الرنين المغناطيسي للدماغ يمكنه تحديد المجرم الحقيقي
تمكن الآن علماء الأعصاب من استخدام عمليات مسح الدماغ أو الأشعة المقطعية للمخ لاكتشاف الفرق بين الأشخاص الذين ارتكبوا جرائم مع سبق الإصرار، وأولئك الذين خالفوا القانون من خلال سلوك متهور محض.
وهذه هي المرة الأولى التي يجري فيها فك شفرة نوايا الناس، أو تعمدهم القيام بفعل إجرامي ما، عبر أجهزة المسح الدماغي. وقد أوضحت هذه التقنية الجديدة أن الفئات القانونية التي تستخدم لسحب الاعترافات من المشتبه بهم تعكس نشاطًا حقيقيًّا يحدث في الدماغ.
نية الفعل الإجرامي
ويعتقد الباحثون أن هذا العمل يضع نقاشات قانونية حول المسؤولية الجنائية على أساس علمي أكثر ثباتًا، ولكن الضغوط هنا تتعلق بعدم إمكانية أخذ مثل هذه القرارات من قبل المحاكم. فالعلماء يمكنهم فقط فك شفرة نوايا الناس عندما يرتكبون جرائم وهمية زائفة في الوقت الذي يجري فيه تصوير الدماغ.
وأشار الباحثون في ورقتهم البحثية التي نشرت في دورية الأكاديمية الوطنية للعلوم، أنه في معظم الحالات، عندما يقوم شخص ما بارتكاب جريمة ما، فإنه لا يفعلها خلال وجوده داخل الماسح الضوئي. ومن المعروف أن العقوبة التي يتلقاها مجرم ما يمكن أن تتأثر بوجود نية عميقة مسبقة خلال قيامه بهذه الجريمة. على سبيل المثال، إذا قام شخص بقتل عائلته عبر تعمد الاصطدام بهم بسيارته، فإن العقوبة التي سيتلقاها هذا الشخص تختلف كثيرًا، وستكون أكثر قسوة بوضوح عما إذا تسبب شخص في مقتل أسرته نتيجة القيادة الخطرة.
ولكن، في حين أن القضاة وهيئة المحلفين يحتاجون أن يقرروا ما إذا كان الشخص قصد وتعمد كسر القانون أم لا، فإنه لم يكن واضحًا ما إذا كانت الفروق القانونية المتعلقة بارتكاب الجريمة عن علم، مقابل القيام بذلك من خلال سلوك متهور، هي انعكاس حقيقي لكيفية عمل الدماغ.
وقال ريد مونتاجو، عالم الأعصاب الحسابية في معهد كاريليون فرجينيا للتكنولوجيا، والذي قاد فريق الباحثين في هذه الدراسة، إنه بخلاف التسبب في قتل شخص ما، فإنه لا يستطيع أن يفكر في شيء أكثر أهمية من الفئات القانونية للجرائم التي يمكن لها أن تحرمك من حريتك.
وفحص الباحثون أدمغة 40 شخصًا خلال مشاركتهم في مهام على الحاسوب، والتي تقدم لهم في النهاية مكافآت لحملهم الحقائب عبر الحدود. في بعض الأحيان، كان معروفًا لهم أن الحقيبة التي يحملونها لنقلها عبر الحدود تحتوي على المخدرات، ولكن في حالات أخرى كان الأمر أقل وضوحًا. وقام العلماء بتنويع الخطر الذي من شأنه أن يجده المهرب أمامه خلال مروره غبر نقاط الجمارك.
وعين الباحثون بعد ذلك جهاز كمبيوتر للعمل على صور الدماغ التي يجري أخذها للمشاركين خلال قيامهم بأداء هذه المهام. وباستخدام تقنية الذكاء الاصطناعي -تسمى آلة التعلم (machine learning)- وجد الباحثون أن بإمكانهم تحديد -مع دقة عالية- أولئك الأشخاص الذين كسروا القانون بعلم مسبق، ومع سبق الإصرار، وبين أولئك الذين قاموا بكسر القانون ببساطة عن طريق أخذ المخاطرة فقط لا غير.
