كارات رمضانية قديمة
هي كارات قديمة كانت تنشط في رمضان بشدة… بعضها مازال مستمراً وبعضها ذهب مع التراث القديم الزائل… ومنها ما هو خاص بشهر رمضان ومنها ما هو عام يزداد في رمضان انتشاره.
منها ما يتعلق بالطعام مثل (البغجاتي والعرقسوساتي وبائع الناعم وخبز المعروك…)، ومنها ما يتعلق بالملابس مثل (الخياط- والطرابيشي والكندرجي…)
يترأس تلك الكارات (الناعم) أو (الجرادئ)…
الناعم طعام رمضاني شهي كان يتفنّن صانعوه في إعداده، وهو رقائق من الطحين تُقلى بالزيت ثم تترك في الهواء الطلق لكي تتخشب ثم تُرش بقطرات من الدبس، ثم توضع في أقفاص من الخيزران ليحملها البائع المتجول على رأسه ويطوف بها الأحياء والأزقة والحارات، وينادي عليها بعبارات جميلة مثل: يللي الهوا رماك يا ناعم… رماك وكسّر عضامك يا ناعم… ياللـه كل سنة والحبايب سالمة يا ناعم… فيقبل الناس على ابتياعها، حتى أصبح من المألوف مشاهدتهم وهم يحملون أطباقها إلى منازلهم قبل المغرب.
ومن الأكلات الرمضانية نوع خاص من الخبز يتم خبزه وعركه مع الطحين والسكر ويُحشى بقطع من الزبيب والفواكه المجففة وهو (المعروك)، ويباع بالقطعة وليس بالكيلو، وهو نوع فاخر من الخبز تتم صناعته خصيصاً من أجل شهر رمضان.
كذلك يتم تجفيف المشمش وكبسه ضمن قوالب ليخرج ممدداً ويوضع في أغلفة ويباع تحت اسم (القمر دين)، يتم حلُّه بالماء حتى يغدو شراباً لذيذاً سائغاً لا يستغني عنه الصائم قبل البدء بطعام الإفطار.
والعرقسوس تروج صناعته في رمضان، وهو شراب لابد منه في الصيف… وقد كان العرقسوساتي يحمل سطولاً من التنك ليملأها بعصير السوس، ثم يضيف إليها قطعاً من الثلج بحسب الطلب.
أما كارات الملابس فهي كارات تسعى لتهيئة الملابس ترقباً للعيد القادم، فتجهز الملابس للكبار والصغار بشكل كامل، وكما يقول المثل الشعبي القديم (من الطربوش للبابوج).
كانت تترأس هذه المهن مهنة الطرابيشي ؛ فقد كان الطرابيشي يصل الليل بالنهار في عمل متواصل لكي يرضي جميع زبائنه من راغب في صناعة طربوش جديد إلى راغب في تنظيف أو تصليح أو كي طربوشه القديم… وقد انقرضت هذه المهنة نظراً لندرة لابسي الطرابيش في أيامنا هذه.
تليها مهنة الخياط ؛ فقد كان من النادر أن يتم شراء الطقم أو الحذاء جاهزين، ولا يكون ذلك إلا تفصيلاً، لذلك كان الخياط أيضاً يعمل بغزارة شديدة ليلبي طلبات الزبائن من خياطة البزات والقنابيز والشراويل والقمصان قبل حلول العيد.
كذلك (الكندرجي) ذاك الذي كانت تزدهر صناعته في شهر رمضان لأن الناس كانوا ينتظرون هذا الموسم ليفصلوا حذاء يقولون عنه الكلمة المشهورة آنذاك (من العيد للعيد)، يقصدون بها أن هذا الحذاء قد بلغ من المتانة وجودة الصناعة حداً يجعله يبقى سنة كاملة لديهم… لا كما هي حال بعض أحذية اليوم.
وكان يندر أن يخلو حي أو حارة صغيرة من خياط أو كندرجي.
ومن الكارات التي تنشط في رمضان ولاسيما في العشر الأخير منه كار (البغجاتي) أي صانع الحلويات إذ تنشط في رمضان صناعة الحلويات مثل البقلاوة والكنافة والنمورة والكول وشكور… على أن رمضان كان له حلوياته الخاصة مثل النهش والبرازق والغريبة والمعمول والتويتات.
وهكذا فقد كان رمضان يستنفر بائعي الحلويات والسكاكر والشوكولا والخياطين والحذائين والبغجاتية… وكان أصحاب تلك المهن من ذوي الضمائر الحية والنفوس القوية.
اليوم لن أقول إن رمضان قد تغير… إن رمضان كائن جامد لا يتغير، إن بعض النفوس هي التي تبدلت فغلب على هذا الشهر الطمع والاحتكار والتلاعب بالأسعار.
أنس تللو
الوطن