الحشائش غالية والدم رخيص

صاحبة الجلالة _ ابراهيم الضللي

"صاحبة الجلالة" تدخل دير الزور بعد عامين من الألم والمعاناة ونزيف الدم عاشتها (وماتزال) أحيائها التي يفرض عليها تنظيم داعش الإرهابي حصاراً خانقاً لايمنع من خلاله الغذاء والدواء فقط ،  بل يستهدف حياة المواطنين الآمنين بكل السبل والوسائل التي لاتمت للبشرية بصلة.

عامان تحمل خلالهما أبناء مدينة الفرات أقسى ظروف الجوع والحرمان ،  والطقس اللاهب صيفاً والقارس شتاءً ودفعوا فاتورة باهظة من دماء أبنائهم الذين تستهدفهم قذائف الحقد الغادرة بصورة يومية صباح مساء .

تنقسم أحياء مدينة دير الزور الى قسمين،  فأحياء الجورة والقصور والموظفين الواقعة في القسم الغربي ،  وحيي هرابش والطحطوح في القسم الشرقي تعيش في ظل الدولة السورية اما باقي أحياء المدينة وهي التي نزح عنها غالبية ان لم نقل جميع سكانها فهي خاضعة لسيطرة التنظيم الإرهابي .

ويقطن في الأحياء المحاصرة نحو 80 ألف نسمة يعانون ظروفاً معيشية وصحية قاسية للغاية  ، فالكهرباء مقطوعة منذ عامين وفي ظل غياب المشتقات النفطية بات  الحطب القليل المتوافر  والاثاث المنزلي والثياب القديمة وكل ماهو قابل للاشتعال من أقمشة ونايلون وبلاستيك هي مصادر الطاقة التي يتم استثمارها بالتدفئة وتحضير ماتيسر من طعام.

والماء يتم ضخها مرة كل اسبوعيا ولفترة محدودة من النهار3-4 ساعات لكل حي، ولا تصل الى جميع المناطق، مما يضطر الكثيرين لنقلها من اماكن اخرى.

وتشكل بضعة عربات وبسطات السوق بدير الزور الذي يفتقد للمواد الأساسية التي تتطلبها حياة المواطن ؛أي الغذائية والصحية ،وان وجد القليل منها فيكون بأسعار خيالية تفوق سعرها الحقيقي بعشرات الأضعاف ، وبمقدار يعجز الغالبية العظمى عن شرائها، خاصة وان جلهم من أصحاب الدخل المحدود (موظفين) او من الذين توقفت أعمالهم ومهنهم عن العمل نتيجة للحصار .

فهناك فقدان تام لجميع أنواع الخضار والفواكه ووحدها الحشائش حاضرة وبأسعار باهظة.

ويعتمد المواطنون في غذائهم على مايتم إسقاطه جواً من مواد مرسلة من منظمة الغذاء العالمي ويوزع عن طريق الهلال الأحمر وهي مواد لاتكفي حاجة الأسرة ، سواء من ناحية الكمية او النوع لكنها وللأمانة ساهمت بإنقاذ المدينة من مجاعة حقيقية .

أما الخبز فقد عانى أبناء ديرالزور في مراحل سابقة من نقص في كمياته،وكان المواطن يقضي ساعات طويلة، قد تمتد طوال الليل وبعض النهار على طابور الانتظار للحصول على عدد من الأرغفة ومنذ حوالي ثلاثة أشهر بدأت منظمة الهلال بتوزيع الخبز المنتج في ديرالزور مجانا وعبر منافذ أوجدتها لهذا الغرض لكن المشكلة لم تحل بصورة كاملة لان العائلة لاتحصل من الهلال الا على 7 أرغفة فقط مهما كان عدد أفرادها وهذه لاتكفي لوجبة  واحدة  ولابديل متوفر سوى خبز التنور الذي يصل سعر رغيفه الى 50 ليرة .

ويعاني الواقع الصحي من غياب تام لمعظم الاختصاصات الطبية وخاصة النوعية مثل العصبية والجراحة والعظمية وتفتقر المشافي والمراكز الصحية للكوادر بعد هجرة الغالبية العظمى من الأطباء والفنيين ، اما الدواء فهو متوافر الى حد ما في المراكز الصحية والمشافي، اما الصيدليات الخاصة فتعاني نقصاً حاداً في الأدوية وان توافر بعضها فبأسعار مرتفعة جداً خاصة التي لاتتوافر في المراكز الصحية .

ولاتتوافر في المدينة اية سيارة للإسعاف ويتم اسعاف الجرحى والمرضى بواسطة العربات او الدراجات وبأحسن الأحوال عبر سيارات شحن صغيرة .

هذه نظرة سريعة ومختصرة لواقع ديرالزور التي في ثنايا حياة المحاصرين فيها حكايات كثيرة تنتظر ان نرويها في مناسبات قادمة.

و الجميع هنا يصرون على التمسك بالأرض والصمود لآخر المطاف أملا منهم أن تكون نهايته فرج ونصر..امل يتجدد مع كل صباح من صباحات الفرات الذي مايزال رغم كل جراح أبنائه مستمر بالجريان ومقسماً بزرقة مياهه ان عروسه لن تسقط.