الانعكاسات الاجتماعية للأزمة المعقدة
صاحبة الجلالة – د. سنان علي ديب مهما كانت الآثار الاقتصادية للأزمة المعقدة أو الحرب الظالمة على سورية من صعوبة فإن الآثار الاجتماعية لا تقل وأكثر قسوة وهي تهيء لأزمات متكررة إن لم نستطيع احتواءها وعلاج أغلبها. فكلنا يعلم أن الآثار الاجتماعية تصيب الإنسان والذي هو أداة أي تنمية و الغاية النهائية لها وقد كان اللعب على بنية الإنسان وأهواءه و غرائزه من ضمن الأمور التي لعب الغرب بها ليجعلها مدخلاً للقذارة اللا إنسانية التي عمل بها ليستمر في السيطرة عبر تدمير البلدان و استمرارية تبعيتها له و كيف يمكننا أن نجعل الإنسان مدخلاً أكيد عبر تفريغه من قيمه ومبادىء و جعله محطماً يائساً وعبر اللعب الغرائزي من الاستهلاكي للاباحي وكل ذلك لفقد الجمع الهوية الجامعة وهي أس ما سمي العوملة المهيئة للحروب المشتتة المقسمة القادمة. فرغماً من الدمار الذي أصاب مختلف القطاعات الاقتصادية من أراضي زراعية لحرف وصناعات و سياحة و خدمات وبنيان سكني صحي خدمي و جسور و طرقات و شبكات كهربائية بما قدر بحوالي 350 مليار دولار فإن الكلفة الاجتماعية لم تكن أقل و قد تكون أضعاف فما نجم عن هذه الحرب القذرة ستظل مفاعيله لعقود و عقود عبر لواحق الألم و الفقدان أو عبر ثقافات وافدة غريبة عن مجتمعنا أو عبر تهجير لا يملك شروط الاستقرار. فمن خلال هذه الحرب القذرة التي استخدمت بها كافة أنواع الأسلحة النارية و الإعلامية و التضليلية فقد مئات الآلاف من شباب الوطن, الشباب الذي صرفت البلد مليارات لإنشائهم وتأهيلهم وما يصاحب هذا الفقدان من انعكاسات أسرية لاحقة مضاف إلى ما بذل لما وصلوا له من تشتيت للأسرى و قهر وألم و حزن و يتم و حالات أسرية مشتتة وكذلك هجرة ملايين من البشر إلى دول مجاورة ودول استثمرتهم ليكونوا طاقة بناء لاقتصادها لشخصيات كلفوا مليارات الدولارات و ليكونوا أساس نمو اقتصادهم و ليكون الهرم السكاني في فجوة كبيرة فيما يخص سني ما بين 18 _ 42 سنة و خاصة فيما يخص الذكور و هذا سيجعل فجوة كبيرة في السنوات اللاحقة و كذلك سيزيد من حالات العنوسة لتفوق عدد النساء على الرجال , وكذلك حالات عدم الاستقرار و اليأس لتغيير ظروف الحياة على النازحين و اللاجئين و صعوبة الاستقرار ليظلوا مشتتي الأفكار و العواطف و السلوك. وكذلك ما نجم عن هذه الأزمة من مئات آلاف المعاقين جسدياً بإصابات مختلفة بين بتر أطراف سفلية أو علوية أو شلل كامل دفاعاً عن الوطن وما ينجم عنها من حالات نفسية صعبة تنعكس على أسرهم و على المجتمع وهؤلاء بحاجة لعلاجات آنية و مستقبلية كبيرة ومميزة لإدماجهم بالمجتمع وما يحتاج الأمر لتكاليف و لوجود متخصصين بهكذا مجالات طبية وكذلك الإعاقات النفسية التي أصابت معظم المجتمع نتيجة هول المصابات و صور العنف وولوج ثقافات و سلوكيات لا إنسانية تفوقت على سلوك البرابرة و المغول وغيرهم انعكست على الحياة الاجتماعية و أعطت ثقافة جديدة صبغ المجتمع به وخاصة الأطفال مجتمع العنف بدلاًً من التسامح و المحبة و الألفة و المودة و هذا بحاجة لمعالجات متخصصة في مؤسسات التنشئة المختلفة التعليمية و الاعلامية و الدينية. هذه المؤسسات التي عانت من خلل قبل الأزمة في الدور الوظيفي ساهم في تخلخلات أدت لسهولة الاختراق و بالتالي بحاجة لإصلاحات كبيرة عبر السير ببرنامج تضعه هيئة عليا لتشخيص البرامج و الخوض بأسبابها ووضع البرامج