دور رعاية مؤقتة للأكل والشرب فقط .. الأطفال في الشوارع والتربية في سبات
لا تسأليني ما دخلك هكذا أجابتني طفلة سمراء وهي تركض هاربة من أمامي – في شارع المحكمة باللاذقية- بعد أن سألتها «ليش عم تبيعي بسكوت ومانك بالمدرسة؟»، ربما أحرجها السؤال وأحزنها وعصّ على جراحها، أو قد تكون حفِظت إجابتها من «مشغّلها» في الشوارع بدل أن تحفظ دروسها من معلمها في المدرسة! احتمالات لن تتعدى أنها أفكار تدور في رأس أي من يلتقي مثل هذه الطفلة وغيرها من الأطفال المشردين أو كما يُطلق عليهم بعد الأزمة «متسولو الحرب» لأن انضمام الأطفال المهجرين من المحافظات الأخرى إلى أطفال اللاذقية المحليين شكل انتشار وتضخّم ظاهرة التسوّل في ظل الحرب ما جعلهم يفترشون أرصفة اللاذقية يغلبهم النعاس ولا يكملون طعامهم فيبقى خلف ظهورهم فيناموا بأمان!.
يحملان أكياساً كبيرة قاموا بتعبئتها من حاويات القمامة بعبوات بلاستيكية على ظهريهما ويتوقفان عند رصيف تعلوه «ماكينة للقهوة والمشروبات الساخنة» يمد أحدهما يده نحو الماكينة وكأنه وضع العملة النقدية في مكانها لتملأ له كأساً من «الميلو» فيمسك بالكأس «الوهمي» ليشرب بطريقة تمثيلية وكأنه نال ما أراد واستدار نحو رفيقه وعلت ضحكاتهما في شارع «بنت الشاويش» بالزراعة، ربما حلم هذا الطفل بأن يشتري كأساً من «شراب الأبطال» يروي به ظمأ الطفولة التي خسرها بفعل التشرد والحرب إلا أن المسؤول عنه يمنعه بالتصرف بأي «ليرة» يحصّلها من «دوامه» إلا بإذنه ويوهم كل «أطفاله» بأنه يراقبهم ويعرف ما يدخل جيوبهم فلا يتصرفون بأي مبلغ مهما كان زهيداً مخافة عقاب ربما يكون الطرد من العمل الذي يعتبرونه المعيل الوحيد ليأكلوا ويشربوا نهاية الدوام حسبما يروي بعض أصحاب المحال المجاورة لأماكن تجمع الأطفال بفعل رؤيتهم لهم بشكل يومي ومعرفتهم بعدد منهم.
وفي اللاذقية التي تعد محافظة آمنة، ازدادت ظاهرة التسّول بشكل كبير ويلاحظ جميع سكانها انتشار الأطفال المشردين في شوارعها كافة، وتغيب الإحصائيات الرسمية عن عدد هؤلاء الأطفال لعدم وجود «دور للأطفال المشردين» في المحافظة إضافة لعدم تبني أي جمعية لهذا الموضوع، كما ذكر مصدر في مديرية الشؤون الاجتماعية باللاذقية في تصريح خاص لـ«الوطن»، مؤكداً أن الظاهرة معقدة ومنتشرة لعدم وجود طرق فعالة لمعالجتها التي تتطلب تضافر جهود عدة جهات مع الشؤون الاجتماعية، أهمها (القضاء والتربية والإدارة المحلية) ففي بعض الحالات التي يرصدها ممثل مديرية الشؤون خلال جولات أسبوعية لمكافحة التسوّل على أماكن الأطفال يتم تحويل بعضهم إلى القضاء إلا أنه لا يصدر بحقهم أي قرار للحبس أو المحاكمة فلا قانون لـ«جرم تسول الطفل ولايعد مرتكب جريمة!» حسبما تأتي الإجابة من المحكمة, وأشار المصدر إلى ضرورة إجراء إحصاء من مديرية التربية حول عدد الأطفال المتسربين وأماكن إقامتهم معروفة سواء في المنطقة الصناعية أو الرمل الفلسطيني والدعتور والبصة، لتحويلهم إلى القضاء بعد تعديل قوانين وفق صياغة تدين مشغليهم الذين لم تستطع كل محاولاتنا لإدانتهم، فالموضوع يجب أن يُنظر له بطريقة أكثر فعالية للحد من مخاطر هذه القضية العامة التي تفرز ظواهر سلبية أخرى تؤدي إلى السرقة وتعاطي المخدرات واللواطة، فعلى الحكومة والفعاليات المجتمعية التحرك بشكل جدي لمعالجتها لمنع استغلال الأطفال الأبرياء من عصابات وجدت من الحرب بيئة خصبة لزيادة عدد الأطفال في عملهم الاستغلالي وخاصة في المناطق الآمنة «فيُشرِّدون الأطفال بأريحية» حسب تعبير المصدر مشدداً على ضرورة تبني هذه الطروحات وتحويلها إلى مشروع حقيقي.. وأكد المصدر أن المديرية (الشؤون الاجتماعية) سعت في السابق لإحداث دار للأطفال المشردين إلا أن ظروف الحرب حالت دون إتمام المشروع، مشيراً إلى أن الفكرة مطروحة وهي رقم واحد بالنسبة للمديرية ونسعى لتنفيذها بالتعاون مع اليونيسيف لإحداث دار رعاية مؤقتة للأطفال المشردين وليست دائمة، بمعنى أن تكون الدار للأكل والشرب دون المنامة.
الوطن