“ضباب حمص”..ليس فيلماً رومنسياً، إنه دخان النايلون
تظن للوهلة الأولى أنك وصلت شهر كانون الثاني بينما تنتظر انتهاء تشرين، وأنت تمشي “عالبقبيشة” في شوارع مدينة حمص وسط ضباب كثيف يملأ الأزقة والحارات.
وفي وقت مبكر من هذا العام بل وجاء أقرب من المعتاد، اجتاحت رائحة النايلون ودخانه أحياء مدينة حمص على اختلاف توزعها.
وتصل رائحة النايلون المحروق مسافات بعيدة، كما أنها تعلق في المنازل وعلى الثياب، ناهيك عن أضرار استنشاق الجزيئات المحروقة على الرئتين والصحة بشكل عام.
وتوجه الكثيرون من سكان مدينة حمص، كما معظم المحافظات بطبيعة الحال، إلى جمع النايلون بجميع أشكاله، من زجاجات المشروبات الغازية وعُلب السمنة ومخلفات المنازل، وحرقها في مدافئَ حولوها إلى ماكينات حرق في فصل الشتاء.
ولوحظ أيضاً قبل بدء الشتاء وخلاله، انتشار الأطفال قرب مكبات القمامة للبحث عن الأحذية المهترئة والنايلون وكل ما يمكن حرقه، عوضاً عن مكانهم الطبيعي على مقاعد الدراسة.
وتساءل عبد الكريم، وهو عامل بلاط في حي المهاجرين بمدينة حمص، “شو جبرك عالمر”، وما الحل كي أمنح الدفء لأطفالي وأحميهم من البرد، فرائحة النايلون والخشب أهون ألف مرة من زيارة الطبيب، أو شراء الدواء من الصيدليات.
ويأتي جمع النايلون كحل بديل للتدفئة، بعد أن تبدأ درجات الحرارة بالانخفاض، وكنتيجة لعدم توزيع مخصصات مازوت التدفئة للمواطنين إلا مع بدء أيام الصيف الأولى، عندما يكون “يلي ضرب ضرب ويلي هرب هرب”.
ولجأ المواطن المغلوب على أمره إلى تحويل صوبيات المازوت إلى أخرى تعمل على حرق أي شي بداخلها، طمعاً ببعض الدفء في شتاء يبدو أنه قاس وخال من الخدمات الحكومية ومحروقاتها “المدعومة”.
من ناحية طبية، قال الدكتور بشار حسن لتلفزيون الخبر إن: “الدخان الناجم عن حرق تلك المواد عبارة سم قاتل يضر بالجهاز التنفسي، لاسيما عند الاطفال وكبار السن”.
وأضاف الطبيب: “يؤدي ودخول الجزيئات البلاستيكية إلى مجرى التنفس لاحقاً إلى خلل في العملية الحيوية للرئة و دخول الأوكسجين بالشكل الكافي”.
وفي وقت تصدرت التبريرات المعتادة -الموضوعية منها أو “الشمّاعة”- أزمة محروقات خانقة وغلاء هائل في أسعارها، محدودة اللترات حكومياً ووافرة على بسطات السوق السوداء، فقد وقع المواطن في أزمة متجددة كل عام للبحث عن أفضل البدائل المتوفرة.
وباتت التدفئة على الكهرباء ضمن قائمة “الأحلام الوردية” للسوريين كافة بطبيعة الحال، مع وصول ساعات القطع إلى 20 ساعة في اليوم الواحد، وبالتالي خروج هذا الحل من دائرة البدائل أوتوماتيكيا ً.
أما الحطب فمصيبة أخرى، مع وصول سعر الكيلو الواحد الى 2500 ليرة، وسعر الطن إلى ما يقارب 3 ملايين ليرة، وسط توقعات بارتفاع الأسعار مع دخول المنخفضات بشكل أكثر فعالية خلال الفترة القادمة.
يشار إلى أن السوريين يبحثون منذ سنوات عن حلول محلية لمواجهة صعوبات الحياة، وفيما يخص التدفئة فالقائمة تطول، تفل الزيتون والسبيرتو والكحول، كما أنهم اضطروا للعودة عقوداً وقروناً إلى الوراء، حتى أصبح روث الحيوانات أحد تلك الخيارات.
الخبر