الاشتباك الاقليمي والدولي في سورية وصل إلى عنق الزجاجة
لم يعد خافياً على المهتمين بالحرب الدائرة في سورية والمعلنة عليها من دول تجاهر بوقوفها خلفها وأدوات وقوى تعلن جهاراً بأنها أدوات تنفيذها وتبحث عن دور لها في مستقبل سورية تحت قوة السلاح بغطاء سياسي يوفره لها داعموها وممولوها ومشغلوها حتى وصلت الأمور إلى خط اللاعودة لتلك القوى والدول الداعمة لهذه الأدوات ..
فتدخلت بشكل مباشر في المعارك استكمالاً لمشروع تدمير سورية ودفعت بقواتها لاحتلال جزء من أراضيها والدفع بالأحداث باتجاه التقسيم الجغرافي أو التفكيك الديمغرافي لوحدتها وبنيتها كما هو الحال لما قامت وتقوم به تركيا في الشمال السوري. وما قامت وتقوم به "إسرائيل" في الجنوب في ريفي درعا والقنيطرة، وهكذا ناب الأصيل عن الوكيل في هذه الحرب الظالمة على سورية.
ناهيك عن الدعم والإمداد السعودي القطري بالمال والسلاح والمرتزقة الذي لم يتوقف لحظة واحدة على الرغم من القرارات الدولية التي طالبت بالتوقف عن دعم الإرهاب ومكافحته وتجفيف منابعه ومحاربة قواه وكشف خلاياه بهدف توفير المناخ الملائم للتوصل إلى حل سياسي أجمعت عليه وأكدته القرارات الدولية العديدة الصادرة عن مجلس الأمن الدولي وبخاصة القرارين /2253/ و/2254/ وأصبحت هذه القرارات وثائق ملزمة يُبنى عليها، ولكن أثرها على الأرض لم يَتعدَ أثر تحبيرها على الورق على الرغم مما شهدناه منذ انطلاقة مؤتمر جنيف1 وصولاً إلى أستانا1 وأستانا2 ومؤخراً في جنيف4 والمخاض الذي تعرضت له هذه الجولة حتى تم الإعلان عن التوافق على إدراج موضوع الإرهاب كَسَلَة من سلال جدول أعمال اللقاءات والاجتماعات اللاحقة.
لا أحد ينكر بأن الجهد الروسي الإيراني الصادق والتركي المشكوك فيه قد أثمر بالتوصل إلى قرار وقف الأعمال القتالية بتاريخ 30 كانون الأول 2016 الذي مَهَد لانطلاق مفاوضات أستانا1 وما أسفر عنها من إنشاء مجموعة ثلاثية مشتركة في سورية لدعم وقف إطلاق النار وعمليات التبادل، وأعقبتها مفاوضات أستانا2 التي كانت نتائجها باهتة، باستثناء الحضور المميز للوفد الحكومي السوري حيث بدأت الألغام السياسية التركية بالانفجار وسارع أردوغان إلى زيارة دول الخليج (الفارسي)الداعمة للإرهاب في خطوة من شأنها الالتفاف على الاتفاق الثلاثي ثم إجهاض المسعى الدولي الذي ترعاه روسيا لخلق فرصة حل حقيقي في سورية ،وارتفعت حدة تصريحات المسؤولين الأتراك بهدف تأزيم العلاقة مع إيران في ملاقاة واضحة لما يتردد عن توجه أميركي بدأ يعمل بحسب ما أوردته صحيفة «ستريت جورنال الأميركية» على تشكيل حلف عربي صهيوني في وجه إيران بشكل خاص وحلف المقاومة بشكل عام، وبكل تأكيد فإن تركيا بقيادة أردوغان لن تُفوَت هذه الفرصة عليها وبخاصة أنها توفر لها إحياء أحلامها العثمانية القديمة والأردوغانية الحديثة. وربما كان منها سلب ألوية جديدة من الأراضي السورية تضاف إلى لواء إسكندرون السليب.
