محاضِرة تقترح "أكاديمية للتعدد" تزوج ثلاثة والرابعة مجاناً"
قوبل اقتراح قدّمته المحاضرة في جامعة الملك عبدالعزيز الدكتورة هوازن ميرزا، في حديث مع برنامج "اتجاهات"، لحث الرجال على تعدد الزوجات، بالاستهجان؛ حيث اقترحت القيام بـ"أكاديمية للتعدد" تهدف لزواج الشاب من ثلاث زوجات: (آنسة، ومطلقة، وأرملة) خلال شهر؛ على أن يتم إهداؤه الرابعة مجاناً بعد عشر سنوات إذا رغب!
ولم يكن الاستهجان نابعاً من فكرة التعدد ذاتها؛ إذ إنها لا تخرج عن إطار الزواج الذي أحلّه الشرع؛ بيْد أن الصدمة تَمَثّلت في فكرة الاقتراح "تزوج ثلاثة والرابعة مجاناً"؛ حيث قدّمت المرأةَ كسلعة أو مكافأة لمن يتزوج ثلاثاً، فله الرابعة مجاناً!
واستكر البعض تحويل المرأة التي كرّمها الإسلام وحَفِظَ حقوقها، إلى "سلعة"؛ حيث وصف كثير من المثقفين والمثقفات هذا الاقتراح بـ"المهزلة"، وأنه "سخافة من الأفضل تجاهلها وعدم الرد عليها"؛ فيما رأى آخرون أن فيه ضياعاً لقيمة المرأة وامتهاناً لكرامتها وعرضها كالسبايا؛ رافضين مقولة أن يكون التعدد وسيلة للقضاء على العنوسة؛ حيث أكدت الإحصاءات أن عدد الرجال يفوق عدد النساء في المجتمع السعودي، وهو ما اعتبره البعض عنوسة ذكورية، وليس العكس.
مهانة للمرأة
في البداية، حاولت "سبق" التواصل مع المحاضِرة في جامعة الملك عبدالعزيز الدكتورة هوازن ميرزا؛ بيْد أنها رفضت التعليق على اقتراحها بـ"أكاديمية التعدد"، ورأت أن الوقت غير مناسب للحديث.
علّقت أستاذة الخدمة الاجتماعية بجامعة الأمير نايف الدكتورة دلال محمد الحربي لـ"سبق"، قائلة: التعدد أمر موجود في الإسلام وليس بجديد، ووضَع الإسلام العديد من الشروط له؛ بيْد أن الطريقة التي عرضتها الدكتورة هوازن ميرزا فيها مَهانة وتسليع للمرأة"؛ متسائلة: "أين كرامة المرأة حتى تُعرض في سوق كالسبايا "تزوج ثلاثة والرابعة مجاناً"!
وأوضحت أن فكرة تزويج الرجل لمطلقة وأرملة وآنسة أمر غير مقبول، والأوْلى تزويج البكر، كما أن المرأة المطلقة والأرملة لم ترتكب ذنباً حتى تُعاقب وتهان بهذا الشكل المهين؛ واصفة الفكرة بـ"المُهينة" لكرامة المرأة ومشاعرها.
وبسؤالها عن الأبعاد الاجتماعية لمثل تلك الأفكار في المجتمع السعودي، أجابت: "انتشار الانحلال الأخلاقي، والتهاون بموضوع الزواج وهشاشة الأسرة، كما أنه سوف يساهم في غياب قيمة المرأة ودورها في المجتمع؛ لافتة إلى أن هذه الأفكار تُعَد استغلالاً للجنسين: الرجل والمرأة، ومساهمة في انحرافهما؛ مطالبة بتهميش تلك الأفكار السلبية التي تضر بالمجتمع.
عنوسة ذكورية
تواصلت "سبق" مع الإعلامية مقدمة برنامج "اتجاهات" نادين البدير؛ حيث تم تناول الفكرة في حلقة من برنامجها، وبسؤالها عن رأيها، أجابت: "الموضوع أخذ ضجة كبيرة جداً"، واستنكرت الفكرة قائلة: "تَخَيّلوا أن العالم المتحضر يبحث مجرات الفضاء، ونحن نبحث عن عرسان وخطابات!"؛ متعجبة من ردود الأفعال الواسعة خلال حلقتها.