المرحلية و الاستراتيجية للتصدي لها وفق برامج متكاملة تكون مهمتها الإشراف على التطبيق لمؤسسات التنشئة و للمراكز الثقافية و المؤسسات الرياضية وغيرها , و هذا بالتوازي مع إصلاحات ضرورية لكامل المؤسسات التعليمية و الإعلامية و الدينية وفق أدوات و مناهج وآليات قادرة على إعادة نشر الأخلاقيات و العادات الجامعة و الإحاطة بما سرب من ثقافات عابرة لا تنتمي لأصالتنا ولا لروحية الأديان وإنما هي اختراق لكل شيء جميل أدى لأزمة أخلاقية كبيرة أدت لتفوق الآنا على العمل الجمعي و على الخلاص الشخصي بدلاً من الجمعي وبدلاً من أن نسعى لتكريس جودة الخدمات التعليمية و الصحية لما عمل من صرف أفقي وعامودي تفوق على أغلب الدول الإقليمية أصبحنا نسعى لإصلاحات نعود بها إلى نقاط سابقة إصلاح يقوم على المراقبة و المتابعة و المحاسبة. المحصلة لكل ذلك العودة للانتماء الوطني بدلاً من التعصبات التي طفت و جعلت الكثير ينقاد بها و يكون ذلك بفرض القانون وفق مؤسسات قادرة على الضبط و تملك الصلاحيات و القوة و العقلانية لتنفيذ ذلك وصولاً لمواطنة عادلة للجميع ووصولاً لعلاج للأنانيات الشخصية لحالة وطنية أبعد ما يكون عن الآنى , وكذلك نجم عن هذه الكارثة عمالات للأطفال بأعداد كبيرة وكلنا يعلم ما ينجم عن انخراط هؤلاء بسوق غير منظم و غير مراقب من تنشآت وما تتعرض به نفسية الطفل لتشوهات تنعكس مستقبلاً على حياته وحياة البلد و كذلك التشرد و التسول , و كذلك تسرب مئات الآلاف من التعليم بعدما وصلنا لمراحل ذات تفوق في الإحاطة بالأمية و الولوج بالتعليم الإلزامي للجميع و السعي لفرضه بمراحل متقدمة , وكذلك تفشي ظاهرة الدعارة و ازديادها وسط انتشارين أفقي و عامودي ووسط محاولة بعض الجنسيات غير السورية من السعي جاهداً للانتقام من الجنسية السورية مرفوعة الرأس و الكرامة عبر هكذا ابتزازات حقيرة ساقطة و كذلك انتشار بيع صغيرات السن عبر زواجات شكلية و كذلك انتشار ظاهرة الأولاد الذين لم يوثقوا لزواجات سورية من غير السوريين أو الزواجات في مناطق لا تسيطر عليها الدولة وما ينجم عن ذلك من إشكالات وهنا نطالب بأن تستطيع المرأة السورية من منح الجنسية لأولادها ,وكذلك انتشار المخدرات بصفوف الشباب وأمراض اجتماعية جديدة المثلية الجنسية و عبدة الشيطان و بياعة الأعضاء البشرية و عصابات الخطف و التشليح , وكذلك فقدان وثائق الملكية لمناطق كثيرة يحاول الكثير من تجار الأزمة و تجار الوطن استثمار هذه الحالة للنهب و سرقة الأملاك وهنا لابد للدولة من تصرفات تحمي بها حقوق مواطنيها المهجرين أو الذين غادروا وخاصة في مناطق السكن العشوائي ونبارك ما قامت به الدولة من ضرورة موافقة أمنية لأي بيع وإن كان بحاجة لتقصير الوقت و هذا السلوك من أجل قطع الطريق على من ظن أن البلاد فوضى وحاول قنص ممتلكات ناس غادروا البلد ,وهذه الحالات من الفوضى و تجاوز القوانين وغيرها أدت لتفشي أنواع جديدة من الفساد في ظل صعوبة الإحاطة بها لضرورات إدارة الأزمة من تعفيش و سلبطة على الممتلكات وظهور تشكيلات تحمل سلاح وقد سعت الدولة لضبطهم عبر تشكيلات لم يؤتمل منها السلوك المنضبط بشكل تام وأكيد خرج الكثير منهم عن السلوك الحقيقي ولكن آن الآوان لوضع حدود لهم وسيكون فلا مستقبل جديد إلا في ظل أن يكون كل السلاح تحت سيطرة المؤسسة العسكرية و كذلك أي ميليشية أو تشكيل مسلح فالمؤسسة العسكرية هي وحدها القادرة على