ذاكرة الغوطة الحبلى بالدماء ... لن ترحم جيوش التطرف
الإتهامات المتبادلة بين جميع هذه الفصائل، تهدف إلى خلق صورة ناصعة لها عند المدنيين.. أي القول إن ما يجري من معارك هو لغاية كذا وكذا، وأن سقوط مدنيين وتأثرهم بحالة الاحتراب الدائم، إنما يصبح مقبولاً لأن الحرب إنما هي ابتغاء للآتي أفضل. لكن الواقع ليس كذلك تماماً. فالعقل السياسي لهذه الجماعات لا يعرف إلا منطق الاقصاء، بخلاف ما تقول به السياسة عموماً من فن دارة الاختلاف.
في مشهد بات يقارب العدم، يسيل الدم كل يوم في سوريا. لعلّ أسوأ الحروب وأفظعها تلك التي لا عناوين كبيرة لها. في سوريا، لم تعد الحرب بين "معارضة ونظام حاكم". هذا انتهى منذ زمن بعيد، حتى صرنا أمام حروب صغيرة فتاكة لا تخمد نارها إلا بمحو الخصم من الوجود. هذه هي الحال في الغوطة الشرقية لدمشق، حيث المدنيون هم الحلقة الأضعف.
ففي معركة السيطرة على الغوطة، نفذّ "جيش الإسلام" عملية عسكرية سيطر فيها على أهم مقار "جبهة النصرة" ممهلاً عوائلها 24 ساعة لإخلاء المنطقة. كما اقتحم مقرّات "فيلق الرحمن" الذي يتهمه بدعم "النصرة"، في بلدة بيت نايم حيث دارت اشتباكات بين الطرفين كانت حصيلتها 150 شخصاً بين قتيل وجريح.
وقالت تنسيقيات المسلحين الأحد إن "جيش الإسلام" أحرق جثث مسلحي "هيئة تحرير الشام" (النصرة).
الانتهاكات التي يمارسها "جيش الإسلام" والكثير من الفصائل المماثلة مثل "فيلق الرحمن"، "وجبهة النصرة" تكاد لا تعد. هذه هي سياستهم، ونمط عملهم. ففي الوقت الذي رفعوا فيه شعار "الحرية"، كانوا يطبقون الخناق على كل من أصبح في مناطق سيطرتهم، بدءاً من تصفية كل المعارضين لهم، وصولاً إلى الاعتقالات والسجن والتعذيب.
ففي العام 2015 شهدت مدينتا دوما وسقبا، تظاهرتين نسائيتين طالبت بالإفراج عن المعتقلين لدى "جيش الإسلام"، وجاء ذلك بعد القضاء على فصيل "جيش الأمة". وقال ناشطون محليون حينها إن "جيش الإسلام" يمارس الاعتقال التعسفي والخطف.
قد يكون ما سبق هو "الأقل" إذلالاً للخصوم، لكنه لن يفوق أبداً ما حصل في العام نفسه مع المدنيين في الغوطة والذين ينتمي بعضهم إلى "الطائفة العلوية" وبعضهم الآخر معتقلون لديه.
فقد استخدم "جيش الإسلام" عشرات المحتجزين لديه دروعاً بشرية وذلك من خلال وضعهم في أقفاص حديدية، وزعها في المنطقة. ولا يمكن إغفال احتجاز كل المساعدات الغذائية التي كانت تدخل للمدنيين. وكذلك فعل الأحد كل من "جيش الاسلام" و"فيلق الرحمن" حيث واجها المتظاهرين السلميين بالرصاص الحيّ الذي أسفر عن قتلى وجرحى.
علماً أن التظاهرات في بلدات الغوطة، خرجت رفضاً للحالة المزرية التي يعيشها المدنيون نتيجة الاقتتال بين الفصائل المذكورة، والسياسات التي تمارسها بحق الخاضعين لمناطق سيطرتها.
أما "جبهة النصرة" خصم "جيش الإسلام" في الغوطة والتي تقاتله، فقد ارتكبت من الفظائع ما يشيب له الرأس. من قطع الروؤس والقتل على الهوية ثم الاعتقال والإذلال لمحتجزين خرجوا والأمراض تنهش أجسادهم.
واتهم "جيش الإسلام" "فيلق الرحمن" بالاصطفاف إلى جانب "جبهة النصرة"، فيما هاجم "فيلق الرحمن" "جيش الإسلام" قائلاً إن المعركة ذريعة للهجوم على مقرات ومستودعات الفيلق والاعتداء على عناصره.
الإتهامات المتبادلة بين جميع هذه الفصائل، تهدف إلى خلق صورة ناصعة لها عند المدنيين. أي القول إن ما يجري من معارك هو لغاية كذا وكذا، وأن سقوط مدنيين وتأثرهم بحالة الاحتراب الدائم، إنما يصبح مقبولاً لأن الحرب إنما هي ابتغاء للآتي أفضل. لكن الواقع ليس كذلك تماماً. فالعقل السياسي لهذه الجماعات لا يعرف إلا منطق الاقصاء، بخلاف ما تقول به السياسة عموماً من فن دارة الاختلاف. أما المدنيين الذين يسقطون كل يوم، فليسوا أكثر من "أضرار جانبية" يعتقدون أنه يمكن تجاوزها بسهولة. لكن الذاكرة الحبلى بالدماء لن ترحم.