتحدة واستخدامها كوسيلة للحصول على السلاح.
أشار الكاتبان إلى أن داعش يتكيّف مع الظروف، وإن ابتكاراته مثل إلقاء القنابل من طائرات من دون طيار هي من أكثر الأمور التي تولّد حالة من الخوف كونها تشكل تهديداً فعلياً للعديد من الدول، وإن استمرار التنظيم بالوصول إلى المناطق الافتراضية يُظهر بأنه تنظيم أكثر ذكاء من أية مجموعات إرهابية أخرى في التاريخ الحديث.
ومع اقتراب انهيار التنظيم، فقد يقوم وبدهاء باستخدام الفضاء الإلكتروني من أجل تحقيق أهدافه، إلى جانب اعتماده بشكل كبير على مواقع التواصل الاجتماعي والتكنولوجيا، الأمر الذي قد يسبب له نقاط ضعف، فعلى سبيل المثال، في العام الماضي تمكنت القيادة الإلكترونية الأميركية من الحصول على كلمات المرور للعديد من حسابات التنظيم الإدارية وقامت بإلغاء الدعاية الكبيرة وإغلاق العديد من مواقعه من خلال عملية أطلق عليها اسم «العاطفة المتوهجة».
وأكد الباحثان أنه رغم أن التنظيم يجني ثمار العديد من الميزات التي جعلته قادراً على التخطيط والتشجيع وتقديم الدعم للنشاطات الإرهابية في الفضاء الإلكتروني وعبره، يتوجب على العديد من القيادات العسكرية الأميركية توحيد القدرات الإلكترونية لمواجهة التنظيم وبشكل مستمر عبر تشجيع الاستثمارات وتبني الخبرات.
وخلص الكاتبان أنه مع خسارة التنظيم للأراضي والنفوذ ونقل موارده باتجاه تعزيز نشاطاته الإلكترونية ذات التكلفة العالية مع استمرار المناهضين له بالتصدي له من خلال استثمار القدرات الإلكترونية الموسعة، وكلما زاد اعتماد التنظيم على الفضاء الإلكتروني من أجل استمرار عملياته، كلما كان من المرجح أكثر أن يتعرض لتشتت كبير في تنظيمه عبر الانشقاقات، ولهذا من المحتمل أن يجد التنظيم أن نقل نشاطاته تحت الأرض وعلى المواقع الإلكترونية قد أصبح أكثر صعوبة مما كان عليه الحال قبل بضع سنوات فقط.