زياد غصن يكتب.. كي ينام الوزراء بعمق!
تصر حكومة عرنوس في معالجتها لملف الدعم على السير في الإتجاه المناقض للعقل والمنطق.
وهذا إما استسهالاً في التعاطي مع الملف الأخطر على معيشة شريحة واسعة من المواطنين، أو نتيجة ضعف في تحليل جوهر المشكلة، وعدم القدرة على استشراف عواقب الإستمرار في إجراءات الحل الحالية.
بداية، لابد من الاعتراف بثلاث حقائق أساسية في ملف الدعم ليكون نقاشنا موضوعياً وعقلانياً:
-الحقيقة الأولى أن اعتمادات الدعم باتت تشكل رقماً مرعباً في الموازنة العامة للدولة، وتالياً فإن استمرار الوضع على ما هو عليه قد يدفع مالية الدولة للانهيار المفاجئ.
-الحقيقة الثانية أن الملف يشوبه فساد هائل من أوله إلى آخره، لدرجة أن السوق السوداء في البلد أصبحت قائمة عليه تماماً، ولذلك فمن غير المنطقي أن يبقى واقع الدعم على حاله.
-الحقيقة الثالثة أن هناك خللاً كبيراً في عملية الإستهداف، إذ أن شريحة الفقراء وأصحاب الدخل المحدود هم الأقل استفادة من مشروع الدعم الحكومي، وهذا قائم منذ سنوات طويلة، وتعزز أكثر خلال سنوات الحرب لاعتبارات عديدة.
أمام هذه الحقائق الثلاث، والتي أعتقد أنه لا خلاف عليها من جميع السوريين، تتبدى أربع أولويات أساسية في معالجة هذا الملف بعيداً عن الإرتجال، واستسهال الحلول، وما ينتج عنهما من تأثيرات اقتصادية واجتماعية سيئة للغاية..
الأولوية الأولى تتمثل في تحديد الغاية الاجتماعية والاقتصادية الرئيسية من الدعم. هل هو محاولة من الدولة لمعالجة الآثار الناجمة عن التفاوت الهائل في توزيع الدخل القومي؟ أم مجرد مشروع حكومي لدعم الأسر الفقيرة وصاحبة الدخل المحدود؟ وبناء على تحديد هذه الغاية، يمكن العمل على تنفيذ باقي الأولويات بكل وضوح ودقة.
الأولوية الثانية هي في الوقوف على حجم الإنفاق الفعلي على ملف الدعم خلال الأشهر الماضية من العام الحالي، لاسيما وأن جزءاً من الدعم المعلن هو أقرب إلى "الوهمي" نتيجة عدم توفير السلعة أو الخدمة، والجزء الآخر هو دعم "مبالغ" فيه تحقيقاً لأهداف ومصالح معينة.
فمثلاً، اعتمادات الدعم في موازنة العام الحالي وصل إلى حوالي 5200 مليار ليرة... فماذا أنفقت الحكومة من هذا الاعتماد خلال الأشهر العشر الماضية؟ وهل هناك زيادة إنفاق على الاعتمادات المرصودة؟ وما أسباب تلك الزيادة؟ وما هي أوجه الإنفاق بالتفصيل؟.
الأولوية الثالثة، والتي يجب أن تسير بالتوازي تماماً مع الأولوية الثانية، تتبدى في مراجعة دقيقة وموضوعية للمؤسسات المعنية بتقديم سلعة أو خدمة مدعومة لجهة الوقوف على التكاليف الحقيقية لإنتاج وتقديم السلعة، تحديد أوجه الهدر وقنوات الفساد الموجودة في هذه المؤسسات بالأرقام والبيانات، الإجراءات المطلوبة لإعادة هيكلة هذه المؤسسات بما يحقق ثلاث نتائج هي: العمل بنظام تكاليف صحيح، القضاء على الفساد والهدر أو الحد منهما وفق برنامج زمني مضبوط، وتطوير جودة المنتج أو السلعة.
الأولوية الرابعة، والمفترض البدء بتنفيذها بعد إنجاز الأولويات الثلاث السابقة، وتتعلق بتحديد الشرائح والفئات الإجتماعية المحتاجة للدعم، وآليات إيصاله بعيداً عما يجري حالياً من امتهان لكرامات الناس وابتزازهم مادياً.
في هذه الأولوية هناك حاجة إلى نقاش عميق، وإلى آفاق واسعة تخرج من عباءة ما هو متداول منذ سنوات طويلة، بحيث ينصب الإهتمام على تحديد الأسر المستهدفة بالدعم بناء على مصادر دخلها ومستويات إنفاقها على السلع الغذائية أولاً، ثم على السلع الأخرى، وليس بناء على ما تملكه من عقارات وسيارات وخطوط هاتف كما يفكر كثير من المسؤولين حالياً.
هؤلاء بفكرهم يمكن أن يحرموا مثلاً كل سكان دمشق من الدعم لأنهم يملكون شققاً سكنية تبلغ قيمة الواحدة منها نصف مليار ليرة أو أكثر، فيما قد تكون هذه الشقق تركة أو اكتتاب سنوات طويلة في مشروع لجمعية سكنية أو حتى مشتراة منذ سنوات ما قبل الحرب..
وللعلم هنا، فإن البيانات الحكومية تؤكد إن 4.8% من الأسر المقيمة في محافظة دمشق تعاني من انعدام شديد في أمنها الغذائي، 42.1% تعاني من انعدام متوسط في أمنها الغذائي، 44.8% معرضة لإنعدام أمنها الغذائي... وفقط هناك حوالي 8.3% من أسر العاصمة آمنة غذائياً.
ربما لو عملت الحكومة على الأولويات الأربع بكثير من الجدية والعمق، لكانت هناك نتائج مختلفة لجهة التفهم الشعبي لضرورات المشروع وأهميته... وهنا أجزم للسيد وزير التجارة الداخلية أنه عندئذ سينام، هو وباقي الوزراء، بعمق شديد!
هامش: إذا كان النوم غادر عيون وزير التجارة الداخلية حزناً على قراره برفع سعر أسطوانة الغاز المنزلي، فإنني أرجو من رئيس الحكومة أن يطمئننا على صحة باقي السادة الوزراء، الذين وإن كانوا قد ناموا، فربما يكونون ذهبوا إلى النوم في تلك الليلة بلا أكل... كحال أسر كثيرة!