طوابير المستشفيات.. وفسادها
طوابير الانتظار والنقص الحاصل والشديد في مستلزمات العلاج في المستشفيات العامة، هي إحدى إفرازات طريقة تقديم خدمة العلاج المجاني، وليس بفعل سياسة العلاج المجاني.
إذ إن تقديم خدمة العلاج المجاني للجميع من دون معايير وأسس واضحة ومحددة جعل الفقير هو الأقل استفادة من تلك الخدمة، وهنا يمكن التمييز بين سببين:
السبب الأول يتمثل في أن خدمة الحصول على العلاج المجاني متاحة للجميع بفعل سياسة الدعم.. للغني والفقير، المقيم والوافد، الموظف وغير الموظف، السوري والأجنبي... وما إلى ذلك. الأمر الذي يرتب أعباء مالية وبشرية ضخمة على المستشفيات العامة.
أما السبب الثاني فيتعلق بالممارسات الإدارية القائمة على الاستثناءات والمحسوبيات والعلاقات الخاصة، والتي تسمح بإبقاء سرير في العناية المشددة فارغاً تحسباً لطارئ يأتي من مسؤول أو صاحب نفوذ، في حين قد يضطر مريض فقير إلى الانتظار في الحديقة المجاورة للمستشفى لأيام حتى يحصل على قبول.
وأظن أن العديد منكم عانوا الأمرين في هذا السياق، ومنهم من يحتفظ بذكريات سيئة أثناء توجهه لمستشفى حكومي طلباً للعلاج تحت تأثير المحسوبيات والفساد الكبيرين.
ويمكن تشبيه واقع العلاج في المستشفيات العامة بتوزيع المساعدات الإغاثية، فهناك أسر كثيرة لا تستحق تلك المساعدات ومع ذلك تحصل عليها بطريقة أو بأخرى، وعلى حساب أسرة أخرى أكثر حاجة.
إذاً... ما العمل؟
هل الحل يكمن في إلغاء مجانية الخدمات العلاجية المقدمة في المستشفيات الحكومية؟
أم في مراجعة طريقة تقديم الخدمة وحصرها بشرائح محتاجة لها بالفعل؟
أنا مع الخيار الثاني المتمثل بتحديد مجموعة من المعايير والشروط لقبول المرضى في المستشفيات العامة، لكن ليس على طريقة الحكومة الحالية عندما عملت في العام الماضي على استبعاد آلاف الأسر بناء على معايير غير موضوعية، وعلى قاعدة بيانات خاطئة، وبشكل متسارع لمجرد رغبتها بتحقيق إنجاز فتحول إلى فضيحة.
الموضوع ليس سهىلاً... ولا يمكن المباشرة به بشكل عشوائي كما هو الحال مع مشروعات أخرى...
هو يحتاج إلى مراجعة دقيقة لقاعدة بيانات المستشفيات، رصد التجاوزات والمحسوبيات الحاصلة فيها، مقاربة الخيارات الأخرى المتاحة أمام المواطنين، وكيفية مساهمة القطاع الخاص في تحفيف العبء عن المستشفيات العامة.
لكن في جميع الحالات... الاستمرار بالوضع الراهن، وما يتضمنه من معاناة آلاف المرضى وعجزهم عن الحصول على العلاج المجاني، لم يعد صالحاً.
دمتم بخير
زياد غصن - شام إف إم