خطوات التنور في عصر الظلمة الأصولية بوقفة مع الذات بشفافية
صاحبة الجلالة _ رشا الصالح
ليست وليدة اللحظة ، بل عمرها يعود إلى ألف عام تقريبا .هي الظلمة الأصولية التي عاشتها الشعوب وخاصة العربية منها ، والتي تجلت بصورة أكثر وضوحا في العصر الراهن ، بغوغائيتها وظلمتها وشعاراتها الواهية التي ترفع من خلالها عناوين فضاءاتها الفاشلة من اجل تعتيم الصورة أمام المشهد والإدراك العقلي والبصري، خاسرة منهزمة بكل مفاصلها و أدواتها التي تقاتل بها وتحديدا في ظل التسارع الهائل للتطور التكنولوجي والتقني والمعرفي الذي يشهده العالم الحالي ، والذي سرع بدوره تجسيد حقيقتها حيث أنها تقف عاجزة أمام زمن مفتوح النوافذ والصلات مع أفق الكون بأسره ، بثقافاته ومعطياته التاريخية والسياسية واستراتيجياته ورؤاه الذي تطوقه هبوب رياح الثقافات الأخرى على حدودها الوهمية التي صنعتها لنفسها عبر عقود مضت ، فيختلط حابلها بنابلها ، حيث الوقوف لبرهة صمت أمام كل نسائم الألوان القادمة إلى محيطها ، فلم يعد هناك مجال للون واحد يسود الأجواء ، فهي الآن كما الجميع امام مشهد الهبوب الثقافي الذي يضع الإحداثيات والمعالم ويطرح الأسئلة على طاولة المفارقة التميزية وربما قد تكون التصحيحية لنهجها وخطاها ، الأمر الذي يجعل هذه الحركات الأصولية محط مفترق طرق مقفلة، وخيارين واضحين يحددان للوسط المحيط معالم الرؤية ، ويحرضها على الاختيار بين حلين لا ثالث لهما :
إما ان تختار هذه الأصولية وتوجهاتها الموت والتلاشي في محيط الثقافات الأخرى والانصهار في تياراتها ،منسجمة مع بحرها متماهية مع محيط الكل ،بحيث تذوب به بحيث لا تعود أبدا بتطرفها حجرا عابثا أمام التيار الكلي وتدفقه الانسيابي المتعدد الوجهات أو الاتجاهات
أو عليها الوقوف وقفة جريئة وإعادة أدلجة أناها المتمردة الظلامية لتكتشف ذاتها من جديد ، مقدمة أطروحة جديدة لهويتها الجديدة المنبثقة من موتها السابق إلى ولادتها في ملكوت التنور الروحي والعقلي للبشرية وللفئات الاجتماعية التي تحكمها وهنا يكمن السر بتحول النقيض من ظلام إلى نور ومن الهدم الى التعمير ، من القتل إلى الإحياء .
فالوقفة هذه مع الذات جدا مهمة وجدا ضرورية بتبنيها أسلوب الحوار الذاتي والروحي لخواصها وذلك لكونه عنصر مهم في رحلة عودتها إلى اكتشاف ذاتها ،من خلال تحديد جذور المشكلات التي تعاني منها في طريقة طرح نفسها كحركة فكرية واجتماعية وثقافية ، والبحث عن خيارات وسبل الخلاص لتوجهات معرفتها وإيجاد الممر والسبيل الأنجع لارتقائها ، وخاصة أن هذه الحركات الأصولية وعلى وجه التحديد في المجتمعات النامية غارقة في عشائريتها وطائفيتها الموغلة في تضخمها ظلاما ، والعمل على تقديم الحلول المعتمدة على استنباط أفكار وقلوب وعقول أفرادها التنويرية ،وذلك بعد بذل الجهود الحثيثة على كافة الصعد سواء الاجتماعية أو الثقافية او الاقتصادية او الإنسانية المتلائمة مع الواقع الجديد بكافة جوانبه ومجالاته وخاصة هنا الجانب السياسي الاقتصادي ، حيث ان المجتمعات وخاصة العربية مازالت أفكارها وعلاقاتها الارتباطية فيما بينها علاقات شللية عشائرية تمارس ضغوطاتها على أفرادها و على بنيانهم الاجتماعي ،الذي تتخذ من الجانب السياسي لنزعتها عنصرا محركا لضغطها و أصوليتها ، فتعزف هذه الأصوليات على أوتار التنازع والتفرقة والعنصرية والعمل على بث روح التناحر بين روابط أفرادها سواء على المستوى الأفقي الشعوري أو العامودي السلطوي من تبعية وحرمان حيثما تركز قوتها على فئة محددة دون غيرها وفئات أخرى تدخلها بلعبة الانتهاء وتضورها جوعها المادي والثقافي والسلطوي .
