قُضي الأمر: المسلحون خارج جرود عرسال .. سلماً أو حرباً
بعد إنجاز اتفاق الزبداني ومضايا وكفريا والفوعا، كشفت معلومات عن سعي إلى اتفاق مماثل لسحب المسلحين من منطقة جرود القلمون السورية. وإلا فإن قرار إخلاء المسلحين سينفذ عسكرياً من قبل الجيش السوري وحزب الله، مع ما لذلك من تبعات على الجانب اللبناني من الحدود.
كشفت معلومات سياسية وعسكرية لـ«الأخبار» جملة معطيات تتعلق بالوضع الحدودي الشرقي الشمالي ووضع النازحين السوريين في لبنان، في ضوء تطورات الأيام الأخيرة.
ففي غمرة الانشغال الداخلي بقانون الانتخاب واشتعال الفتائل الطائفية والمذهبية حوله، كان ينفذ اتفاق على مستوى إقليمي عند الحدود السورية المتاخمة للبنان، وهو المتعلق ببلدات مضايا والزبداني وكفريا والفوعة. صحيح أن انقساماً حصل في النظرة الى الاتفاق، وأُطلقت عليه توصيفات عدة كـ«الترانسفير المذهبي» وبداية التقسيم الإقليمي. إلا أن ما يعني لبنان هو النتيجة العملانية التي انتهى إليها الاتفاق. إذ إن انتقال المسلحين المعارضين والسكان من بلدتي الزبداني ومضايا، يعني أن سيطرة الجيش السوري، ومعه حزب الله، على الحدود المشتركة مع لبنان من الشمال الشرقي الى المصنع باتت كاملة.
لكن خرقاً حدودياً أساسياً لا يزال يمثل خطراً سورياً ولبنانياً دائماً، يتمثل ببقعة جغرافية واسعة لا تزال خارجة عن سيطرة الجيشين السوري واللبناني، وهي المنطقة الحدودية الجردية التي تُعرف لبنانياً بمنطقة جرود عرسال ــــ رأس بعلبك، وسورياً بجرود القلمون. ولا ضرورة للتذكير بما تشكّله هذه المنطقة من خطورة على الوضع اللبناني مع استمرار عمليات انطلاق مسلحين من هذه البقعة لتنفيذ عمليات إرهابية، وشنّ هجمات على المراكز العسكرية.
إذا فشلت المفاوضات سيصبح المسلحون بين فكي كماشة الجيشين السوري واللبناني
وتكشف المعلومات لـ«الأخبار» أن في موازاة الاتفاق حول البلدات السورية الأربع، فإن مفاوضات إقليمية رباعية بدأت مع «جبهة النصرة» وتنظيم «داعش» لنقل المسلحين المنتشرين في هذه الجرود أيضاً الى منطقة إدلب التي يرعى وضعها اتفاق غير معلن أميركي ــ روسي لتجنيبها الهجمات الكبرى المباشرة. والمفاوضات الجديدة، السورية ــــ الروسية مع تركيا وقطر، تهدف الى الضغط لسحب كل العناصر المسلحة بما يجعل من المنطقة خالية تماماً من المسلحين، ويريح النظام السوري. وقد وُضعت أوساط لبنانية رسمية في أجواء هذه المفاوضات وتفاصيلها، علماً بأن نجاح هذه الخطوة يمثل أهمية قصوى للبنان، لأنها تسحب عنصر توتر أساسياً من منطقة جرود عرسال وتقفل جرحاً دامياً مفتوحاً منذ سنوات، أدى بفعل الاشتباكات مع الجيش أو العمليات الإرهابية والانتحارية الى سقوط عدد كبير من الشهداء والجرحى، إضافة إلى العسكريين المخطوفين.
لكن، بحسب المعلومات، لا يمكن التفاؤل بقرب انتهاء هذه المفاوضات، مع الأثمان التي يمكن أن يطالب بها المسلحون مقابل انسحابهم، علماً بأن اتفاق مضايا والزبداني والفوعة وكفريا استلزم أشهراً من المفاوضات الشاقة التي كانت تتعثر حيناً وتتقدم أحياناً، بحسب تطورات الأوضاع الميدانية ومنحى المفاوضات الإقليمية. في المقابل، تؤكد المعلومات أن فشل هذه المفاوضات لن يكون من دون تبعات، لأن هناك قراراً سورياً بفتح معركة عسكرية ضد المسلحين المنتشرين في المنطقة الحدودية من الجانب السوري. إذ لا يمكن ترك هذه البقعة الجردية وحدها خارج سيطرة النظام، في حين تبقى الحدود الجنوبية السورية ــــ اللبنانية ــــ الإسرائيلية (مثلث القنيطرة ــ العرقوب ــ الجولان المحتل) موضوعة في خانة إقليمية مختلفة بإطارها وتداعياتها.
وهنا تكمن المشكلة، لأن فتح أي معركة عسكرية من الجانب السوري سينعكس حكماً على لبنان، والجيش اللبناني لن يقف متفرجاً بطبيعة الحال إذا حاول المسلحون الارتداد الى الداخل اللبناني وسيتصدى لأي محاولة هروب لهؤلاء الى لبنان، الأمر الذي سيضع المسلحين بين فكي كماشة: الجيش السوري من جهة ومعه حزب الله، والجيش اللبناني من جهة أخرى، من دون أن ننسى تداعيات المعركة أو المفاوضات على وضع مخيمات النازحين السوريين في المنطقة.
ومن الطبيعي أن يكون توقيت المعركة مرتبطاً أيضاً بالظروف السياسية والمفاوضات التي تسير على أكثر من خط، الأمر الذي يجعل الجيش اللبناني في حالة جهوزية لأي استحقاق عسكري قد يواجهه، علماً بأن أي تطور من هذا النوع، يحتاج أيضاً الى مواكبة سياسية من الحكومة التي ستكون معنية بمواجهة هذا الاستحقاق سياسياً في الداخل والخارج.
وفي وقت يواصل فيه الجيش اتخاذ تدابير عسكرية في المنطقة، مع استمرار عمليات القصف ورمي النار حين تدعو الحاجة في هذه الجرود، فإن ثمة جانباً آخر يتعلق بالتدابير التي اتخذها الجيش في شأن وجود مخيمات نازحين سوريين حول مقاره العسكرية، بدأ يلفت النظر. ورغم أن الجيش سبق أن أخلى النازحين من محيط مطار حالات شمالاً، فإن إخلاء النازحين السوريين من محيط مطار رياق استأثر بالأهمية، نظراً الى أعداد النازحين وانتشارهم في حرم المطار ومحيطه حتى كادوا يقتربون من منشآته والمدرجات فيه، الأمر الذي شكل خطراً على الجيش وعلى الطائرات اللبنانية والغربية التي تحط فيه لنقل المساعدات للجيش، وآخرها الطائرة الأميركية التي نقلت مساعدات عسكرية. لكن الجيش، رغم محاولات منظمات إنسانية ودولية التدخل لوقف القرار بحجج متنوعة، لم يتراجع عنه، وسيج المنطقة بشريط شائك، ولا سيما أنه يتعامل مع مناطق انتشار النازحين السوريين بحذر شديد ومراقبة دقيقة ودهم مستمر لمنع تلطي شبكات إرهابية داخل هذه التجمعات. ولم تقتصر عمليات منع وجود النازحين على المطارين المذكورين، بل شملت محيط المقار العسكرية وقيادات الألوية حيث اتخذت تدابير وقائية، كما حصل في اللبوة وعرسال أيضاً.