السوريون يحولون أزماتهم إلى نكات
صاحبة الجلالة _ مهند خديجة
فيظل أزمة المياه التي تخيم على مدينة دمشق بعد ان اقدم مسلحو وادي بردى بريف دمشق على تفجير نبع عين الفيجة في ثلاث نقاط وضرب محولة عين حاروش بشكل كاملو إفراغ الأنفاق التي تغذي مدينة دمشق من الماء ما ترك سكان المدينة بأهلها ومن لجأ وهجّر إليها يصارعون شبح العطش .
الدمشقيون كما باقي السوريين الذين من كثرة أزماتهم وصلوا لمرحلة اليأس وفقدان الأمل بأن يستطيع الفريق الحكومي حل أي منها واكتفاءه بـ"إبر البنج والتخدير" ..حيث فجر هذا التقصير الحكومي وتلك الأزمات المتتالية روح الدعابة والنكت لدى أغلب السوريين فأصبحوا يتعاملون مع أوجاعهم وفقدان احتياجاتهم وعجزهم وأزماتهم بكوميديا ساخرة تجسد حقيقة الألم والوجع وبنفس الوقت تفرّغ ما يجيش بداخلهم من غضب على ما وصل إليه الحال ..فبعد أزمات الكهرباء والمازوت والفيول والغاز ..جاءت أزمة المياه لتكتمل خيوط مسرحية "ما ضل شي للمواطن" التي أخرجتها الأقدار وسوء التخطيط وعدم وجود افق استراتيجي لدى أصحاب القرار..وأنتجها المسؤول ..وبطبيعة الحال كان بطلها "المواطن".
ردات فعل الموطنين كثرت على مصيبة نقص المياه والتي كانت خلفياتها إما الخوف من العطش أو انتشار الاوبئة أو عدم القدرة على دفع ثمن برميل المياه 1300 ليرة سورية والذي يزداد بحسب المنطقة محولين تلك المخاوف إلى نكت و تقليعات ونوادر يلقونها في مجالسهم وعلى صفحات التواصل الاجتماعي مطبقين بذلك المثل الشهير" شر البلية ما يضحك " فمنهم من نشر على صفحته
"الكهربا هاجرت للسويد ويمكن تعمل لم شمل للمي" فيما غردت فتاة على تويتر "وحدة تركت خطيبها فسألوها أهلها ليش..قالت: كذاب.. قلي انوا عندو صهريج مي طلع دكتور بالجامعة".
ما لم يكن يوما يأخذ حيزا من تفكير السوريين أصبح اليوم بفعل تلك الأزمات محور اهتمامهم وتركيزهم حتى جسدوه من خلال سخريتهم على انه أماني وآمال يتمنون تحقيقها في المستقبل الذي من كثرة ما اصابهم لم يعد موجودا حتى بالعقل الباطني لهم .."التفكير بكل يوم لحالو..ولبكرا خير وبركة"..حيث نرى احدهم يترجم ذلك من خلال تقليعة على صفحته "سألوني شو امنياتك للسنة الجديدة 2017 .. قلتلهم ترجع المياه لمجاريها!!"..فيما ذهب آخر مستغلا موضوع العرافين الذي يغزون الشاشات خلال رأس السنة للقول " عراف عم يسأل سوري .. شو بدك تعرف .. فقال له السوري: بالله شفلي بالـ2017 فينا نتحمم"
ولم تسلم الحملات التي أطلقتها الوزارات الحكومية ولا التصريحات لبعض المسؤولين والوزراء من التهكم حيث نالها نصيب وافر..فنرى شاب وقد نشر على صفحته "شعار 2015 عيشها غير.. شعار 2016 عيشها صح.. شعار 2017 اذا زلمة ضلك عايش" و.. "بعد حملة حقي اتعلم السوريون يطلقون حملة حقي اتحمم" ... ليلاقيه ثان بالتهكم على ما قاله وزير الموارد المائية "استخدام المياه للاستحمام من قبل المواطنين أمر غير مقبول ..الماء للشرب وليس للاستحمام" .. مستذكرين بذلك ما نشر على مواقع التواصل الاجتماعي عن أزمة الكهرباء .. "بيان صادر عن وزارة الكهرباء السورية.. بسم الله الرحمن الرحيم "الله نور السموات و الأرض" انتهى البيان".
وعبر السوريون عن عدم تفاؤلهم بالعام الجديد وضعف قدرتهم الشرائية التي لا تسمح لهم بشراء المياه وصولا إلى اعتبارهم تامين المياه من قبل البعض بالجنحة .. حيث امتلأت صفحات التواصل الاجتماعي ولاسيما تلك المخصصة للضحك والنكات بكم كبير من السخرية .. فنرى بعضهم ينشر قبل رأس السنة بساعات أخبارا عنونها بالعاجلة نذكر منها .."خبر عاجل وهام جداً راس السنة طلع مقمل" و"خبر عاجل آخر .. "تم القاء القبض على رجل بالجرم المشهود وهو يتحمم ..ولا يزال بغرفة التحقيق لمعرفة من وين جاب المي"
واللافت بتلك التقليعات والنكات أن السوريين استغلوا أزمة المياه ليسلطوا الضوء على كل مشاكلهم حيث أسقطوها على وضعهم الاقتصادي المتردي وغلاء أسعار السكن وتقصير المسؤولين وعدم مبالاتهم والخوف على مستقبلهم ومستقبل اولادهم حتى انهم لامسوا بها موضوعات هامة كالهجرة ومهر الزواج العالي الذي سبب اعتكاف الكثير من الشبان عن الزواج ..فنجد من غرد بالقول "للبيع بداعي السفر قنينة مي مو مشروب منها غير شفة وحدة مع كامل غراضها والغطا ومعها كاسة كرتون هدية للجادين فقط" و "..هام وعاجل.. لدينا خزان ماء فيجة مليان ماء نقي سعة الخزان 2000 لتر للمداكشة على بيت بالمالكي ...للجادين فقط حاكوني عالخاص"..لتنشر فتاة على صفحتها الخاصة على الفيسبوك "شاب خطب بنت فكان المهر 50 بيدون مقدم و 50 بيدون مؤخر و50 بيدون غسيل بدن" .
ومع لفظ العام الحالي لساعاته الأخيرة بخيرها وشرّها .. بما حمله للسوريين بشكل عام وللدمشقيين على وجه الخصوص من مأسي و أزمات ومع حلول العام الجديد .. هل تندرهم يحمل أمنياتهم للعام الجديد ..؟ وهل لم يتبق لهم لإيصال صوتهم سوى تلك الطريقة في ظل إعلام مغيب تماما عن أوجاعهم بسبب انشغاله بتلميع صور "المخرجين" و"المنتجين".