بعد الشعيرات: لماذا خاب أمل أردوغان في ترامب؟
يبدو ترامب أو الولايات المتحدة بمثابة قدر وكابوس لتركيا، وهذا يفسر كيف ينتشي أردوغان عندما يقترب منها، ويصاب بالتوتر والإجهاد عندما تباعد الظروف بينه وبينها، وهو بالرغم من كل شيء لا يمكنه مجرد التفكير بأن يبتعد عنها وعن أولوياتها ورهاناتها. وهو يدرك تماماً أنه من دونها عاجز عن تحقيق أهدافه في سوريا.
مازح شاعرٌ عربيٌّ قديم أحد أصحابه، قائلاً "أبو حَفْصٍ دخلتُ عليه يوماً* فغدّاني برائحة الطّعامِ". هذا على ما يبدو حال أردوغان عندما لم يتمخض الموقف الأميركي عن شيء مما أَمِله هو وحلفاؤه، كما لو أن الاعتداء لم يقع. وأمسى أردوغان ولسان حاله هو حال الشاعر نفسه الذي يقول في مقطع آخر "وكنت كمن تغدى في المنام".
ارتفعت آمال أردوغان كثيراً عندما استمع إلى تصريحات ترامب حول سوريا بعد حادثة خان شيخون، وقال إنه لن يتردد في دعم أي عملية أميركية ضد سوريا طالما أن الهدف منها هو إسقاط نظام الرئيس بشار الأسد. وأعاد بسرعة فائقة ترتيب مفردات خطابه حول "المنطقة العازلة"، و"أخطاء" بوتين في دعم الرئيس الأسد، و"احتواء" إيران في المنطقة، وضرورة إقامة "منطقة حظر جوي" فوراً، وغير ذلك من المفردات التي كان هجرها تقريباً خلال تقاربه مع روسيا. وصفق أردوغان وإعلامه للاعتداء الأميركي على قاعدة الشعيرات الجوية (7 نيسان/أبريل الجاري) ووصفه بأنه عمل إنساني وأخلاقي، وخطوة صحيحة يجب أن تتبعها خطوات أخرى.
أفصحت تطورات الأزمة منذ حادثة/ذريعة خان شيخون (4 نيسان/أبريل الجاري) والاعتداء الأميركي على قاعدة الشعيرات وصولاً إلى الفيتو الروسي في مجلس الأمن (11 نيسان/أبريل) وتصريحات ترامب لصحيفة "وول ستريت جورنال" (12 نيسان/أبريل) التي يقول فيها ان إدارته لا تصر على رحيل الرئيس الأسد، عن:
- ذيلية سياسية، ليس لدى أردوغان فحسب، وإنما لدى رؤساء ورؤساء حكومات دول مثل فرنسا وبريطانيا وألمانيا أيضاً، ومثل ذلك وأكثر لدى الأردن والسعودية والإمارات، وكذلك الحال لدى المبعوث الدولي ستافان دي مستورا، فقد كانوا جزءاً من بروبغندا ترامب، بل إن بعضهم زايد عليه، في كلامه هو وإدارته عن صوابية وشرعية وضرورة وإلحاح استهداف سورية.
- طبعاً جانب من تلك الذيلية ناتج عن طبيعة بنيوية في السياسات، والجانب الآخر ناتج عن "إساءة تقدير" أو "إساءة حكم" (misgovernment) في تلقي الأمور، وفي التفاعل مع تطورات المشهد السوري وتفاعلاته الإقليمية والدولية، وذلك بتأثير عوامل عديدة منها الطموح المُفرِط لدى أردوغان، وطغيان المدارك النمطية والمخيالية لديه ولدى أشباهه من مناهضي سوريا وحلفائها.
- يبدو ترامب أو الولايات المتحدة بمثابة قدر وكابوس لتركيا، وهذا يفسر كيف ينتشي أردوغان عندما يقترب منها، ويصاب بالتوتر والإجهاد عندما تباعد الظروف بينه وبينها، وهو بالرغم من كل شيء لا يمكنه مجرد التفكير بأن يبتعد عنها وعن أولوياتها ورهاناتها. وهو يدرك تماماً أنه من دونها عاجز عن تحقيق أهدافه في سوريا. ولا يزال يراهن –على طريقة السادات- على أن 99% من أوراق "الحل" في سوريا هي بيدها.
مع ذلك لا يبنى أردوغان على الأمر مقتضاه، وهو لم يحيد في رهاناته على الإرهاب في سوريا قيد أنملة، إذ على الرغم من انكشاف حجم الاعتداء الأميركي على قاعدة الشعيرات، وحدود ما يمكن لواشنطن أن تفعله تجاه سوريا، فإن أنقره مصرة على قراءتها للمشهد.
وهكذا فقد تهاوت آمال أردوغان بعد اعتداء الشعيرات، ربما بأسرع مما ارتفعت بعد حادثة خان شيخون، إذ تكشفت التطورات عن إكراهات كثيرة حالت دون مضي ترامب في قراراته، لأن الروس حلفاء سوريا الآخرين وقفوا ضد الولايات المتحدة، ودافعوا بشدة عن أولوياتهم وعن حليفهم الرئيس بشار الأسد، وهذا ما أكده بيان اجتماع وزراء خارجية سوريا وإيران وروسيا في موسكو (14 نيسان/أبريل)، ما يعني أن طموحات أردوغان بتحقيق أهدافه في سوريا بعد اعتداء الشعيرات، كانت قصيرة الأجل، ولم ينل من حفلة "أبي إيفانكا" غير "الرائحة"!