هذا ما يتعلق بالدور التركي وأما ما يتعلق بالتنظيمات والفصائل الإرهابية فقد بدأت بسلسلة من المعارك والفرز بين مؤيد لوقف الأعمال القتالية والمضي في العملية السياسية ومعارض لهذا التوجه يعمل على إفشاله، وفتح تنظيم داعش الإرهابي معارك جديدة في الجنوب السوري مع الفصائل الإرهابية المسلحة الأخرى التي وافق بعضها على مسار أستانا. كما تجددت في هذه المرحلة بعد فوز دونالد ترامب بالانتخابات الرئاسية الأميركية وارتفعت الأصوات الأميركية والتركية لتنفيذ مشروع المناطق الآمنة.
وفي الشمال السوري أخذت خريطة الاشتباك بالتغير وبدأت تتبلور معطيات جديدة على الأرض حيث كانت تركيا تعمل وما زالت على تحييد الجيش العربي السوري عن معركة تحرير الرقة القادمة وعلى إقناع أميركا بعدم تقديم الدعم لقوات سورية الديمقراطية بحجة وجود قوات حماية الشعب الكردية ضمنها وتحاول إقناع أميركا بالموافقة على مشاركة قوات درع الفرات في هذه المعركة بعد أن تمكنت من دخول مدينة الباب والسيطرة عليها بمشاركة الجيش التركي.
في ظل هذا المشهد عُقدت اجتماعات جنيف4 حيث أخفق المبعوث الدولي «ستيفان دي ميستورا» في تحقيق تمثيل جميع منصات المعارضة على أساس المساواة في وفد واحد يمثل المعارضة وتماهى بشكل فاضح مع الموقف السعودي والقطري والتركي وانصاع لما أقرته الهيئة العليا للمفاوضات في تشكيل وفدها ونجاحها إلى حد ما باحتكار تمثيل المعارضة. لكنه نجح في إقصاء المعارضة الداخلية المتمثلة بمنصة ما يعرف بوفد حميميم وكذلك الأكراد أيضاً. وبالتوازي بدأت القوى المتآمرة على سورية بالضغط السياسي على القيادة السورية حيث اتهمت منظمة حظر الأسلحة الكيماوية الجيش باستخدام غاز الكلور عدة مرات خلال عامي 2014-2015 ليأتي بعد ذلك ما أعلنه وزير الخارجية الأميركية عن اشتراط أميركي للتعاون مع روسيا في مكافحة الإرهاب بأن تمتنع روسيا عن اعتبار جميع الجماعات المسلحة إرهابية في سورية، مضافاً إليه مطالبة أميركا وتركيا بخروج إيران وحزب اللـه منها، كل ذلك لكبح انتصارات الجيش السوري على قوى الإرهاب ثم إفشال الجهود السياسية بالتوصل إلى حل سلمي يُنهي المأساة السورية.
لاشك في أن الواقع الحالي للاشتباك الإقليمي والدولي في سورية متشابك ومعقَد ووصل إلى عنق الزجاجة وهو ينذر بصيف ساخن داخلياً وإقليمياً، وأصبحت الحاجة ملحة لوجود منصة حوار سوري سوري داخل سورية يشارك فيه أطياف المجتمع السوري كافة بما فيها الفصائل التي وقَعت على اتفاق وقف الأعمال القتالية والتوسع في إجراء المصالحات الوطنية وخاصة أن انتصارات الجيش العربي السوري الأخيرة المتمثلة بتحرير مدينة تدمر واستعادة حقول النفط والغاز شرق حمص ووصول طلائعه إلى مدينة منبج يساهم في نجاح هذه المنصة بحيث تكون مخرجات القرار الدولي /2254/ بأيدٍ وطنية سورية وبما يترك معارضات الخارج في أروقة الفنادق التي يقيمون فيها، لأن مشاركة هؤلاء في صياغة مستقبل سورية يُغضب الشهداء في مضاجعهم، هؤلاء الشهداء الذين كانت دماؤهم وأرواحهم فداءً للمحافظة عليها ولتكون دولة علمانية ديمقراطية موحدة.