الموت يؤدي إلى علاقات اجتماعية قوية تدوم طويلًا
يقولون إن العلاقات التي تبنى أو تنشأ خلال الظروف الصعبة أو الاستثنائية لا تدوم طويلًا، ودائمًا ما تتلاشى مع مرور الزمن، والحجة في هذا الأمر هو أن الانفعالات العاطفية التي تظهر خلال الفترات الصعبة أو التجارب الاستثئناية تؤثر على قراراتنا وطريقة حكمنا على الأمور، بالإضافة إلى أن العواطف المزدهرة في بداية التقارب طبيعي أن تتراجع تدريجيًا.
من بين الأمثلة على هذه الظروف الصعبة، وفاة صديق أو أحد أفراد الأسرة، وهو ما يتسبب في تقارب الناس من بعضهم أكثر بطرق غير متوقعة. ولكن السؤال هنا: كم من الوقت يمكن أن تستمر العلاقة الاجتماعية بين شخصين تعارفًا أو تقاربًا خلال فترة الجنازة أو الحداد؟
«فيسبوك» عنده الإجابة
نشرت مجلة ساينس (Science) العلمية دراسة جديدة شملت الآلاف الأصدقاء على شبكة التواصل الاجتماعي الأكثر شهرة، فيسبوك. ووجدت الدراسة أنه حتى بعد مرور عامين على وفاة شخص ما، لا يزال أصدقاء هذا الشخص ومعارفه في حالة تواصل أكثر تشددًا مع بعضهم البعض كما كانوا بعد وفاة صديقهم مباشرة.
ويمكن لفهم أكبر لكيفية التعافي لرواد الشبكات الاجتماعية بعد الصدمة أن يعطينا نظرة ثاقبة حول كيفية تعزيز العلاقات الاجتماعية بين البشر. حتى الآن، لم تكن هناك دراسات واسعة النطاق عن كيفية استجابة مجموعات الأصدقاء تجاه فاجعة الموت، سواء عبر الإنترنت أو في الحياة الطبيعية.
يمكن للمرء أن يتصور وجود نتيجتين على الأقل لتعرض مجموعة من الأصدقاء لموت أحد أصدقائهم أو معارفهم، الموت يقوي الشبكات الاجتماعية بين الأفراد، أو يتسبب في تفكك العلاقات بينهم ببطء. بعد كل شيء، فعندما يقول كل الأصدقاء هذه العبارة « أنا آسف لما فقدته»، فما الذي يبقى مشتركًا بين أعضاء دائرة اجتماعية غير مركزية فيما بينهم؟
هل تحافظ الشبكة على تماسكها عند وفاة أحد أفرادها؟
ومن أجل عملية جمع كميات كبيرة من البيانات، تحول الباحثون إلى فيسبوك، وجمعوا إحصاءات عن 12129 شبكة اجتماعية لأصدقاء فقدوا شخصًا ما، وقاموا بمقارنة هذه البيانات مع مجموعة ثانية من 30258 شبكة اجتماعية لم يمروا بهذه اللحظات الصعبة.
ولقياس التفاعل، قام العلماء بحساب التعليقات، والمنشورات، والصور لكل شخص متوفى، نظر الباحثون إلى مجموعة «الأصدقاء المقربين» له – الناس الذين كانوا قد تفاعلوا معه مرة واحدة على الأقل خلال 6 أشهر – وحسبوا كم تفاعل هؤلاء الأصدقاء مع أنواع مختلفة من الناس الآخرين. وشمل ذلك الأصدقاء المقربين للمتوفى، وأقرب المعارف (الأصدقاء الذين لم يتواصل معهم المتوفى في مدة الـ 6 أشهر)، والغرباء الذين لم يكن المتوفى على صلة بهم بالموقع.
نتائج الدراسة
وفي الشهر التالي مباشرة للوفاة، تفاعل الأصدقاء المقربون من المتوفى مع بعضهم البعض بنسبة 30% أكثر من المعتاد، ومع معارف المتوفى أكثر من 15% من المعتاد، بينما الاتصال بين الغرباء إلى المتوفى لم يتغير. التفاعل بين الأصدقاء المقربون بدأ يموت تدريجيًا على مدى عام، والتواصل بين الأصدقاء والمعارف بدأ ينتهي تقريبًا على مدى بضعة أشهر، ولكن حتى بعد مرور عامين، في كلتا الحالتين كانت التفاعلات في الشهر الواحد لا تزال أعلى بنحو 3% مما كانت عليه في مجموعة الشبكات التي يتم المقارنة بها.
