كيف ساهم "أوغلو" بتعزيز فرص فوز أردوغان في اللحظة الحاسمة؟
بعد أشهر طويلة من الصمت التام والاختفاء عن الحياة السياسية بشكل كامل، وبعد أسابيع من حديث الشارع التركي ووسائل الإعلام عن معارضته الشديدة للتعديلات الدستورية، ظهر رئيس الوزراء التركي السابق أحمد داود أوغلو، الجمعة الماضية، في مدينة قونيا مسقط رأسه وإحدى أهم قلاع حزب العدالة والتنمية الحاكم.
هذا الظهور المفاجئ له تكمن أهميته في أنه جاء على هامش مشاركته في مهرجان جماهيري مركزي أقامه حزب العدالة والتنمية لحث سكان المدينة على التصويت بـ«نعم» في الاستفتاء، وذلك بحضور الرئيس التركي رجب طيب أردوغان وعدد كبير من قيادات الحزب.
وطوال الفترة الماضية تركز الحديث حول رفض داود أوغلو للتعديلات الدستورية ومساعي أردوغان لتعزيز صلاحياته التنفيذية عبر الاستفتاء، حيث امتنع الرئيس السابق للحزب الحاكم عن الظهور في أي فعالية داعمة للدستور لا سيما المهرجان المركزي الذي عُقد في العاصمة وشارك فيه جميع قادة الحزب الحاليين والسابقين.
وقبل نحو عام، اضطر داود أوغلو لتقديم استقالته من رئاسة الوزراء ورئاسة الحزب بضغط مباشر من أردوغان بعد أنباء عن خلافات واسعة بينهما حول العديد من الملفات، منها سياسات الحكومة في التعامل مع دول الجوار والاتحاد الأوروبي، لكن السبب الأساسي كان حسب العديد من المراقبين هو رفض داود أوغلو لمساعي أردوغان آنذاك في البدء بالعمل على إجراء تعديل دستوري يحول نظام الحكم في البلاد إلى رئاسي.
أوغلو أو كما يسميه أنصاره ومحبوه بـ«الهوجا» (المُعلم) من أبرز قيادات الحزب ويمتلك قاعدة شعبية مهمة واحترام واسع في الشارع التركي لا سيما في مسقط رأسه مدينة قونيا، ومع قرب الاستفتاء جرت أحاديث واسعة في المحافظة عن حالة تململ واسعة وغضب من سياسات أردوغان بسبب تهميشه له وسط ترجيحات بتوجه كبير لسكان المدينة وأنصاره من المحافظات الأخرى لعدم المشاركة في الاستفتاء أو التصويت بـ«لا» تضامناً مع داود أوغلو.
وتعتبر محافظة قونيا من أبرز المدن المُحافظة في البلاد وذات ثقل انتخابي كونها سابع المحافظات التركية من حيث عدد السكان وتضم قرابة (2.2 مليون نسمة)، بالإضافة إلى أنها تعتبر من أبرز المعاقل الانتخابية التي تصوت بأغلبية ساحقة لحزب العدالة والتنمية وأردوغان كما جرى في جميع الانتخابات في الـ15 عاماً الأخيرة، حيث حصل الحزب على 75٪ من أصوات المحافظة في الانتخابات البرلمانية التي جرت نهاية عام 2015.
وتكمن أهمية هذه الأرقام في أن الاستطلاعات أشارت طول الأيام الأخيرة قبيل الاستفتاء إلى التقارب الكبير جداً بين أصوت المؤيدين والمعارضين للاستفتاء، وكانت التوقعات بأن لا يتجاوز الفارق مئات آلاف الأصوات ما يعني أن محافظة كـ»قونيا» كانت قادرة على حسم النتيجة لصالح أحد الطرفين.
واعتبر قبول داود أوغلو الظهور في مؤتمر تأييد التعديلات الدستورية قبيل يومين فقط من التصويت بمثابة «دعم خجول» لأردوغان بسبب عدم دعوته بشكل مباشر إلى التصويت بـ«نعم»، لكنه ساهم في حث أنصاره على التصويت لأردوغان ليس من منطلق تأييده لتوسيع صلاحيات الرئيس وإنما للحفاظ على مسيرة حزب العدالة والتنمية، وهو ما بدا واضحاً في خطابه.
حيث اعتبر داود أوغلو أن «الشعب التركيّ يعطي قراره بشكل صحيح دائمًا، وأنّ القرار الوحيد هو للشعب التركي فقط، وأيًّا كان القرار سواء «نعم» أو «لا». وقال: «قرار الشعب هو تاج نضعه على رؤوسنا»، وأضاف: «نحن في مرحلة مضطرون فيها لأن نكون على قلب واحد، وبصوت واحد».
وأضاف وسط حماس كبير من أنصاره بعد غياب قرابة العام: «نحن الآن في مرحلة نتجّه فيها إلى تعديلات دستورية، وهذه التعديلات سُتعرض على الشعب التركيّ للتصويت، وإنّ الشعب التركيّ يختار قراره بشكل صحيح دائمًا»، وتابع: «هناك من يريد بثّ الفرقة والخلاف بين أفراد الشعب التركيّ، لذلك أيًّا كانت النتيجة يوم الاستفتاء فإنّ علينا في صباح 17 نيسان/أبريل أن نسلّم على بعضنا، وليلقِ الجارُ السلامَ على جاره بكلّ زقاق في تركيا، وليبتسم بوجهه، وإنّ مستقبلَ تركيا مشرقٌ».
وعقب الإدلاء بصوته في قونيا، صباح أمس، أكد أوغلو أن «الاستفتاء بمثابة خطوة للاستشارة تهدف لمعرفة رأي الشعب وتفويضه لاتخاذ القرار النهائي والأخير»، مضيفاً: «القرار بات اليوم بيد الشعب التركي»، داعيًا المواطنين إلى احترام آراء بعضهم البعض أيّا كانت نتيجة الاستفتاء.
ويسود اعتقاد أن هذا الدعم وحتى إن لم يكن قطعياً من داود أوغلو، ساهم في تعزيز فرص نجاح أردوغان في الاستفتاء، لا سيما وأن أنصاره يمثلون ثقلاً انتخابياً ليس سهلاً في المعادلة الانتخابية في البلاد.