إذا كانت الحكومة مضطرة لرفع أسعار السلع المدعومة بحجة الارتفاع المتزايد في تكلفة دعمها، فما هو مبررها لرفع أسعار خدمة كانت ولا تزال رابحة؟ زياد غصن يكتب بتصرف.. أرباح.. وزيادة أسعار!
ذات يوم، خرج عبد الله الدردري بصفته نائباً لرئيس مجلس الوزراء للشؤون الاقتصادية ليقول للسوريين: إن حجم ما ينفقونه على الإتصالات الخليوية دليل على تحسن المستوى المعيشي في البلاد.
اليوم، يبدو أن هناك من لديه قناعة قريبة من ذلك، وفحواها أن شعب ينفق في عام واحد حوالي 400 مليار ليرة على الإتصالات الخليوية وملحقاتها فقط هو شعب ليس بفقير كما يقال، وبإمكانه تالياً تحمل أعباء أي زيادة سعرية ضماناً لاستمرار هذه الخدمة!
مثل هذه النظرة هي التي تُحرم على السوري كل شيء...
تُحرم عليه أن يركب سيارة... أن يدخل مطعم... أن يحرص على وجود تنوع غذائي على مائدة أسرته... وغيرها من أبسط حقوق الحياة، وإلا فإن معاناة المواطن مع التضخم تصبح وهماً، ومع محدودية الدخل كذباً، ومع فقدان أسرته لأمنها الغذائي إشاعة.
لذلك كان من الطبيعي أن يحين دور رفع أسعار خدمة الاتصالات بمختلف أشكالها...
لكن إذا كانت الحكومة مضطرة لرفع أسعار الخبز والمشتقات النفطية وغيرها من السلع المدعومة بحجة الارتفاع المتزايد في تكلفة الدعم، فما هو مبررها لرفع أسعار خدمة كانت ولا تزال رابحة؟
جملة مبررات طرحت مؤخراً من أبرزها أن شركتي الخليوي تكبدتا خلال سنوات الحرب خسائر كبيرة جراء تعرض التجهيزات والأبراج المنتشرة في المحافظات للتخريب والتدمير، فضلاً عن ارتفاع تكاليف التشغيل نتيجة انخفاض سعر صرف الليرة والتضخم الحاصل.
تعالوا لنناقش مدى دقة هذه المبررات وموضوعيتها...
كما هو حال العديد من المنشآت العامة والخاصة، فقد تعرضت فعلاً تجهيزات المشروع الخليوي إلى أضرار تباينت بين محافظة وأخرى تبعاً للتطورات الأمنبة والعسكرية التي مرت بها، وحسب ما نشر سابقاً فإن تقديرات قيمة الأضرار التي لحقت بتجهيزات شركتي الخليوي بلغت أكثر من 200 مليار ليرة.. والأمر نفسه بالنسبة لارتفاع تكاليف التشغيل والعمل... وغير ذلك.
لكن هل هذا يعني أنه على مستهلكي الخدمة أن يتحملوا ثمن هذه الخسائر دوماً؟ أم أن المنطق يفرض أن تتحمل الشركتين جزءاً ليس بالقليل من هذه الخسائر، لاسيما وأنها حظيت بفرصة إستثمارية مغرية حققت من خلالها وعلى مدار عقدين من الزمن أرباحاُ كبيرة ؟
بالعودة إلى الإفصاحات المالية للشركتين سنجد أن إيراداتهما كانت تزداد بشكل واضح لأسباب مختلفة منها: زيادة الأسعار التي تمت في عامي 2013 و2015، ارتفاع عدد المشتركين ومستخدمي الشبكة الخليوية لعدة عوامل من بينها ما فرضته ظاهرة نزوح حوالي 6 ملايين سوري عن منازلهم، وتالياً تراجع الاعتماد على خدمة الهاتف الثابت.
وزيادة الإيرادات هذه كانت أكبر من الخسائر التي منيت بها الشركتين وارتفاع تكاليف التشغيل، بدليل أن الإفصاحات المالية الدورية كانت تشير إلى تحقيق شركة سيريتل أرباحاً سنوية متصاعدة، في حين أن شركة MTN كانت متذبذبة بين الربح والخسارة. إنما وفقاً للإفصاحات المالية المنشورة مؤخراً، فإن الشركتين حققتا ربحاً كبيراً، فأرباح "سيريتل" الصافية خلال الربع الأول من العام الحالي زادت بنسبة 51% مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي.
أما شركة MTN فقد قلبت خسارتها ربحاً خلال النصف الأول من العام الحالي، حيث تشير بياناتها المالية إلى أن أرباحها الصافية وصلت إلى أكثر من 26.6 مليار ليرة مقارنة بخسارة قدرها 7.2 مليار ليرة خلال الفترة نفسها من العام السابق.
في هذه الظروف المعيشية الصعبة التي يعيشها المواطن، فإن أولوية الزيادة السعرية يجب أن تكون للسلع والخدمات المهددة فعلاً بالتوقف، وليس أن تتحول الزيادة إلى حق يمنح لكل جهة عامة أو خاصة هبطت أرباحها خلال سنوات الحرب عن مستويات معينة!
فينكس