"الدير الأحمر".. آخر ثالث أثر بيزنطي متبقٍّ في العالم
يعد الدير الأحمر، الواقع بمحافظة سوهاج في مصر، واحداً من ثلاثة آثار بيزنطية فقط باقية حول العالم، تُخلد فن العمارة في الفترة المبكرة من تاريخ تلك الإمبراطورية، بينما الأثران الآخران هما كنيسة القديس "فيتالي" بمدينة "رافينا" الإيطالية، وكاتدرائية "آيا صوفيا" بمدينة إسطنبول التركية التي حولها السلطان "محمد الفاتح" إلى مسجد عثماني، ثم أصبحت متحفاً دينياً عام 1935م.
تاريخ الدير
بُني الدير الأحمر في القرن الرابع الميلادي في وقت كانت فيه الرهبنة المسيحية، طريقة دارجة للانعزال عن العالم، إذ بدأ المسيحيون في الاتجاه إلى الرهبنة في أواخر القرن الثالث، لاجئين إلى أماكن نائية في قلب الصحراء وفوق قمم الجبال؛ سعياً نحو ملاذ آمن للتعبد بعيداً عن المناطق المأهولة بالسكان.
أُقيم الدير في منطقة صحراوية جرداء جافة، يرجع إليها الفضل بدرجة كبيرة في الحفاظ على بقائه إلى اليوم، وتقع هذه المنطقة حالياً على مشارف قرية صغيرة تُدعى "نجع الدير"، على بعد حوالي 11 كيلومتراً غربي محافظة سوهاج في صعيد مصر.
لوحات أثرية ورسومات جدارية لا تُقدر بثمن
ترجع تسمية الدير الأحمر بهذا الاسم إلى لون المادة المستخدمة في بناء جدرانه الخارجية، وهي الطوب الأحمر المحروق، ويقع في الجزء الشمالي الشرقي منه "كنيسة القديس بيشوى" التي تُعد أهم معالمه، فقد شكلت تلك الكنيسة مركزاً هاماً لحياة الزُّهد في القرن الخامس الميلادي، وعُرفت بأنها قلب المجتمع الرهباني حينها، كما تمتاز الكنيسة بكونها تُجسد مثالاً نادراً لتنوع الألوان بشكل مدهش.
تُغطي الرسومات الجدارية واللوحات الأثرية، حوالي 80% من جدران الكنيسة وأعمدتها وأركانها وأسقفها المحدبة، بينما يظهر في تلك الرسومات السيد المسيح والسيدة العذراء والحواريون، وبعض الرُّسُل والملائكة، ليصنعوا جميعاً سلسلة مركبة تُشكل لوحة متكاملة عن رسالة الخلاص.
جعلت تلك الرسومات الجدارية المُفصلة بدقة مذهلة واللوحات الزخرفية البديعة، بجانب العديد من أشكال المنحوتات المتنوعة، والآثار التي تُبرز روعة الهندسة المعمارية لذلك العصر، من الكنيسة، أهم كنيسة أثرية في مصر.
جهود التعاون الدولي ما زالت مستمرة لترميمه
ساهمت العديد من الجهات، من بينها المجلس المصري الأعلى للآثار بالتعاون مع الكنيسة القبطية الأرثوذكسية، إلى جانب مشروع الحفاظ على الآثار المصرية التابع لمركز البحوث الأميركي في مصر، ووكالة التنمية الدولية التابعة للولايات المتحدة، في توحيد الجهود لإطلاق مشروع لترميم كنيسة الدير الأحمر والحفاظ عليها.
بدأ المشروع في عام 2002م، في إطار منحة ممولة من الوكالة الأميركية للتنمية الدولية، واستمر العمل الجاد للكشف عن اللوحات والرسومات التي تُزخرف أسطح وجدران الدير التي كانت قبل بداية المشروع محجوبة تماماً؛ نتيجة تراكم الأتربة والأوساخ عليها، فعملوا على تنظيفها وتدعيمها، ما كشف عن روعتها الأصلية.
علاوة على ذلك، أنشأ أفراد الفريق أرضية جديدة من الحجر الجيري، وركبوا أبواباً خشبية جديدة لها مقابض معدنية، كما أضيف للدير كذلك أجهزة إضاءة وصُمم له نظام كهربائي جديد تماماً، فضلاً عن معدات الصوت والفيديو التي تتطلبها الكنيسة.
يعد هذا المشروع واحداً من أطول وأنجح المساعي التي حققها مركز البحوث الأميركي في مجال الترميمات الأثرية، بمشاركة جامعة "روما تري" الإيطالية وجامعة "ييل" الأميركية، ولا تزال الجهود مستمرة حتى اليوم، إذ يمتد المشروع إلى عام 2020م.
ما المخاطر التي تهدد بقاء الدير؟
تأتي المخاطر التي تُواجه الدير الأحمر من أسفل الأرض القائم عليها، بعد أن أصبحت المنطقة المحيطة بالدير منطقة حضرية يقطنها الأهالي، فمع وجود حياة مدينة يلزم توفر نظام صرف صحي مناسب، رغم ذلك فإن المنطقة تُعاني من وجود نظام صرف صحي بدائي؛ إذ لا يزال السكان يعتمدون على آلية صرف قديمة.
يتسرب الصرف الصحي إلى الأرض الواقعة أسفل الدير نتيجةً لذلك، الأمر الذي يؤثر على ثبات هيكله ويجعله غير مستقر، بالإضافة إلى أنه من المتوقع أن يؤدي ارتفاع منسوب المياه الجوفية إلى زعزعة استقرار جدرانه؛ بسبب حياة الحضر المحيطة به والأنشطة الزراعية التى يُمارسها السكان، يزيد هذا من سوء الوضع بجذب النمل الأبيض مما يتسبب في أضرار هيكلية كبيرة لمبنى الدير العريق.
على الرغم من كون الدير الأحمر غير مُدرج بقائمة المواقع السياحية في مصر، إلا أنه يحظى بشهرة عالمية واسعة؛ إذ زاره العديد من السفراء من جميع أنحاء العالم من بينهم سفراء الولايات المتحدة وبريطانيا والفاتيكان في عام 2016م فقط، كما يحرص على زيارته السياح من الهواة والخبراء المهتمين بمواقع التراث الديني.
هاف بوست عربي