بحيث إذا ما نظرنا للوحة المجسدة للمشهد بانوراميا سنجد أن الشعوب العربية تعاني من فوبيا قهرية أصولية متأصلة دموية بين تلافيف أدمغتها التي عكستها أصولية الفكر على يومياتها وحياتها والتي ترجمت بشرائعها وقوانينها التظلمية ، لينفى بذلك عملية بناء نظام اجتماعي عادل ينظم العلاقة بين المجتمعات وأفرادها ، فيزداد الشرخ وتكبر الفجوة ، حيث تكاد الإعاقة واضحة والتعريف للعنوان يوحي بنفسه ،
نموذج قهري لدول قاهرة مقهورة في كينونتها و أدائها وبشائرها وشرائعها وتطورها وتناميها ، الأمر الذي يستعدي حلا جذريا لشكل هذا التعتيم الأصولي الاجتماعي ، ليعاد عملية البناء الإيديولوجي لمفاصل الدولة القائدة لهذه المجتمعات ،من دولة ارستقراطية أصولية إلى دولة المواطن و الإنسان والقانون ،
والجانب الآخر الواجب في النظر إليه في التعامل مع هذه الظاهرة ، هو الجانب الثقافي حيث ان يتسم في ظل هذه المناحي الأصولية المناخ في التعامل بانغلاقه على نفسه والذي يعيد تكرار حالة مرارا ومرارا بذات البوتقة من مائتي عام تقريبا .
حيث ما زالت الحاضنات الثقافية في هذه الدول العربية مرهونة تابعة لأساس الخطاب الديني والانتماء الطائفي والإفتائي المعتمد على جماعات قليلة لها صبغتها وسمتها الثقافية المحددة ، الأمر الذي يجعل فتيل اشتعال الحروب الطائفية والدينية أكثر استعارا وتوهجا في هذه الدول الأصولية حتى بثقافتها ، الأمر الذي يزيد الانغلاق والتعصب والكراهية والحقد بين أفراد مجتمعها ،طالما أن عباءتها الثقافية هي دينية بحتة ، والدين هو الغطاء الذي تنام تحته هذه الأوجه الأصولية والتي تزعزع بنيان الفرد والمجتمع ، والتي تقوم على مبدأ أن الآخر هو العدو ، لا يقبل أخطائه ولا صوابه ، فهي هذه الحركات الأصولية تعتقد ذاتها أنها في حالة كمال ذاتي ، حتى في ثقافتها القائمة على التعصب والنكران أصلا والمدعومة من حكومات دولها لأفراد مجتمعها وشؤونهم وحياتهم وتاريخهم .
الأمر الذي يجعل الجميع في هذه الدول أفرادا وحكومات وعقول ومثقفين ، أمام مهمة ملحة في بناء صيرورة الدولة الحاكمة الجديدة نابذة أصوليتها ناقلة إياها إلى الحالة الوسطية السوية في التعامل والنمو والتنامي، وذلك من خلال التالي:
1-فصل ثقافة الأفراد والدولة عن الحاضنات الدينية و تحريرها من سيطرة واحتكار الأنظمة بوسائل الإعلام خاصة وطريقة تعاطيه الثقافي والفكري مع البيئة بمفرداتها الاجتماعية والاقتصادية والثقافية .
2-التركيز على مهمة التنوير الفكري والعقلي والاجتماعي وتحويل منابر الدين من منابر إفتائية إلى منابر تنويرية تعيد للفرد والدولة أوج حضارتها وتطورها و
إضافة إلى أن المجتمعات الشرقية بعمومها وخاصة العربية عانت من الأدلجة الأصولية كثيرا وكان آخر شكل لها هو الشكل المسلح الذي يشهد تناحرا دمويا كبيرا بين أفرادها ويغيب معالم الحياة ويسطو بسطوة الاندثار والظلام فكريا وجسديا .
إضافة إلى العبء الكبير الذي يولى على أفرادها وخاصة المثقفين الذي مازالوا يتغنون بأمجادهم الحضارية والثقافية الغابرة والذين يعانون الآن شللا فكريا أشبه بالتام حتى ان أبحاثهم ومراجعهم ودراساتهم وتعلمهم منهله الغرب فهو قائدهم وقدوتهم حتى يبدو ان الجميع يدور في دوامة الانبهار والشعور بالدونية حيال ارث التطور الثقافي والفكري لدى الغرب .
الأمر الذي يتطلب من الجميع أن يقفوا و ذواتهم وقفة حقة، يكون الحوار الذاتي الشفاف أساسه، انطلاقا من الفرد وصولا إلى المؤسسات إلى الحكومات ،لطرح القضية بجدية تنتزع سمة الأصولية من معالمها القادمة وتعنون هويتها الثقافية الجديدة وفتح بوابات العبور من ظلمتها و أصوليتها إلى تنورها وانفتاحها وتمازجها ومجاراتها لحضارات أخرى متوازنة وسطية تعيد عصورها الذهبية وتلغي تعنتها ، بدلا من نواحها على الأطلال لمجد هارب منها ومن نفسها .