نقطة انطلاق
وقال مونتيجو: «أنت لن تقوم بفعل تجربة على شخص متهم بشيء، وإعادة بناء الحالة النفسية التي كان عليها في أغسطس (آب) الماضي -وقت وقوع الجريمة- لتقرر ما إذا كان مجرد شخص متعور، أم أنه فعل جريمته بكامل إرادته وبعلمه الكامل بالعواقب». وأضاف لكن هذه النتائج التي توصلوا إليها تعد بمثابة نقطة انطلاق جيدة لأخذ هذه الأمور بجدية، ومحاولة الإجابة عن السؤال المتعلق بـ«إلى أي حد تبدو هذه الحدود معقولة وقابلة للتطبيق العملي؟».
ويريد العلماء أن يروا عمليات مسح مماثلة لمئات -إن لم يكن الآلاف- من الناس قبل استخلاص أي استنتاجات قوية. ومع المزيد من صور مسح الدماغ من الناس الذين يقومون بارتكاب جرائم وهمية، ينبغي أن يكون من الممكن العمل عليها لاكتشاف المناطق المشتركة من الدماغ التي تتداخل في تحديد النية المسبقة، وكيف تبدو الاختلافات مع تقدم عملية كسر القانون التي يرتكبونها، ومدى تأثير الأدوية والمخدرات التي يمكن أن يتناولها هؤلاء، والاضطرابات النفسية، وأنماط تغيير نشاط الدماغ.
وفي الورقة البحثية التي نشروها، وصف العلماء كيف أن التجارب المستقبلية يمكن أن تختبر ما إذا كانت الحالة النفسية لشخص ما عندما قام بارتكاب الجريمة سابقًا، يمكن أن يعاد تخليقها في دماغ الفاعل من خلال إعادة مشاهد مسرح الجريمة أمام عينيه.
وقالت ليزا كلايدون من الجامعة المفتوحة بالولايات المتحدة، إنه ما لم تكن قادرًا على الحصول على تقييم من قبل الرنين المغناطيسي الوظيفي (fMRI) على الحالة النفسية للمتهم في لحظة وقوع الجريمة، فإنه من غير المحتمل أن تكون هذه العملية برمتها مفيدة في تقييم مدى لوم متهم ما على جريمته. وبعبارة أخرى، فإنه طالما لا يمكننا الوصول لدماغ المجرم وقت ارتكابه الجريمة، فإن أي استنتاجات لاحقة -حتى لو قمنا بإعادة تخليق مشهد الجريمة- لن تكون مفيدة، أو ذات قيمة.
لكنها قالت إن هذا البحث أثار أسئلة مثيرة للاهتمام حول كيفية تصنيف المسؤولية الجنائية. فإذا جرى استنساخ نفس هذه النتائج في أبحاث أخرى مستقبلية، فإنه يمكن لعمليات المسح هذه أن تساعدنا على فهم كيف أن الفئات الإجرامية يمكن أن تعادل مستويات مختلفة من المسؤولية الجنائية.
ودعا بول كاتلي، أيضًا هو باحث في الجامعة المفتوحة، هذه النتائج بأنها «رائعة»، لكنه أضاف أنه على الرغم من أن نتائج هذه الدراسة تدعم التصنيفات في القانون، فإنها لم توضح كيف يمكن أن تؤثر الحالات الدماغية المختلفة في سلوك الناس. وأضاف: «فكرة أنه في المستقبل يمكن للمرء أن ينظر إلى الوراء، ويبحث عن نية شخص ما في وقت جريمة، تبدو طريقًا طويلة وشاقة وبحاجة لمزيد من الجهد من قبل العلماء والباحثين».
"ساسة"