السماء "تُمطر سمكاً" وتتناثر على الأرض.. فمن أين يأتي؟!
لم يعرفوا قط من أين تأتي الأسماك، حيث يسبق ذلك الحدث السنوي ظروف شديدة الصعوبة تحول دون خروج أي من سكان بلدة لايونيون الصغيرة بأميركا الوسطى من منازلهم.. فيكتفون فقط بانتظار انتهاء العاصفة؛ ليتمكنوا من حصاد الأسماك المتناثرة على الأرض في سعادة غامرة، شاكرين "نعمة الرب".
إنه الشيء المدهش الذي يفاجئ كل عامٍ سكانَ هذا المجتمع المحلي الصغير في ضواحي مدينة يورو الزراعية شمال جمهورية هندوراس، ويجعلهم يشعرون -رغم الفقر والفاقة- بأنهم مميَّزون.. فالسماء في قريتهم -كما يقولون- تمطر سمكاً!
يقول السكان إنَّ ذلك يحدث كل عام، على الأقل مرة واحدة، وعادةً أكثر من مرة، خلال نهاية فصل الربيع وبداية فصل الصيف. ويحدث ذلك في ظلِ ظروفٍ مُحددةٍ فحسب؛ مثل الأمطار الغزيرة والرعد والبرق، أي في ظلِ ظروفٍ شديدة الصعوبة، لدرجةِ أنَّه لا أحد يجرؤ على الخروج من منزله، بحسب تقرير لصحيفة نيويرك تايمز الأميركية 16 يوليو/تموز 2017.
وعندما تنقشع العواصف، يجلب القرويون دِلاءهم وسلالهم ويتوجَّهون إلى الطرق وإلى المراعي الغارقة، حيث تكون الأرض مغطاة بمئات الأسماك الصغيرة فضية اللون.
وبالنسبة للبعض، فهذا هو الوقت الوحيد في العام الذي يَحظَون خلاله بفرصة تناول المأكولات البحرية.
فالفقر متفشٍّ، والوظائف شحيحةٌ، والأسر الكبيرة مُكدَّسَةٌ في منازلٍ مبنيةٍ من الطوب الطيني، والوجبات الغذائية غالباً ما تتكوَّن من القليل من المحاصيل التي يزرعها سكانها ويكسبون بها عيشهم، وخاصةً الذرة والفاصوليا.
ورغم ذلك، فإن سكان لايونيون ليسوا وحدهم الذين يحظون بهذه الظاهرة حول العالم، فقد تكررت في أكثر من بلد أكثر من مرة، بينها أستراليا والهند وسيرلانكا.
ففي مايو/أيار 2014، تلقى سكان إحدى القرى غرب سريلانكا مفاجأة مفرحة عندما أمطرت السماء أسماكاً صغيرة على قريتهم، وسقطت الأسماك خلال عاصفة يُعتقد أنها رفعت تلك الأسماك من أحد الأنهار بفعل الرياح العاتية.
وقال سكان القرية الواقعة في منطقة تشيلاو، إنهم سمعوا أصوات سقوط أجسام ثقيلة في اثناء العاصفة وفوجئوا عندما رأوا كميات من الأسماك بلغ وزنها أكثر من 50 كيلوغراماً!
وليست هذه الحادثة الأولى من نوعها في سريلانكا؛ ففي عام 2012 أمطرت السماء كميات من الروبيان جنوب البلاد. ويقول العلماء إن هذه الحالات تحدث عندما تقع الزوابع فوق المياه الضحلة فتقوم بسحب ما في هذه المياه من أحياء صغيرة كالأسماك والثعابين وحتى الضفادع وقذفها في الجو. وتقوم الرياح بنقل هذه الأسماك مسافات بعيدة حتى بعد انتهاء الزوابع من عملها!
"نعمة الرب"
"إنَّها معجزة".. بهذه العبارة فسَّر المزارع لوسيو بيريز، (45 عاماً)، الذي يعيش في لايونيون منذ 17 عاماً، هذه الظاهرة. وأضاف: "نعتبر ذلك بركةً من الله".
وقد سمع بيريز النظريات العلمية المختلفة لهذه الظاهرة. وجميعها -كما يقول- تعتريها الريبة.
وقال بينما كان يُهز رأسه: "لا، لا، ليس هناك تفسير. ما نقوله هنا في يورو إنَّ هذه الأسماك ترسلها القدرة الإلهية".
ويقول السكان إنَّ الظاهرة تحدث داخل وحول المدينة منذ أجيال، ومن وقت لآخر تتغيَّر مواقعها. ولقد انتقلت إلى لايونيون منذ نحو عقدٍ من الزمن.
وتقول كاتالينا غاراي، (75 عاماً)، التي ربت 9 أطفال برفقة زوجها استيبان لازارو، (77 عاماً)، في منزلهم المُشيَّد بالطوب اللبن في لايونيون: "ليس هناك من يعتقد في أي مكان أنَّ السماء تُمطر سمكاً. لكنَّها تُمطر سمكاً!".
