بين التعافي والتوبة.. أرجوك افصِل وفرّق
وكما أكرر دوماً.. وتذكر هذا الأمر.. لا تعول أبداً على الانفعال الديني وعلاقتك مع الله، وتراهن على حالتك الإيمانية لحمايتك من السقوط فهي للأسف عندنا خافتة ومؤقتة، ولا تكفي للاستمرارية .
وقد علمت شيئاً هاماً للغاية أن الصبغة الدينية في مشوار التعافي لا تفلح دوماً، أما الصبغة النفعية الدنيوية فللأسف هي ما تفلح، فدعنا نعتمد ما ينفعنا، ونخوض التجربة بمقتضياتها السليمة، ونجعل رحلة التعافي غير مصبوغة بالكامل بالصبغة الدينية.. إنما بصبغة نفسانية علموية بحتة في برنامجها ومهاراتها وطرائقها ومتابعتها وتأملاتها.. ربما نتقوى قليلاً ببعض التحفيز الديني، أما لو صارت الدافعية دينية بحتة فلا شك ستسقط!
فإن رؤية السقطة من منظور الانتكاس قد يحميك أكثر من رؤيتها من منظور الذنب، فالذنب في وعينا مرتبط بالتوبة السهلة اليسيرة التي تمحو أثره، أما الزخم المعنوي للانتكاس من المنظور النفسي وتهويل أثره وفهم نتائجه ومترتباته تجعل السقطة أكثر هيبة وخوفاً!
التوبة للأسف واقعياً وتجريبياً تغري بالسقوط في ديننا؛ لأنها مرتبطة بأدبيات تراثية تصيح بالمحو والقرب حتى تجعل أحياناً التائب بعد الذنب خيراً ممن لم يسقط فيه، كما أن الأدبيات الدينية تتحدث دوماً عن ماهية الذنوب وتعددها وتتحدث أيضا عن التوبة ومثوبتها.
وتكاد تغفل تعليم القارئ مهارات المجاهدة ومنع السقوط، وتكتفي فقط ببيان ثواب المجاهدة والغض دون أن تمنحك آلية للحصول على هذه المجاهدة.
أما فداحة الانتكاس في الأدبيات النفسية وطريق التعامل معه ومهارات منع الانتكاس وطول الحديث عنه والتركيز فيه تجعل الأمر أكثر عملية وواقعية وقدرة على المنع من ثقافة الذنب والتوبة.
إن التعامل مع مشاهدة الإباحيات كذنب، مجرد عصيان هي من أكثر التوجهات حماقة، والتحرر منها كما نكرر دوماً هو خطوة مهمة في مسلك التحرر من المشاهدة نفسها.
إن الإباحيات ليست مجرد ذنب، تتوب عنه بركعتين، وكأن شيئاً لم يكن، إن الإباحيات إدمان وخلل كيميائي، ومعاملتها بسذاجة التوبة وعقلية الذنب لن تنفعك، وأظنك قد جربت كثيراً.
ربما مضت سنوات وأنت تذنب وتتوب متذرعاً بحديث: إن الله لا يمل، نعم هو لا يمل توبتك، ولكنك بدأت تخسر كثيراً، روحك وسلامك النفسي وعلاقاتك!
فإن محت التوبة الذنب من صحيفتك، فهي لم تمح آثاره وتبعاته على نفسيتك وعلاقتك وحياتك!!
لذا يجب أن توسع رؤيتك للإباحيات من توجه الذنب لتتجاوزه نحو الإدمان والمرض.. ومن التوبة نحو التعافي والعلاج!
إن من يتعامل مع الإباحيات بثنائية الذنب والتوبة، تماماً كمن يتعامل مع الأزمة الصدرية بمحض الابتلاء والدعاء دون البحث عن علاج أو دواء!
نعم هي ابتلاء، ولكن ينبغي في تناولها أن نتجاوز فكرة الابتلاء وندلف إلى الأسباب الدنيوية البحتة في مسبباتها وطرق مداواتها!
لذا يا صديقي.. في بداية رحلة التعافي مع كثير من المجاهدات تبدأ نفسك في التوقف عن القراءة الدنيوية البحتة، والبحث العلمي في الأمر، ومداواته، نحو صبغ التعافي بصبغة دينية محضة.
وهذا للأسف بداية السقوط!
إننا للأسف أكثر ضعفاً من أن يحملنا الوازع الديني وحده نحو التحرر!
ربما فيما بعد.. بعد إتمام المداواة والتعافي بأسلوبها العلموي، يمكننا أن نستخدم طاقة التعافي في السلوك إلى الله، لكن قبل هذا، لن يمكنك الوازع الديني وحده -للأسف- من الاستمرارية.
الأمر صادم ربما، لكن هي الحقيقة التي جربتها أنت كثيراً كثيراً.. وتتهم نفسك دوماً.. ولا تفطن إلى حقيقة وحيدة هي أن الطريقة التي تتبعها ربما ليست مناسبة بما يكفي.. فافهم.
عماد رشاد عثمان