انخفاض الإنتاج الدوائي رغم ازدياد عدد المعامل
لم تكن الصناعات الدوائية بمعزل عما ساط نظيراتها في مدينة حلب، فالمعامل التي قوضت بفعل الحصار المفروض عليها في سنوات الحرب كانت شبيهة بتلك العقاقير الطبية المحبوسة بين فكي العلب الكرتونية، وظلت لفترة غير قصيرة بحاجة إلى من يداويها من دائها، لتشكل بذلك الوضع مفارقة من الممكن وصفها “بالمؤلمة” بعد أن كانت ملاذ المرضى الباحثين عن منتجات المعامل.
حين انجلت الملامح العسكرية بالمدينة، وعادت مختلف المعامل الصناعية إلى إنتاجها بشكل تدريجي، كانت المعامل الدوائية لا تزال تصنع وتمد الصيدليات ببعض الأصناف الدوائية وإن كان مع بعض الصعوبات التي تلاحقها حتى الآن.
إدارة عن بعد
“البعث” التقت مع عضو مجلس إدارة غرفة صناعة حلب زياد أوبري الذي ذكر واقع الصناعة الدوائية قبل وإبان فترة الحرب، حيث أشار أوبري إلى أن مدينة حلب هي مركز الصناعة على مستوى القطر وكانت تغطي 70 بالمئة من حاجة سورية الدوائية والمصنعة محلياً. أما وأثناء الحرب فكان هناك استهداف مباشر لتلك المعامل، إذ ساعد تواجد المصانع في الريف الحلبي لأن تكون عرضة السرقة والنهب، كما وجدت صعوبة في إدارتها نتيجة تغيب رؤوساء مجلس الإدارة عن مواقع عملهم، الأمر الذي دفعهم إلى الاعتماد على بعض الموظفين الموجودين في المناطق القريبة من المعامل، في حين اضطر العمال المقيمين في المدينة ونتيجة لصعوبة المواصلات آنذاك إلى الإقامة داخل المعامل لأيام وفي بعض الأحيان إلى أسابيع، وعند كل مرة يعودون فيها إلى المدينة تعقد اجتماعات مع الإدارة بغية الاطلاع على واقع العمل على اعتبار أن صناعة الأدوية دقيقة جداً وتحتاج إلى جودة عالية، وكانت الاجتماعات تلك تعقد بهدف الحفاظ على الجودة، فكان الأمر أشبه ما يكون بالإدارة عن بعد.
يضيف أوبري أن الصعوبات الأخرى التي لاحقتهم وقتها تتمثل في تأمين المواد الأولية التي تستورد عن طريق المعابر الرسمية كمرفأ طرطوس، بالإضافة إلى صعوبة نقل هذه المواد الأولية إلى الشركات وتكلفة أجورها العالية، حتى وصل الحال بأن تكون تكلفة النقل أعلى من قيمة البضائع، وبدوره لم يكن نقل المنتجات إلى المناطق الآمنة أفضل حالاً من وصول المواد الأولية إلى المعمل.
وأفصح أوبري بأن هذه العملية كانت تتطلب وقتاً طويلاً وتكاليفاً ضخمة، وأدت إلى ارتفاع تكاليف الإنتاج مما سبب في خسارة المعامل ورغم ذلك استمرت في العمل والإنتاج لرفد الدولة وتلبية احتياجات المواطنيين الدوائية.
بالنسبة للطاقة الإنتاجية الحالية أوضح أوبري أن تبعات الحرب أدت إلى خفض تغطية حلب “الدوائية” للسوق المحلي من 70 بالمئة إلى 5 بالمئة فقط، فآثار الحرب لحقها تدني في الإنتاج.
ونوه أوبري إلى أنه نتيجة الثغرة والفجوة التي خلفتها حلب في هذا المجال، تأسست العديد من المعامل في سورية ومنحت وزارة الصحة تراخيص لمعامل جديدة مما ساهم في زيادة عدد المصانع الدوائية إلى مئة معمل تقريبا وذلك بخلاف العدد الذي كان عليه سنة 2010 والمقدر ب67 معملاً، في وقت أصبح عدد المعامل الحلبية حوالي 40 معملاً، بيد أن انتاجهم لا يزال ضعيفاً، متوقعاً مع حلول نهاية العام ارتفاع تلك الإنتاجية لمعامل المدينة حتى 70 بالمئة، وبالتالي ستعود حلب إلى ريادتها والرافد الأكبر للأدوية في سورية.
وتحدث أوبري عن تميز حلب في إنتاج بعض الأصناف الدوائية كالمنتجات العقيمة الجاهزة للحقن سواء الوريدي والعضلي والمضادات الحيوية، لكن ضعف حلب في الوقت الراهن والناجم عن الحرب وتأثيرها السلبي وتراجع التميز في المنتجات العقيمة عمدت أكثر من شركة خارج حلب إلى تصنيع المنتجات العقيمة لتغطية حاجة السوق المحلي منها.
وعن أبرز الصعوبات التي تكتنف الصناعة الدوائية حالياً، بين أوبري أنه وبسبب الحصار المفروض على سورية ونتيجة لقانون قيصر ترفض عدة شركات منتجة للمواد الأولية بيع المواد الخاصة بالتصنيع للمعامل السورية، ومن أجل هذا الأمر تلجأ المعامل إلى عدة طرق وعبر وسطاء شركات تجارية خارجية بغية شراء المواد الأولية كي تستمر في إنتاجها، مما يؤدي إلى زيادة تكلفة الإنتاج. وتكمن المشكلة الثانية بانخفاض سعر الأدوية، فوزارة الصحة سعرت الأدوية بما يتوافق مع السعر التفضيلي للدولار الذي طرحه المصرف المركزي منذ عامين تقريباً أي 1256 ليرة بغية تأمين المواد الأولية، علما بأن سعره الحالي هو 2500، معتبراً أن أسعار الأدوية الحالي دون التكلفة وتكون أحياناً موازية لنصف تكلفة الدواء، ووصف هذه المشكلة بالكبيرة كونها تؤدي إلى نقص شديد بالأدوية الوطنية في الأسواق السورية.
وحول سؤالنا عن الأصناف التي تعجز معاملنا عن إنتاجها أجاب أوبري أن الأصناف السرطانية تأتي في الطليعة وبعض الأصناف الهرمونية، وشرح بعض التفاصيل المتعلقة بهذا الموضوع، فدائماً تتواجد معادلة بين المنتج والصنف الذي يريد إنتاجه، إذ من المفترض حين الشروع في الإنتاج أن يبحث المنتج عن أمرين، أولهما إمكانية الإنتاج ضمن الشروط والآليات المتوافرة، والثاني يتمثل بجدوى الصنف الاقتصادية، فإذا كان الطلب على الصنف قليلاً والجدوى الاقتصادية غير مجدية سيمنعان المصنع من إنتاجه، فضلاً عن أهمية توافر آليات خاصة وخطوط إنتاج نوعية وعليه يقارن المنتج بين عملية إنتاج الصنف وجدواه الاقتصادية، وبين استثماره الضخم وضمان العائد الإنتاجي، وختم أوبري حديثه بالتأكيد على عدم إمكانية إنتاج كل الأدوية محليا للأسباب آنفة الذكر.
البعث