رياض الأطفال في المخالفات.. محرومة مـن الترخيص ومتوارية عن الرقابة
في دمشق وريفها42 منطقة مخالفات على الأقل، موزعة على مساحة تزيد عن 15 ألف هكتار، ومنذ عام 2007 قدر المكتب المركزي للإحصاء أن ما يقارب 45% من سكان دمشق يسكنون في منازل عشوائية ومناطق مخالفات، أطفال هذه المناطق يشكلون نصف أطفال دمشق تقريباً، يدفعون ضريبة ذنب لم يرتكبوه، فسكنهم في أماكن عشوائية جعلهم ضحية روضات عشوائية، لا تحقق الشروط الصحية والتربوية في كثير من الأحيان، فهي أقل من أن تحصل على ترخيص أو رقابة، ليمضي فيها أولئك الأطفال سني حياتهم الأولى دون أن يجدوا من يحمي طفولتهم… الأمر الواقع عشرات الروضات في تلك المناطق تزاول عملها بشكل طبيعي منذ سنوات، وهي غير مرخصة، وبالتالي فهي غير مراقبة، ولم تجد تلك الروضات من يغلقها أو يرخص لها. ونظرا للحاجة الماسة إلى روضات في تلك المناطق يسلّم الأهل بالواقع المرير ويوكلون أمرهم لله، ولذمة إدارة الروضة، فالروضات الأخرى في المدينة بعيدة عن سكنهم أولاً، وعن قدرتهم المادية ثانياً، وأقساط الروضات في تلك المناطق أقل من غيرها، وتتناسب مع الوضع الاقتصادي للعائلات التي تسكن بجوارها. وزارة التربية أكدت أنه لا مانع من إعطاء تلك الروضات الترخيص إلا أن الواقع جاء مغايراً تماماً، فمنطقة المزة 86 على سبيل المثال والتي يسكنها أكثر من مليون ونصف شخص حسب إحصاءات غير رسمية، ليس فيها إلا روضة واحدة مرخصة، أما باقي الروضات فمنها من أعجبه أن يكون بعيد عن أعين الوزارة، ومنها من لم يستطع الحصول على الترخيص، حيث توقفت المحافظة عن منح التراخيص بعد عام 2004. مدير التعليم الخاص في وزارة التربية محمد غيث شيكاغي أكد لـ «الأيام» أنه يتم منح التراخيص بموجب موافقة الوحدة الإدارية وأحكام المرسوم التشريعي رقم /55/ وتعليماته التنفيذية (للرياض والمخابر)، شريطة تقديم تعهد من طالب الترخيص مصدق أصولاً وموثق لدى الكاتب بالعدل بعدم مطالبة وزارة التربية بأي عطل أو ضرر في حال تم تنظيم المنطقة وألغي ترخيصه بسبب فقدان المقر، أما بالنسبة لترخيص المدارس الخاصة فقد حددت بقرار الإدارة المحلية داخل المخططات بمساحة عقار لا يقل عن /1000/م2، داخل المخططات و/4000/ م2 خارج المخططات. ونظم المرسوم /55/ لعام 2004 عمل المؤسسات التعليمية الخاصة للتعليم ما قبل الجامعي، واضعاً العديد من الشروط والمعايير الضرورية لأبنية رياض الأطفال، تتعلق بالمساحة والبناء والتناسب مع عمر الطفل والتهوية والمرافق ودرجة الأمان وغيرها. «مقسوم لا تاكل… وصحيح لا تقسم» الترخيص لإحداث مؤسسة تعليمية يحتاج موافقة المحافظة، والتي حددت الأوراق المطلوبة للمتقدم بالترخيص في مناطق المخالفات الجماعية، وأول تلك الأوراق في تعميها الذي اطلعت عليه «الأيام» سند الملكية «طابو» حصراً، وهو ما لا يمكن أن يحصل عليه أحد في منطقة العشوائيات، فليس لدى مالك أي عقار هناك «سند ملكية» حقيقي، إضافة إلى عدة طلبات أخرى «تعجيزية» في تلك المناطق مثل، ربط تعهد كاتب بالعدل، علما أنه لا يمكن الحصول عليه أيضاً في مناطق العشوائيات. وفي النهاية لن تستطيع أي روضة في تلك المناطق الحصول على الترخيص من مبدأ «مقسوم لا تاكل… وصحيح لا تقسم». بيئة غير مناسبة الاختصاصية التربوية تهاني القصاص أكدت لـ «الأيام»، أن عدم حصول الروضات على التراخيص خطر جداً، فالشروط الصارمة التي