ماذا حدث في التنف ؟ هذه التفاصيل..
كان الموضوع متوقعًا ولم يكن مستغربًا، ما قامت به القوات الجوية الاميركية من استهداف وحدات عسكرية للجيش العربي السوري وحلفائه على الطريق بين شرقي دمشق ومعبر التنف الحدودي مع العراق، بل يمكن أن تكون تلك القوات الجوية قد تأخرت حتى الآن في استهداف الوحدات السورية التي تقدمت منذ فترة ليست بالبعيدة شرق مطار السن العسكري في ريف دمشق الشرقي، والسبب هو ما يعنيه وصول الجيش العربي السوري وحلفائه الى ذلك المعبر، وما يمكن ان يقدمه لمحور المقاومة في معركته الدفاعية المفتوحة في المنطقة.
من هنا، فإن التقدم الميداني الواضح في المعركة المفتوحة ضد "داعش" في العراق وسوريا بدأ يفرض نفسه على اللاعبين الدوليين والاقليميين، والذين لم يكونوا بعيدين عن خلق ورعاية وحماية ودعم المجموعات الارهابية وعلى رأسها "داعش"، والتي كانت تمثل وبامتياز جيوشا رديفة لتلك الدول، وحيث رأت الاخيرة تراجع هذه المجموعات أمام ثبات الجيشيين العراقي والسوري والوحدات الحليفة والرديفة، وبعد عدم قدرة هذا التحالف الدولي الاقليمي الواسع على الوقوف بوجه التدخل الروسي ضد الارهاب بشكل عام، نجد حاليا التورط المباشر لهذه الدول وعلى رأسها الولايات المتحدة الاميركية في العمليات العسكرية، في محاولة لتوجيه واستيعاب الميدان كما تراه مناسبا لاكمال المخطط الرئيس والذي على اساسه شنت هذه الحرب.
هذا التقدم الميداني بمواجهة "داعش" في كل من العراق وسوريا والذي يتدحرج ككرة الثلج نحو الحدود بين الدولتين، في الوقت الذي لم تتمكَّن الولايات المتحدة الاميركية حتى الآن من إيجاد البديل الذي سيحل مكان "داعش" في البقعة من العراق غرب الانبار وغرب نينوى وفي البقعة المقابلة لها داخل سوريا ما بين الرقة ودير الزور وشرقي حمص وتدمر، جعل من معبر التنف هدفا استراتيجيا سوريا لتحريره، وفي الوقت نفسه جعل منه هدفا استراتيجيا اميركيا لمسكه، عبر مجموعات تتبع لها كجيش سوريا الجديدة او اسود الشرقية، او مباشرة عبر وحداتها والوحدات البريطانية المنتشرة في قواعد عسكرية غرب التنف داخل البادية السورية، ولكن لماذا يكتسب معبر التنف هذه الاهمية والافضلية في هذه المعركة التي اصبحت مباشرة بين الوحدات الاميركية وحلفائها وبين الوحدات الشرعية السورية وحلفائها؟.
في دراسة جغرافية وميدانية لمسرح العمليات في مواجهة "داعش" ما بين سوريا والعراق، يمكن تبيان ثلاثة محاور اساسية تصلح لتحقيق التواصل العسكري والميداني بين الوحدات العراقية والسورية، وذلك اذا استثنينا المحور الرابع بين سنجار والحسكة والذي يخضع لنفوذ متداخل اميركي - تركي، ولذلك فهو غير مناسب للتواصل المذكور، والمحاور الممكنة الثلاثة الباقية هي:
- محور: (القيروان - البعاج - البادي) – (مخفر حدود الجزيرة - الصِوَر - ريف دير الزور الشمالي الشرقي). وهذا المحور غير وارد وهو ما زال يخضع لسيطرة داعش وينتظر معركة قريبة يقودها التحالف حاليا، بالرغم من ان وحدات الحشد الشعبي هي الان على الطريق لتحرير كامل الجانب العراقي منه .
- محور: (عنة - راوة - القائم) - (البوكمال)، وهو ايضا غير وارد حاليا حيث ما زال يخضع لسيطرة داعش بالكامل في العراق او في سوريا، كما وانه يمثل تقريبا الميدان الاقوى لداعش ما بين العراق وسوريا .
- محور: الرطبة – التنف – شرق دمشق، والذي يمثل المحور الانسب ميدانيا وجغرافيا وعسكريا لتحقيق التواصل بين العراق وسوريا وبالتالي لتحقيق التواصل الاستراتيجي بين ايران والعراق وسوريا فلبنان، والذي لا تسيطر عمليا داعش على اية بقعة منه، وهو داخل الاراضي العراقية محرراً بالكامل ويربط بغداد مع الحدود العراقية غرب الرطبة مرورا بالرمادي، بالاضافة للانتشار الواسع والقوي للوحدات العسكرية السورية ولحلفائها على مداخله الغربية باتجاه دمشق .
من هنا تأتي الاهمية الاستراتيجية لوصول الجيش العربي السوري وحلفائه الى معبر التنف، والذي يستطيع عبر هذا الوصول، تحقيق الترابط الحيوي المهم بين دول ومجموعات محور المقاومة، الامر الذي تعتبره الولايات المتحدة خطاً احمراً وستعمل على منع تحققه بكافة الوسائل المتاحة، فهل سيتراجع الجيش العربي السوري وحلفاؤه عن الوصول الى معبر التنف امام الاستهداف الاميركي المباشر، ام ان هذا الاستهداف لن يكون بالنسبة لهذا الجيش وحلفائه اكثر من اعتداء عادي مماثل للعشرات لا بل للمئات منه والذي اعتادوا على مواجهة أمثاله خلال فترة كامل الحرب الكونية التي شنت على سوريا في السنوات الاخيرة، وسيتابعون تنفيذ التقدم شرقا وتحقيق الهدف الاستراتيجي المذكور؟.