في حادثةٍ قاسية ومأساوية شهدتها مدينة حلب، يوم الخميس، توفيت الطفلة (ماسة حسام ناصر)، البالغة من العمر أربع سنوات، نتيجة ما وصفه أهلها بـ “الإهمال والاستهتار الشديد من قبل مسؤولي وموظفي مدرسة “المرح الخاصة”، حيث دهست الطفلة بالباص الخاص بنقلها للمنزل، بسبب “استعجال السائق من جهة وعدم اكتراث المشرفة على الأطفال من جهة أخرى”.
وتعرَّض أهالي الطفلة المفجوعون على فراق ابنتهم للصدمة تلو الأخرى من قبل إدارة المدرسة أولاً والكادر الطبي لمشفى الرجاء الخاص ثانياً، لتحاول كافة الأطراف النأي بنفسها أو استغلال فاجعة الأهل دون اكتراث لأي مشاعر أخلاقية أو احترام لحزن الأهل.
تفاصيل الحادثة على لسان أب الطفلة وأختها التي كانت تمسك يدها
في تفاصيل الحادثة المؤلمة، التي رواها أب الطفلة وأختها الصغيرة التي كانت معها، فإن “الباص الذي ينقل الطفلة وأختها للمنزل يومياً قام بدهسها نتيجة استعجاله وانطلاقه مباشرةً بدون التأكد من وصول الطفلتين للرصيف”.
وبين الأب أن “المشرفة على الباص من المفترض أن تقوم بتأمين الطفلتين لباب البناء أو على الأقل للرصيف، إلا أنها لم تقم بأهم واجب من واجباتها، وبقيت في الباص لتخرج ابنتاي منه وحدهما”.
وأضاف: “ابنتي الكبرى كانت تمسك يد أختها عندما خرجتا من الباص، وأثناء صعودهما الرصيف، من الجهة الأمامية للباص، كان السائق تحرك بسرعة باتجاههما، ما أدى لضرب ابنتي الصغرى، ووقوعها تحت الباص الذي توقف مع صراخ ابنتي الكبرى”.
وتابع: “قام الباص نفسه بنقل ابنتي إلى مشفى الرجاء، لتسرع ابنتي الكبرى إلى محلي الواقع بالقرب من المنزل وهي تبكي وتخبرني أن أختها دهسها الباص”.
“ضحك عاللحى” وعدم مراعاة للمشاعر داخل المشفى
استمر مسلسل الإهمال وعدم مراعاة شعور أهل الطفلة داخل مشفى الرجاء الخاص، حيث قال أب الطفلة: “أولاً تأخر الطبيب المسؤول عن الحضور بسبب أمر ما، تلاه إخبارنا بأن الطفلة تحتاج لصورة رنين مغناطيسي، ويجب الانتظار لحين “تحماية الجهاز”!”.
وأردف الأب: “كل هذا ولم أرَ طفلتي حتى لحظتها، وكنا نعلم أنها توفيت بحسب ما وصفته أختها بأن وجهها تحطم، إلا أن الأطباء فجأة ادعوا بعد كل الحديث السابق أنها داخل غرفة الإنعاش”.
وأكد الأب أن “زيف الحقيقة من الأطباء كشفته جدة الطفلة، التي قامت بالدخول للغرفة الموجودة بها طفلتي عنوةً، لتراها متوفاة على سرير عادي، وليست بأي غرفة انعاش، في الوقت الذي يدَّعي الأطباء أنها في غرفة الإنعاش، فقط للحصول على بعض المال”.
وأشار الأب إلى أن “مشاحنة شديدة في الحقيقة حصلت بيننا وبين الأطباء، حول سبب عدم إخبارنا بأن الطفلة توفيت، وادعاء إدخالها إلى غرفة الإنعاش”.
المشفى يرد بـ “45 دقيقة” طبية وتحضير نفسي
بدوره تحدث مدير مشفى الفيحاء الخاص الدكتور إميل كتي حول الحادثة بالقول: :بدايةً نحن نقدم كافة تعازينا لأهل الطفلة، ونحن نراعي ما يمرون به، وبالنتيجة نراعي حالة التوتر والحزن الذي من شأنه أن يسبب ردود أفعال مختلفة انفعالية”.