وضعتها وزارة التربية في هذه الحالة ستكون مستباحة، خاصة فيما يتعلق بدرجة الأمان التي يجب أن تتوفر في رياض الأطفال نظرا لصغر سن الطلاب. وهناك الكثير من الروضات التي تعمل حاليا، وفيها المئات من الأطفال وهي غير مستوفيه لتلك الشروط، ما يعرّض حياة الطفل للخطر، إضافة إلى عدم توفر الشروط الصحية كأن تكون الروضة غير مشمسة وتهويتها غير مناسبة أو أسقفها منخفضة، ما يعرّض صحة الأطفال للخطر أيضاً. وتؤكد القصاص أنه من الضروري أن يكون هناك حل جذري لهذه المشكلة إما بالنظر في شروط ترخيص تلك الروضات، أو في إغلاقها إن لم تستطع الحصول على التراخيص لأن الموضوع يتعلق بحياة الأطفال وسلامتهم، إضافة إلى أن سنوات الطفل في الروضة هي من أهم سني حياته، ولابد من وجود رقابة صارمة عليها خاصة ما يتعلق بتوفير الأجواء المناسبة للعب والعلم والترفيه، لأن أي تقصير في الروضة من الممكن أن يؤثر في تكوين شخصيته، إن لم تتعرض صحته للخطر، وهناك حوادث كثيرة حصلت في روضات كان سببها الأول إهمال شروط السلامة. وتشير قصاص إلى أن هذا الموضوع يشمل شريحة واسعة من الأطفال خاصة مع انتشار العشوائيات، وازدياد أعداد السكان فيها نتيجة نزوح أهالي الأرياف والمحافظات الأخرى إليها، ما يستدعي الإسراع في الحل وعدم ترك الأطفال في عشوائية الروضات عرضة للأذى. فهذا الجيل، الذي تعرض للضغط النفسي الكبير بسبب الحرب التي تعيشها البلاد، من حقه علينا على الأقل أن نوفر له بيئة مناسبة للعب والعلم؟ وفي جولة لـ «الأيام» على عدد من تلك الروضات يظهر جليا المخالفات الكبيرة التي تعيشها، سواء من حيث الفسح الخارجية أو الداخلية وحتى تجهيز البناء واكتظاظ الطلاب، هذا إلى جانب الأساليب غير التربوية التي تلجأ لها بعض تلك الروضات دون رقيب أو حسيب، غير مكترثة إن كان لديها ترخيص أو لا، بالمقابل قلة منها تستوفي الشروط رغم أنها بلا ترخيص. بادرة متأخرة وكبادرة جيدة لكنها متأخرة، رفعت مديرية التعليم الخاص في وزارة التربية للوزير حسب ما أشار شيكاغي، طلباً لإرسال الضابطة العدلية في مديرية تربية دمشق إلى منطقة المزة 86، لإغلاق 20 روضة مخالفة، بعد أن وصل للوزارة شكوى بهذا الخصوص، مؤكداً أن كل روضة لم تحصل على الترخيص سيتم إغلاقها ويدفع مالكها غرامة 500 ألف ليرة سورية حسب المرسوم رقم 7 لعام 2017، إضافة إلى متابعة المخالفات الأخرى واتخاذ الإجراءات المناسبة بحقها. ترخيص للإيجار بعض أصحاب الروضات وبعد أن فقدوا الأمل في الحصول على ترخيص لروضاتهم وجدوا ما يسمح لهم ضمن القانون بإنشاء تلك الروضات في مناطق المخالفات، حيث ينص المرسوم التشريعي رقم /55/ في المادة 14 منه أنه يجوز نقل مقر المؤسسة التعليمية الخاصة من مكان إلى آخر، بعد الحصول على موافقة الوزارة. وعلى من يرغب في نقل مؤسسته، أن يقدم طلباً للمديرية، مبيناً أسباب النقل، وتقوم لجنة البناء المدرسي بمعاينة المقر الجديد للتأكد من مطابقته المواصفات المطلوبة في هذه التعليمات.