لهذا نحتفل في آذار يا أمي
لا تتكرر الصدف غالباً، إنما تنفرد بندرتها، وهذا سر جمالها وسر حاجتها.. أن تعود أيام الربيع الدافئة شمسه والباردة رياحه، ثم تجد بين عبق زهرها للمرأة عبقاً آخر- ليس صدفةً، وإنما ترتيب ربيعيٌ جميلٌ موثَّقٌ ومؤرَّخٌ؛ إكراماً لجمال هذه الزهرة، المتفرّدة بعطائها تفرُّد الغيم بمائه، وتفرُّد الشمس بأشعتها، وتفرُّد النجوم بعلوّها.
في مارس/آذار، للقلب ألف خاطرة وذكرى، تزهر مع الربيع قلوب المحبين وتُروى برياحينه أشتال الذاكرة الذابلة من قسوة الفصول المتقلبة، ثم يأتيك آذار يفرش ثوبه الأخضر ويمد بساطه الملوَّن، فاتحاً ذراعيه ملء الحب مُرَحِّباً بك.. وللمرأة في جمالها يفتح الربيع، بخصوصية معلنة، ذراعيه ملء الكون، قائلاً: أهلا بكِ يا زهرة القلب الأرقِّ وعطر الكون الأبهى، أهلاً ومرحباً بك -أيتها المرأةُ- في عيدك امرأةً قوية بحجم القوة ذاتها وأماً تِحناناً بحجم الحنان ذاته.
وفي ربيع كل عام، أنتِ سيدة الفصول، أنت تملكين قوة الربيع عندما تزهرين في فصول حياتك، تتنقلين كنحلةٍ بين فصول العمر كلها؛ ابنةً وأختاً وزوجةً وأماً وجدةً وعمةً وخالةً ورحماً، ولهذا كان في آذار لك الأعياد المتميزة بك.. أنت امرأةُ آذار بلا جدال، أنت زهر اللوز الذي لم يكتمل بعدُ، إنما أنتِ اكتملتِ نوراً ونقاءً، أنت طهر مريم عندما تحملين شعلةَ الأمومة فيكتمل بَدْرُكِ وَهَجاً وألىً .. لك من بساتين القلب المزهر في آذار آلاف الأمنيات المكتملة بك.
سيدتي، حواء آدم ومريمُ عيسى وزهراء محمد وهاجر إبراهيم ورحمة أيوب، أيتها الطيبةُ أصلاً وعطاءً، لك في خارطة هذا الكون البصمة الأقوى والأثر الأكثر جللاً وقدراً في النفس، تحني لك النجوم هامتها وتعلو بك منارةُ الشمس علوَّ السماء.
تفتح الأرض رحمها فيزهر الربيع، كان المخاضُ قاسياً وبارداً، ولكن الشتاء روى في الأرض ظمأها فأنبتت من أديمها ثمرٌ وألوانٌ حسان، وكنتِ أنتِ -أيتها المرأة- ثمرة الربيع المنتظرة منذ فصول، أنت تسكنين الحياة بصيفها وخريفها وشتائها، ثم ما يلبث الربيع يعزف ألحانه السنوية حتى تظهري بثوبك المخضرِّ الحافل بثمار عطائك الذي لا يكلّ ولا ينقطع.
نقف في كل عام للمرأة وقوف الأبطال، وليس هذا في آذار وحده، وإنما في كل يوم نرفع لها تحيات التقدير والعرفان ونحمل باقات المحبة عطرةً عِطرَ هذه المرأة المتميزة، ولكن نحتفل بالربيع شوقاً إلى ألوانه، وبذا لا بد أن يكون لزهرة الحياة نصيبٌ من جمال آذار وألوان آذار.
لك أيتها السيدة القوية الواثقة الحازمة، يا أم الرجال وأخت الرجال، أيتها المتمكنة في موقعك تتوهجين في نبل تضحياتك وتتنعَّمين في وارف قلوب من أحبَّكِ ووثِق بكِ، لك تحيةٌ من إجلال وإكبار واقتدار.. من القلب تزهر لك بساتين المحبة وترفرف أطيار السلام.. كل فصل وأنت ربيع هذا العمر، كل خاطرة وأنت سيدة الكلمات، كل قصيدة وأنت لحن القوافي، كل تحيةٍ وأنت عالية المقامات.
كل آذار وأنت زهرُه وربيعُه ودفءُ شمسه وينبوع نوارسه.. سلامٌ لحواء.
هافنغتون بوست