اللاجئات السوريات في الأردن: "زواج المتعة" الخيار الوحيد "للسُترة"
دفعت ويلات الحرب السورية آلاف اللاجئات السوريات إلى الفرار بذويهم لدولٍ عربية وأوربيَّة، بحثًا عن حياةٍ جديدة بعيدًا عن وطنهم الذي أصبح ساحةً للدماء. كانت الأردن، إحدى الدول التي نزحت إليها آلاف الأسر السورية، مستقرين في مخيَّمات على حدود الدولة التي تجاور بلادهم.
زواج فتيات سوريات من أثرياء عرب؛ كان الخلاص لمئات الأسر السورية للهرب من العنف الجنسي المنتشر في مخيمات اللاجئين ولتخفيف العبء المالي. يستعرض هذا التقرير أحد وجوه المعاناة التي تعيشها اللاجئات السوريات في الأردن، اللاتي يتعرضنَ للتحرُّش الجنسي، فضلًا عن توسُّع عملية الانتهاكات حيالهنّ في ظل عدم تمتعهنَّ بحقوقٍ قانونية تكفل لهنَّ مقاضاة هؤلاء المتحرشين، كما نستعرض إقدام الكثير منهن على أمر الزواج المبكر، باعتباره أسوأ الخيارات من المعيشة الصعبة التي يعشنها.
شروط الزواج من لاجئة سورية: استمارة ودفع مبلغ نقدي لسمسار
في مدينة حلب السورية، نشأت قصَّة حب بين السورية الشقراء «فريهان» وجارها الذي لم يتجاوز العشرين من عمره، قبل أن تُنهي ويلات الحرب حبَّهما، وتُبدِّل مصيريهما، وينتهي الحال بفريهان زوجة لثري عربي في بلدٍ مجاور لموطنها الأصلي، التي جاءها خبر وفاة حبيبها في إحدى الغارات المجهولة داخل المدينة السورية التي شهدت بدايات حبَّهما.
قصَّة العائلة المنكوبة ذكرها موقع جريدة الحياة، حيث اضطر والد فريهان، التي لم تبلغ 15 عامًا بعد، للموافقة على زواج ابنته من ثري عربي مقابل 7 آلاف دولار، كي ينجو بعائلته من مُخيم الزعتري الذي فرّ إليه هو وعائلته بعد ويلات الحرب في بلاده. وجد الأب السوري في زواج ابنته «خيارًا لا مفرَّ منه»؛ فهذه الأموال تُحقق له استئجار شقة سكنية داخل إحدى المدن الأردنية، وإقامة مشروع صغير يُعينه على نفقات الحياة.
اقرأ أيضًا: «انتحار اللاجئين» ..موتٌ آخر يواجهه السوريون في المهجر
لم يستمرّ زواج فريهان أكثر من شهر، بعد أن طلب منها الثري العربي الرجوع إلى منزل والدها، والتعهُّد بإرسال ورقة الطلاق ومئات الدولارات. لم تكن صدمة فريهان كبيرة من طلاقها الذي كانت تعلم أنه سيكون نهاية الأمر لهذه الزيجة، كما جرى للكثير من بنات عمها، لكن كانت صدمتها الكُبرى كانت في اكتشاف أنها حامل، واضطرارها للإجهاض بتناول أقراص غير شرعيّة، من دون علم والديها.
يقول والدها: «كُنتُ مضطرًا إلى التضحية بفريهان لكي يساعد زواجها بقية أفراد العائلة». زواج فريهان، جاء عن طريق سمسار أردني كان متواجدًا في المخيم، أقنَعَ والد الفتاة السورية بقبول زواجها من الثري العربي، متحدِّثًا لوالد الفتاة السورية عن مزايا هذه الزيجة من حفنة من الدولارات تكفل له حياة آمنة داخل الأردن. وتذكر دراسة صادرة عن اتحاد المرأة في الأردن أن غالبية الذكور الذين يقبلون على الزواج من قاصرات سوريات، غالبيتها لسوريين بواقع 351 حالة، ثم أردنيين (114 حالة)، يليهم السعوديون (52 حالة)، و3 حالات لبحريني وقطري وليبي، بينما تذهب تفضيلات هؤلاء إلى الفتيات السوريات الصغيرات، اللاتي لا تزيد أعمارهن عن 16 عامًا، وذلك حسب دراسة صادرة عن اتحاد المرأة الأردني.
ويتولَّى السماسرة المنتشرون داخل مخيمات اللاجئين، إتمام هذه الزيجات، عن طريق ملء استمارة، مقابل الحصول على مبلغ نقدي من الثري العربي مقابل إتمام الزيجة، بينما يعقد القران بورقة خارج المحكمة الشرعية، دون إثبات لهذا العقد.
«مخيم الزعتري».. ساحة للتحرش واغتصاب اللاجئات السوريات
على بعد 85 كم شمال شرق العاصمة الأردنية عمان، يقع مُخيم الزعتري، أكبر مخيم للاجئين السوريين في الشرق الأوسط، وثاني أكبر مخيَّمات اللاجئين في العالم، إذ يستوعب 81 ألف لاجئ (طبقًا لإحصائية أممية منشورة في 28 يوليو (تموز) 2015) فرُّوا من مدنهم السورية بعد اندلاع حرب مفتوحة على أرضهم.