ضبط هكذا حالات في ظل العمل لفرض القانون و النظام لتهيئة الأجواء للانطلاقة الجديدة وفيما يخص طبقة مرتزقة جديدة نجمت عن الاستفادة من الدم و تجويع وسرقة الشعب فهذه سيكون الواقع السوري كفيل بتحييدها وكذلك القانون السوري. وكذلك تجار الأزمة وحيتان الفساد الذين حاولوا لوي ذراع الحكومة التي كانت ترى و تنتظر للتوقيت المناسب و كذلك فإن هذه الطبقة كانت استثناء عن حالات الفقر الذي وصل لحدود90 % على المجتمع السوري مما أدى لزوال الطبقة الوسطى وهي عما تطور أي مجتمع و تقدمه وتوازنه وإعادة الألق لها ضرورة للانطلاقة السليمة و لايتم ذلك غلا ببرامج اقتصادية تنموية تحسن معيشة المواطنين و تعيد الانطلاقة الاقتصادية و لا يتم ذلك إلا عبر تحسين سعر الصرف و ضبط الأسعار وعودة الحكومة لقيادة الحياة الاقتصادية عبر مؤسسات التدخل و عبر التسعير الإداري المتدحرج و الرقابة المستمرة , وكذلك تفشي أنواع من البطالة المقنعة نتيجة تدمير المعامل و الفعاليات الاقتصادية رغماً من عدم الظهور الحالة الكبيرة للبطالة بسبب عسكرة الشباب, الشباب السوري الذي هو عماد أي تطور و تقدم بمساعدة حكمة الشيوخ وقوة الرجال , الشباب السوري الذي كان تحت ضغط مؤامرة كبيرة لتحييده عن أي عمل وطني منتج ورغماً من انخراط الكثيرين منهم بالعمل الخيري التعاوني و التطوع الكبير ولكن لا بد من تأطيرات و تشكيلات دامجة وموحدة. و على الرغم من أهمية الحاجة للعمل الأهلي و المدني للتصدي للمهام المطلوبة إلا أن عبثاً و فساداً كبيراً اصاب هذه الجمعيات وأصبحت للظهور و السرقة و بعض الإساءات و هذا ما يقتضي أن يزيد الإشراف و الضبط عليها وأن تكون الخطط المرحلية و الوسطى و الاستراتيجية مركزية بشكل يوزع الأدوار وأن يكون العمل أساس التقييم و أن نبتعد عن التقييدات الروتينية المعرقلة, ورغماً من كل ذلك فالأمل كبير لأن العمق و الجذر التاريخي للعقل السوري بناء و متجدد في ظل توفر الظروف و هذا كفيل بالعودة لما كنا عليه و الانتقال السريع لما نصبو له ولكن عبر آليات وخطط تستند على الخطابا الوطني الجامع و عبر التواصل الذي فقد مكانه بسبب الظروف الأمنية أو التكاليف الزائدة بين المدن و عبر تكريس المؤسسات لتعويم و نشر ثقافات المحبة و التعاون و التسامح لنغلق الطرق على الاعلام المضلل و الأموال السوداء التي حاولت إثارة النعرات التعصبية و هو جديد وهنا نقول سورية لكل الوان المجتمع السوري و المواطنة تجمعنا ومن يفكر بالانعزال أو الانفصال فهو غير سوري و الحوار ضروري لعودة العقول و أي تفكير لأي كان بقضم أو التمرد على الدولة السورية الجامعة سيكون الرد الشعبي قوياً و عنيفاً, وأخيراً هكذا أعمال بحاجة لفريق عمل مراقب ,متابع , مقيم , و معالج و مجدد, ومهما كانت الانعكاسات الاجتماعية و الاقتصادية فتعاون السوريين وسط نبذ الأنانية الفردية لأنانية للوطن و البعد عن كل التخندقات اللااوطنية و تقوية دور المؤسسات و ممارسة العقاب و الثواب كفيل بالعودة القوية و السريعة سورية ولادة و بوطنيتها لم تنضب و لن تنضب , وأسلوب المصالحات و المسامحات التي يقوم بها العقلاء كفيلة بترميم الجراح و عودة اللحمة ولا يمكن أي حل إلا عبر الاحتواء, قد يكون هناك ثغرات ولكن عقلية إدارة الأزمة كانت كبيرة ما عدا بعض الثغرات الاقتصادية و التي قد تكون قرارات أزموية و عقلية الآن وما بعد الأزمة يجب أن تكون أكبر وأكثر استيعاب .