يقول ويليام هوبس، عالم اجتماعي في جامعة نورث إيسترن في بوسطن، الذي أجرى العمل في جامعة كاليفورنيا – سان دييجو، بالتعاون مع مويرا بورك، عالم البيانات في فيس بوك: «ما يثير الدهشة هو أن التواصل يستمر طويلًا». وقال هوبز: إنه وزملاءه فوجئوا بالآثار طويلة الأجل للموت على التفاعلات الاجتماعية.
وأضاف «ليس هناك الكثير من الدراسات حول تأثير صديق على شبكة اجتماعية. في الغالب، كانت الأبحاث تجرى على تأثير الأزمات، مثل الكوارث الطبيعية، على العلاقات والشبكات الاجتماعية». وتابع أنه كان من المستغرب هنا أن نرى هذه التغيرات في التفاعلات لسنوات لاحقة بعد خسارة شخص ما، لذلك فهذه الحالة لا تماثل الأزمات التي يمر بها الناس ثم يتعافون منها سريعًا، ويعودون إلى ما كانوا معتادين عليه في حياتهم.
في السابق، كان هوبس قد درس تأثير وفاة الزوج، وتقديم الرعاية، وتناولت الدراسة الجديدة التأثير على نطاق أوسع، ليس فقط على الشركاء، ولكن على جميع الأصدقاء حول هذا الشخص.
تستمر العلاقات الاجتماعية بعد المرور بالوفاة لفترة طويلة
يذكر أن جميع حالات الوفيات لم تكن متشابهة في التأثير. كانت التفاعلات الاجتماعية أكثر تواترًا بعد موت شخص بالسرطان والإصابات غير المتعمدة من أسباب أخرى، كما كانت أقل تواترًا بعد أسباب وفاة بها نوع من الوصم أو العار، مثل الانتحار والأمراض المنقولة عن طريق الاتصال الجنسي وأمراض الكبد التي يمكن أن تنتج عن تعاطي الكحول، ولم تكن هناك بيانات كافية لمعرفة ما إذا كان التفاعل بعد الموت بهذه الأمثلة الأخيرة يمكن أن يكون أعلى أوق أقل من حالة عدم وجود وفاة من الأساس.
هنا أوضحت الدراسة أنه بعد الوفاة، تزداد التفاعلات بين الأصدقاء لملء الفراغ، والحفاظ على الرابط الكلي بينهم على حاله.
دراسة فريدة من نوعها
وفي تعليق مصاحب، جرى الإشادة بهذه الدراسة لإعطاءها نظرة ثاقبة عن مصير الشبكات الاجتماعية بعد وفاة عضو مهم فيها. يقول روبرت بوند، الأستاذ المساعد في جامعة ولاية أوهايو: «عندما تحدث مثل هذه الخسارة، لا يذهب الفرد فقط، بل تذهب أيضًا كل الروابط التي كانت بين هذا الفرد مع الآخرين في الشبكة الاجتماعية الخاصة به. تؤثر مثل هذه الخسارة بشكل جوهري على البنية الرئيسية للشبكة، ولكن كيف تتفاعل الشبكة الأوسع مع هذا التغيير الهيكلي هي مسألة ظلت مفتوحة.
من المحتمل أن الشبكات قد تتضرر بشكل لا يمكن إصلاحه في مثل هذه الحالات، بل قد ينتقل الضرر إلى علاقات أخرى، حيث يتم كسر الروابط في الشبكة. ومن ناحية أخرى، قد تعوض الشبكة الخسارة عن طريق تقوية الروابط المتبقية التي تحيط بالفرد المفقود الآن.
وذكر الباحثون: «إن الزيادة في التفاعل في الشبكات المكلومة تشير إلى أن الناس يغيرون أنماط تفاعلهم بطرق من المرجح أن توفر الدعم لأولئك الذين يعانون من الحزن»، ولمزيد من الأبحاث، اقترح الباحثون دراسة كيف يمكن للشبكات الاجتماعية أيضًا زيادة الدعم عندما يعانى أحد الأعضاء من بعض الحوادث الصادمة، ولكنه لا يزال على قيد الحياة.
"ساسة بوست"