. كيف غيّرت الديريات من مكونات “المكدوس” تماشياً مع الظروف المعيشية؟
تبدأ المرأة الديرية في تشرين من كل عام بتحضير وتجهيز المُوَن لفصل الشتاء، بدءاً من البامياء والكشك والملوخية ودبس الفليفلة، انتهاء بالمكدوس، الذي يعتبر من أهم الوجبات التي تقدّم صباح كل يوم مع كوب من الشاي في الفطور الديري.
وفي ظل التضخم الحاصل في الأسعار وضعف القدرة الشرائية للمواطنين، غيّر العديد من الأهالي محتوى المُوَن وتخفيض كمياتها أو إلغائها بشكلٍ كامل من موائدهم اليومية، ومن أهمها المكدوس، التي بدأت تتغيّر مكوناته وتتقلّص من عام لآخر.
وفي لقاء أجراه تلفزيون الخبر مع “أم محمد” من سكان حي “القصور”، قالت :”المكدوس يعتبر من الأكلات الشعبية، لكن الآن، وبعد هذا الغلاء، أصبح من الأطعمة الملوكية وليس أكلة شعبية إذا تم تطبيق طريقة تحضيره بكامل مواده الأساسية”.
وتابعت “أم محمد”، حديثها: “في السنوات الأخيرة قمتُ باستبدال مادة الجوز بالفستق السوداني، وغمره بزيت نباتي بدل زيت الزيتون، مع العلم أن الزيت النباتي لم يعد سعره يناسب دخلنا الشهري أيضاً”.
وأضافت “أم محمد” مبتسمة: “هالسنة المكدوس صاير متل الأرملة بلا جوز”، شارحةً أن سبب المثل الذي تحدثت به عن المكدوس يعود لارتفاع سعر مادة الجوز في الأسواق، والذي وصل لأكثر من 150 ألف ليرة سورية.
وأردفت السيدة الديرية: “أي ما يقارب نصف راتب الموظف، الأمر الذي جعل معظم الأهالي يستبدلونه بالفستق السوداني أو إلغائه بشكلٍ نهائي من المكدوس”.
وأوضحت “أم محمد”، أنها “قامت هذا العام بتحضير كمية قليلة فقط من المكدوس، رغم اختصارها العديد من مواده وأولها الجوز، لكن يبقى تحضيره مكلف ولا يتناسب مع الدخل الشهري، ودخل معظم أهالي المدينة”.
أما عن باقي المُوَن، ذكرت السيدة، إنها “شبه اختفت من حياتنا، وأصبحنا نجهز الأساسي منها فقط، كتيبيس بعض الخضار كونها أساسية في فصل الشتاء، أما باقي المونة تخلّينا عن العديد منها”.
واستطردت “أم محمد” قائلة، إن: “المونة الشتوية يتم تحضيرها بهذا الوقت من العام دفعة واحدة مثل المكدوس والكشك وتجفيف بعض الخضار الصيفية، وتحضير رب البندورة ومعجون الفليفلة، وجميعها تحتاج لكلفة مالية عالية، ونحن حالنا حال معظم السوريين نعيش يوم بيوم، ولم نعد قادرين على تحضيرها”.
وشرحت “أم محمد”، وهي تتنهد تنهد الصعداء، أنه “كنّا بالسابق في سنوات الخير، نقوم بتخزين كميات كبيرة من المُوَن، تكفينا فصل الشتاء وتبقى إلى بداية فصل الصيف، و من ضمنها المكدوس، كونه صحن أساسي في مائدة الديرين”.
“كما كنّا في تلك السنوات، والتي نطلق عليها (سنوات الخير) نضع بجانب صحن المكدوس صحن من الجوز، أما الآن أصبحنا نضع القليل منه فقط، يعني شم ولا تدوق”.
أما عن أسعار المواد الداخلة في صناعته، أجابت “أم محمد”، أن: “سعر كيلو الباذنجان أصبح 3500 ليرة سورية بالجملة، والفليفلة 8000 ليرة، فيما وصل سعر الجوز 150 ألف ليرة سورية، وليتر زيت الزيتون 100 ألف ليرة، وكيلو الثوم 8000 ليرة، لذلك قمت هذا العام بشراء كمية قليلة من هذه المواد تكفي لتحضير قطرميز واحد”.
وبالرغم من أهمية مونة “المكدوس” في البيوت السورية، إلّا أنها لم تعد تلقى الإقبال نفسه، بسبب ارتفاع أسعار المواد الداخلة بصناعتها، ما أجبر عدداً من العائلات على التخلّي عن إعداد مؤنتها من المادة، أو استبدال مكوناتها بأخرى أقل تكلفة، وأصبحت العديد من العائلات تعتبرها “وجبة الأغنياء والمترفين”.
الجدير ذكره أن ارتفاع الأسعار للخضار والمواد التموينية، والتي تختلف من محافظة لأخرى اختلافاً كبيراً، جعل معظم الأهالي يحجمون تماماً عن فكرة إعداد المُوَن بشكلٍ عام ومنها “المكدوس”، الأمر الذي يحمّلهم أعباء وتكاليف معيشية إضافية خلال فصل الشتاء.
حلا المشهور – تلفزيون الخبر – دير الزور