ويعزو بعض السكان حدوث ذلك إلى دعوات المُبشِّر الكاثوليكي الإسباني، مانويل دي جيسوس سوبيرانا، الذي دعا الله في منتصف الثمانينات للمساعدة في تخفيف الجوع والفقر عن منطقة يورو. وبعد وقتٍ قصير من مناجاته، بدأت الأسطورة، وبدأ تساقط الأسماك.
ويوجد رفات المُبشر سوبيرانا في الكنيسة الكاثوليكية الرئيسة بالميدان الرئيس في مدينة يورو.
أسماك الكهوف
ويفترض السكان الذين يميلون إلى التفسيرات العلمية، أنَّ الأسماك ربما تعيش في مجاري المياه الجوفية أو الكهوف. فهذه البيئات تَفيض خلال العواصف المطيرة الكبرى، وتدفع المياه المتدفقة هذه الأسماك إلى مستوى سطح الأرض. وعندما تتوقف الأمطار وينحسر الفيضان، تبقى الأسماك على الأرض.
وتقترح نظريةٌ أخرى أنَّ الأعمدة المائية، وهي ظاهرة طبيعية تتكون على شكل كتلة سحابية عمودية دوامية، تسحب الأسماك من المسطحات المائية القريبة، وقد تكون من المحيط الأطلنطي، الذي يبعد نحو 45 ميلاً (نحو 72 كيلومتراً) عن المدينة، وتتساقط في مدينة يورو. (وبهذه الطريقة، تتساقط الأسماك من السماء، ولكن هذا الافتراض لا يشرح كيف تتسبَّب الأعمدة المائية في حدوث مباشر لهذه الظاهرة بالبقاع الأرضية نفسها عاماً بعد عام).
ولم ير أيُ شخصٍ الأسماك تتساقط من السماء بالفعل، لكنَّ السكان يقولون إنَّ ذلك بسبب أنَّه لا يجرؤ أحدٌ على ترك منزله خلال هذه العواصف الشديدة التي تأتي بالأسماك.
وتقول أوديليا هرنانديز غونزاليس، القِسِّيسَة بإحدى الكنائس الإنجيلية الأربع في لايونيون: "إنَّه سرٌ لا يعلمه إلا الله. إنَّه نعمة عظيمة؛ لأنَّ ذلك يأتي من السماء".
وتضيف: "انظر. الناس الأقل قدرةً على تناول السمك يستطيعون الآن تناوله".
وتقول القِسِّيسَة إن هذا الموسم قضيةٌ مجتمعية بالنسبة لمنازل لايونيون البالغة 200 منزل أو أكثر، ويتشارك الجميع هذه الهِبة. فهؤلاء الذين يجمعون الكميات الأكثر يعيدون توزيع الأسماك على العائلات غير القادرة على الخروج لجمع نصيبها في وقتٍ مُبكر.
ويُحظر بيع الصيد. وقالت أوديليا: "لا يُمكنك بيع نعمة الرب".
وتولي الكنيسة هذه الظاهرة اهتماماً كبيراً؛ ففي عام 2007، قام اليسوعيون من مدينة سانت لويس الأميركية بحملة تمويلٍ تضمَّنَت رسالةَ مناشدةٍ تستدعي ظاهرة سقوط الأسماك.
وجاء في الرسالة، باستخدام الكلمة الإسبانية التي تعني سمكة: "كل هبةٍ، وكل دعوةٍ تشبه (سمكة) من الأسماك التي تتساقط من السماءِ كل عام".
وأضافت الرسالة: "وكل نعمة من هذه النعم، بغض النظر عن عظمها أو صغرها، ستُخفِّف عن شخص في حاجةٍ ماسة لهذه النعم".
ويُقيم اليسوعيون بعثةً طويلة الأمد في مدينة يورو.
ملكة جمال الأسماك
وأصبحت الظاهرة متداخلةً بشكلٍ مُعقَّد في هوية مدينة يورو وسكانها الذين يبلغون نحو 93 ألف نسمة.
ويقول لويس أنطونيو فاريلا موريلو، (65 عاماً)، الذي عاش طوال حياته في المدينة: "يعتبر ذلك مصدراً للفخر بالنسبة لنا. فعندما نُعرّف أنفسنا نقول: أنا من مكان تساقط الأسماك".
ويُضيف: "الشيء الذي لا نحبه أنَّ كثيراً من الناس لا يصدقون ذلك. يقولون إنَّها محضُ خرافة".
ومنذ عقدين من الزمن، يجري الاحتفال بهذه الظاهرة سنوياً، ويتميَّز الاحتفال بموكبٍ ومهرجان في الشوارع. وتتنافس النساء الشابات على اختيار ملكة جمال تساقط الأسماك، وتتصدَّر الفائزة في المسابقة موكباً مرتديةً مثل حورية البحر.
وحتى الآن، بخلاف المهرجان، لا توجد أي مؤشرات في المدينة على الأهمية المحورية للظاهرة؛ فلا تُعرض آثار، ولا لوحات، ولا هدايا على هيئة أسماك للبيع في محلات المدينة.
وكالات