وتابعت: "ضحكتُ كثيراً من فكرة الدكتورة هوازن، وتمنيتُ لها الفشل الساحق؛ حيث يُعَد ذلك تَلَاعباً على الشرع والمشاعر والعواطف، وتحول الزواج إلى مشروع مادي تُنتزع منه الصفة العاطفية".
وتساءلت: "ما الفارق بين أن يتزوج رجل من ثلاث نساء على عدة مراحل، وأن يتزوج ثلاثاً وفق مشروع الدكتورة في شهر واحد؟ " مجيبة: "بالنسبة لي كلاهما يجب التصدي له".
ورداً على مَن يدّعي التصدي للعنوسة، قالت: "المقترح ما هو إلا سخافة، وثبت بإحصاءات حكومية أن عدد الذكور العزاب يفوق كثيراً عدد الإناث، وهذا يعني أننا نعاني من عنوسة ذكورية".
مهزلة عقلية
من جهته، وصف الكاتب في صحيفة "الوطن" فهد الأحمري، فكرة "أكاديمية التعدد" بأنها "مهزلة"، تُخرج " التعدد" من كونه حلاً لأشخاص معينين، وتحويله إلى عام وشامل للجميع دون إبداء أي أسباب.
ورأى أنه "إهانة لكرامة المرأة، وينتج عنه مشاكل أسرية كثيرة"؛ مشيراً إلى أن الدعوة المنفتحة للتعدد فيها خطر مجتمعي شديد، وقال: "أصحاب خطاب التعدد يفترون ويضعون حقائق فيها العديد من المغالطات؛ ومنها أن النساء أكثر من الرجال في المجتمعات، ويضعونه سبباً للتعدد وخوفاً من العنوسة؛ بيْد أن الحقيقة تشير إلى أن الرجال أكثر عدداً من النساء، وهذا القول غير صحيح، ولا يستند إلى أي مرجعية؛ حيث يشير موقع الهيئة العامة للإحصاء السعودية إلى أن عدد الذكور أكثر من النساء، وهناك الكثير من التقارير الموثقة تفيد بأن النساء أكثر من الذكور في أربع دول عربية فقط: جيبوتي، ثم موريتانيا، ولبنان، وأخيراً جزر القمر".
وحذّر الكاتب من تلك للأفكار المُهينة التي تشوّه الدين الإسلامي والمجتمع، ولا تضيف أي حلول حقيقية؛ بل تزيد من حجم المشكلة، قائلاً: "أليس أوْلى أن نحُل موضوع البطالة والتكاليف الباهظة للمهور التي زادت بالفعل من المشكلة، ونعمل على توفير الوظائف وتخفيض تكاليف الزواج؛ بدلاً من تلك الأفكار الفارغة في محتواها من أي هدف سوى تخريب العقول؟!".
أمور عُرفية
واتجهت "سبق" إلى أستاذ أصول الفقه جامعة أم القرى محمد السعيدي؛ للتعرف على رأى الدين في مثل تلك الأفكار الحديثة؛ فأجاب قائلاً: "الزواج إذا قام على أركانه من ولي وشاهديْ عدل ومهر ورضا بين الطرفين؛ يُعد عقداً صحيحاً؛ أما الأساليب التي يتم بها الزواج فتتغير بتغير الزواج وتغير الأنظمة؛ فمثلاً مِن قبلُ كان الزواج بدون مأذون، ويتوفر فيه كل الشروط السابقة؛ فهو زواج رسمي، ومع تغير الأنظمة أصبح هناك مأذون رسمي، ولا يقع الزواج بدونه".
وأوضح أن "الإسلام لا يتدخل في الأمور العرفية؛ إلا إذا خالفت الشرع، وفكرة التعدد بهذا الطرح تُعد مسألة عرفية لا مشكلة دينية، وتعتمد على الأعراف: هل ستتقبلها أم لا؟"؛ مشيراً إلى أنه "في الزمن الماضي كانت النساء تخطب الرجال؛ أما الآن فقد رفض العرف هذا التصرف، واعتبره مهانة للمرأة؛ حيث يلعب العُرف دوراً أسياسياً في حياة المجتمعات".
وطالَبَ "السعيدي" في نهاية حديثه بعمل دراسة علمية جادة ومبنية على إحصاءات حقيقية، قبل الإتيان بأي فكرة جديدة، ومعرفة مدى تقبل العرف المجتمعي لها.
وكالات