وأوضح كتي أن “ما تحدَّث عنه أهل الطفلة هو سوء فهم للوضع الذي كان موجوداً، فطبياً واسعافياً هناك مدة 35 – 45 دقيقة يجب وضع المصاب فيها بالإنعاش، وهذا ما حدث”.
وأضاف الدكتور كتي: “لا يمكن طبياً إعلان الوفاة من دقيقة دخول الطلفة للمشفى، بل يجب إجراء كافة الإسعافات اللازمة أولاً، وقمنا بتصوير الطفلة وإدخالها إلى غرفة الإنعاش وحاول كافة الأطباء الاختصاصيين إنقاذها قبل إعلان الوفاة”.
وتابع: “سوء الفهم الذي حصل مع العائلة هو أنهم اعتقدوا بأننا نخفي خبر الوفاة عنهم، لكن حقيقةً، كانت محاولات الإنعاش مستمرة، واستمرت لحوالي 45 دقيقة انتهت بالوفاة”.
وأردف: “الأمر الثاني الذي أحدث سوء الفهم هو التجهيز النفسي للأهل من أجل إخبارهم بوفاة طفلتهم، الأمر الذي اعتقدوا أنه إخفاء للحقيقة ووجود لمشكلة، وكنا نحاول إخبارهم بشكل تدريجي”.
وأشار كتي إلى أن “إدارة المشفى تراعي الفاجعة التي تعرَّض لها الأهل، ونتقبل بكل رحابة صدر الردود الانفعالية التي حصلت، حتى أن أحد موظفينا تعرَّض للضرب من قبل أحد أفراد العائلة، ونسينا الأمر فوراً بعد اعتذارهم”.
وأكد الكتي في نهاية حديثه أن “التقرير الطبي لحالة الفتاة أشار لوجود رضوض شديدة في البطن والصدر، بسبب حادث سير، نتج عنه نزيف داخلي أدى لوفاتها”.
ونفى الدكتور بذلك ما يتم تداوله من بعض الجهات حول “وجود قسور في القلب لدى الطفلة أدى لوفاتها بدون وجود أي حادثة سير”، لافتاً إلى أن “سائق الباص الذي صدمها هو من أسعفها وقمنا بأخذ صورة عن هويته”.
“إهمال مؤسف” أم “قضاء وقدر”؟
وأمام الفاجعة الكبيرة التي تعرَّض لها أهل الطفلة، كان تسليمهم لقضاء الله وقدره واضحاً، إلا أن الإهمال الذي كلف حياة طفلتهم لم يُنسَ لديهم، ومن المُنطَلق السابق كان للأب قوله: “أنا أعلم أني خسرت أصغر بنت من بناتي، وأعلم أنه قضاء وقدر، لكن المسبب يجب أن يُحَاسب”.
وبصوت مبحوح تابع: “هي مجرد طفلة، مسؤول عنها المشرفة الموجودة في الباص، ولا يمكنني تخيُّل درجة الإهمال التي وصلت لتجعل طفلتين صغيرتين تمشيان وحدهما في الشارع، علماً أنها تأخذ راتبها لأجل هذا الأمر بالذات، حماية الأطفال وإيصالهم سالمين”.
وأضاف: “الأمر ذاته بالنسبة لسائق الباص، لنقل عشر دقائق أو ربع ساعة أو حتى نصف ساعة تأخر على عمل لديه، كلفته حياة طفلة.. حياة كاملة خطفت بسبب استعجال أعمى عينيه وجعله “يشلف ويمشي”، و”كسلنة” مشرفة “خايفة يروح محلها” لم تتحرك لأداء مهتمها”.
وأنهى الأب المفجوع حديثه قائلاً: “هو ابتلاء حلَّ بنا، إلا أنه لا يجب السكوت عن الاهمال الموجود، ابنتي لن تعود.. لكن هناك المئات من الأطفال الآخرين الذين من الممكن أن يكونوا ضحية نفس الاستهتار، لذا وجب تسليط الضوء على الحادثة، علّها تعيد الحذر وحس المسؤولية للأشخاص الذين يأخذون رواتبهم لمهمة وحيدة فقط.. الاهتمام بأطفالنا”.