، ويجوز نقل مقر المؤسسة التعليمية الخاصة من محافظة إلى أخرى، وعلى من يرغب في نقل مؤسسته، أن يقدم طلباً للمديرية التي يوجد فيها الأصل مع وثيقة من مديرية العمل تثبت عدم وجود مطالب، أو حقوق عمالية تحيلها المديرية، مشفوعة برأي اللجنة الفرعية إلى مديرية التربية في المحافظة المراد النقل إليها، لاتخاذ كافة الإجراءات المتعلقة بترخيص المقر الجديد أصولاً. وبناء على هذا المرسوم يؤكد مدير أحد الروضات في مناطق المخالفات أنه لجأ إلى «استئجار» ترخيص لتكون روضته مرخصة، حيث استأجر مرة ترخيص لروضة في منطقة عربين، ومرة أخرى لروضة في حمص، ويدفع سنويا لصاحب الروضة مليون و250 ألف، مقابل إعطائه الترخيص، وذلك يتركه تحت رحمة صاحب الترخيص الأساسي، والذي يرفع له الأجرة بشكل سنوي حيث بدأت ب 500 ألف ليرة، ثم ازدادت كل عام، مضيفاً أن نقل الترخيص ليس ممكنٌ دائما، فمن الممكن ألا يسمح به بعد أن تعود الخدمات في المناطق المهدمة، حيث يستند النقل حاليا على أساس عدم قدرة الروضة على العمل في منطقة مهدمة لذا تم نقلها. ويلفت المدير إلى أن روضته مطابقة للشروط والمواصفات وحصلت على موافقة اللجنة لقبول طلب نقل الترخيص، متمنياً لو أنه يستطيع ترخيصها بشكل رسمي بدلا من هذا الالتفاف، ويشير المدير إلى أنه من غير المنطقي الامتناع عن إعطاء التراخيص للروضات، من قبل المحافظة فيما يتم إعطاء تراخيص مشابهة للصيدليات والأطباء والمراكز الصحية في المناطق نفسها. روضة واحدة برخصة قبل عام 2004 كانت الشروط تسمح بإعطاء التراخيص للروضات والمؤسسات التعليمية في مناطق المخالفات، إلا أن ذلك توقف بعدها، وفي منطقة المزة 86 وهي النموذج الذي تناولته «الأيام» في تحقيقها وحالها كحال باقي العشوائيات، لا يوجد إلا روضة واحدة حصلت على ترخيص قبل عام 2004 وهي تعمل حتى الآن، واللافت أن هذه الروضة لا تستوفي جميع الشروط التي حددتها الوزارة فسقفها على سبيل المثال 2.5 بينما المطلوب فوق 3 أمتار، إضافة إلى أن درجة الأمان فيها غير كافية، في المقابل روضات في المنطقة نفسها تستوفي الشروط ولا تستطيع الحصول على ترخيص. ويؤكد مطلعون على واقع الروضات في المنطقة أن السبب في عدم منح التراخيص يعود إلى مصالح شخصية، حيث يملك بعض المتنفذين في الوزارة روضات في مناطق نظامية قريبة من العشوائيات وليس من مصلحتهم فتح تلك الروضات ذات الأجور المنخفضة بالقرب من روضاتهم. ويشير هؤلاء إلى أنه كان هناك قرار تتم دراسته لتسهيل منح التراخيص في مناطق السكن الجماعي عام 2010 إلا أنه توقف لأسباب مجهولة. مناطق غير شرعية تحتل مناطق المخالفات الجماعية، مساحة واسعة من سورية يسكنها ملايين السوريين، إلا أنها خارجة عن الخدمة في أحيان كثيرة بتهمة أنها «غير شرعية»… حيث يتجاهل المعنيون ضرورة الحفاظ على أرواح هؤلاء الملايين من السوريين الذين يقطنوها خاصة الأطفال منهم. وعلى الرغم من أن مصلحة وزارة التربية يكمن في ترخيص الروضات في مناطق العشوائيات، لتسهيل مراقبة عملها إلا أنها حتى الآن لم تحرك ساكناً، تاركة حياة أطفال العشوائيات وصحتهم بيد روضات غير مسجلة في سجلاتها، وخارج نطاق رقابتها، خاصة مع انتشار تلك المناطق وارتفاع عدد السكان فيها، حيث تشير إحصائيات برنامج الأمم المتحدة للمستوطنات البشرية إلى توسع تلك المناطق بنسبة 220% بين العامين 1994 و2010، فكيف هو حالها بعد الحرب…؟! ولا ننتظر اليوم أن تترجم وعود الوزارة بإغلاق تلك الروضات فقط، نظراً للحاجة الماسة لها، بل للعمل على تسهيل منح التراخيص التي استوفت شروط ذلك الترخيص الفنية، بعيدا عن بيروقراطية الأوراق الرسمية الغائبة فعلياً في تلك المناطق، وذلك بالتعاون مع الجهات المعنية الأخرى، على أمل أن يمضي أطفال سورية في رياض الأطفال الخاصة بهم، طفولتهم بسلام الايام