وقائع الحياة البائسة المحيطة باللاجئات السوريات داخل المُخيم، جعلت خيار الهروب مع ثري عربي خيارًا مُفضلًا للكثير منهنّ؛ كي ينجونَ بأنفسهنّ من ويلات البقاء في حياةٍ لا تكفُل لهنّ أي شيء من الحد الأدنى في الحياة لبشر.
تتمثل هذه الوقائع في تعرُّض مئاتٍ منهنّ للتحرش الجنسي، وانتهاك أجسادهنّ بعنف، فضلًا عن تسلل عشرات من الشبان إلى السكن وتصوير الفتيات في أوضاعٍ تنتهك خصوصيتهنّ، ومساومتهن على ممارسة الجنس معهم مقابل عدم الإفراج عن هذه الصور.
«فاتن الرابحي»، فتاة سورية، 29 عمرها عامًا، ذكر موقع BBC قصتها، إذ تعرَّضت لواقعة تحرُّش بها داخل حمام مختلط في المخيَّم، فضلا عن التحرش اللفظي اليومي من جانب العمال الذين يأتون بالطعام والشراب للاجئيين داخل المُخيَّم. تقول فاتن: «المركبات التي تدخل المكان محملة بالأطعمة ومياه الشرب، يُطلق بعض ركابها عبارات خادشة بحق اللاجئات، وفي بعض الأحيان تتطور الأمور إلى حدّ التحرش الصريح». تضيف بصوتٍ منكسر، وعينين مبتلّتين بالدموع في تقرير منشور بجريدة الإندبندنت البريطانية: «في سوريا معاناة ملوَّنة بالدم، وهنا معاناة مجبولة بالذلِّ والامتهان لكرامة السوريات».
اقرأ أيضًا: تدفئة بالقمامة ونوم في القبور والجحور.. عن شتاء اللاجئين في الدول العربية
أحد وجوه الحياة البائسة داخل مخيمات اللاجئين، هي عدم قدرة منظّمات الإغاثة الدولية على سدّ كافة احتياجات اللاجئين من أكلٍ وشرب، كذلك ندرة وسائل التدفئة، والانقطاع المتكرِّر للكهرباء، ما يؤدِّي لتفشِّي الأمراض داخل المخيم، فضلًا عن عدم إتاحة فرص عمل تُحقق لهم دخلًا ماديًّا، تجعلهم مستقلين.
انعدام فرص الاستقرار لمئات من السوريين الفاريين في مخيم الزعتري، وعدم قبولهم بخيار زواج بناتهنّ من أثرياء عرب، دفعتهم لتقديم طلبات يوميًا للعودة إلى بلادهم، خاصة أنهم ممنوعون من العمل في الأردن.
وكان اتحاد المرأة الأردنية قد أعلن في وقتٍ سابق، إطلاق «تحالف نعم لإغلاق مخيم الزعتري» داعيًا إلى «إيجاد بدائل أكثر إنسانية تليق بكرامة السوريين»، بينما أطلق مثقّفون وحقوقيون أردنيون دعوات يطالبون فيها بإغلاق مخيم الزعتري الذي يعتبر أحد عناوين المرحلة الأصعب في تاريخ سوريا المعاصر، قائلين إنه «وصمة عار على جبين الأردن».
أكثر من 6 آلاف حالة زواج مبكِّر.. 50% من هذه الزيجات تنتهي بالطلاق
تُسجل دائرة قاضي القضاة الأردنية، شهريًا أكثر من 6 آلاف حالة زواج مبكر بين اللاجئات السوريات، بينما ينتهي أكثر من 50 % من زواج اللاجئات السوريات القاصرات بالطلاق. يُفسر الباحثون في ملف اللاجئات في الأردن ارتفاع نسب الطلاق في هذه الزيجات إلى كون كثير من المتقدمين إلى الزواج أثرياء باحثين عن المتعة، غير عابئين بالآثار الاجتماعية التي قد تلحق بهؤلاء الفتيات بعد مرحلة الطلاق.
وتُقدر نسبة زواج القاصرات (15-18 سنة) بين اللاجئات السوريات في الأردن بنحو 35% من مجمل اللاجئات في عام 2015، في مقابل نحو 18% عام 2013 و25% عام 2014.
تبدو هذه الزيجات أقرب إلى «الصفقة» بين سمسار يستعرض بضاعته من النساء الحسناوات، اللاتي يبحثنَ عن الخلاص من وقائع الحياة البائسة، وثري لا يجدُ غضاضة في دفع أموال طائلة مقابل اقتناء إحداهنّ؛ كي تُشبع رغباته المكبوتة لفترةٍ زمنيةٍ محدودة، وتُحقق له مراده الجنسي باعتباره أولوية بعيدًا عن النظر لهنّ بوصفهن بشريات لهنّ مطلب في حياةٍ آمنة.
يرفض القانون الأردني تزويج الفتاة إلا بعد تجاوزها سن الـ 18عامًا، إلا في حالاتٍ معيّنة يُترك تقديرها للقاضي الشرعي، كون هذه السن تعتبر معيارًا للنضج، خصوصًا أن الفتاة قبل ذلك لا تكون جاهزة للزواج جسديًّا أو عقليًّا أو عاطفيًّا.
ساسة بوست