الذهب الأخضر .. من “الحواش والنبر والعصر” إلى طرق اكتشاف المخلوط والمغشوش
شكّل الزيتون عبر التاريخ محصولاً استراتيجياً لسوريا منذ القدم وعلى اختلاف مراحل البلاد التاريخية.
في التاريخ ..
ففي مملكة إيبلا قرب حلب عثر على أقدم الدلائل المكتوبة حول زيت الزيتون، وتحدثت الألواح التي عثر عليها هناك عن أقدم توثيق تاريخي رسمي لمحاصيل الزيت.
وكانت كمية الزيت المتداولة حوالي 700 طن تمتلك العائلة المالكة وحاشيتها لوحدها حوالي 4000 جرة زيت، في حين كانت ملكية الشعب 7000 جرة سعة كل جرة نحو 60 كغ، في دليل تاريخي على أهمية الزيت كمقياس للثروة في مملكة ايبلا.
ويُعتقد أن الفينيقيين كانوا أول من قام بتوسيع انتشار زراعة الزيتون في حوض البحر الأبيض المتوسط لما لهذا المحصول من أهمية في زيادة الثروة، في حين تذكر الأساطير الكنعانية والأوغاريتية ابتهالات للآلهة لحماية المحاصيل ومن بينها الزيتون.
زيت سوريا اليوم ..
وفي سوريا اليوم يعتبر الزيت وبحكم عادات الاستهلاك القائمة أحد أهم محاصيل الأمن الغذائي كونه غذاءً شعبياً واسع الانتشار ومصدراً هاماً للدهون الصحية في التغذية عدا عما يحققه الزيت من مداخيل للمزارعين بشكل مباشر وللدولة بشكل عام.
ويشكل موسم الزيتون جزءاً مهماً من الدورة الاقتصادية في سوريا، وفي محاولة لرصد هذه الدورة الاقتصادية التقى تلفزيون الخبر بعض المزارعين في ريفي طرطوس واللاذقية للوقوف على واقع هذه الزراعة ومكامن الخلل فيها.
ارتفاع تكاليف الإنتاج ..
تحدث المزارع “محمد د” من ريف جبلة لتلفزيون الخبر عن كمية الجهد التي تبذل في عملية “نبر” الزيتون وعدد اليد العاملة الكبير الذي تحتاجه حقول الزيتون وكلفة الأسمدة الكبيرة التي تحتاجها شجرة الزيتون للحصول على كمية زيت ذات جدوى اقتصادية.
وعند انتهاء عملية الجني تصل كلفة العصر إلى 1100 ل.س لكل 80 لتر زيت، وفي حال عدم توافر الأموال مع المزارع تقوم المعاصر بتقاضي أجورها من الزيت المعصور بمعدل لترين من الزيت من كل 18 لتر وهذه الكلفة مرتفعة مقارنة بالجهد الذي يقوم به المزارع.
وعن كلفة عصر الزيتون قال السيد “يحيى محمد” صاحب معصرة “بيلي” في قرية “غنيري” بريف جبلة ، أن تسعيرة التموين هي 65 ليرة سورية عن كل لتر زيت أو ما مقداره 6% من الزيت وأنه نتيجة المنافسة في موسم الزيتون يضطرون لتخفيض سعر العصر.
وتابع أنهم “فعلياً يتقاضون لتر زيت عن كل 18 لتر، أو 2500 ليرة عن كل 18 لتر، وذلك لعدم توافر الكهرباء وارتفاع كلفة المحروقات والصيانة حيث بلغت كلفة صيانة معصرته الايطالية 10 مليون ليرة سورية”.
وأكمل أن “تبعية المعاصر لوزارة الصناعة تحرم أصحاب المعاصر من فوائد كبيرة وتزيد الكلف عليهم، في حين لو كانت التابعية لوزارة الزراعة لتمكنوا من توفير المحروقات لتشغيل المعاصر بأسعار مدعومة توفر عليهم وعلى المزارعين كلف كبيرة، عوضا عن شراء المحروقات بأسعار السوق السوداء”.
غياب التموين عن عمل المعاصر ..
هذا الخلاف بين المزارع والمعاصر ينسحب على كل المزارعين وأصحاب المعاصر في ظل غياب التموين عن متابعة عمل المعاصر، ويلاحظ اختلاف في طرق الكيل والتسعير من منطقة الى أخرى.
في منطقة بانياس، يقول المزارع “الهادي أ ” أن التعامل في ريف بانياس بالرطل وليس باللتر، ويعادل الرطل 3 لتر، وتتقاضى المعاصر عن كل 100 رطل 7 أرطال زيت وأن بعض المعاصر تتقاضى ما مقداره 10 % من كمية الزيت وتتراوح المبالغ التي يدفعها المزارع ما بين 7 الى 10 آلاف ليرة سورية حسب سعر البدون 18 لتر في السوق.
وعن آلية البيع والشراء للزيت تختلف الطريقة حسب المناطق السورية، ففي المناطق المنتجة للزيت من يرغب بشراء الزيت يتواصل مع أحد المزارعين ليؤمن مونته وبعد حرائق الساحل السوري ارتفعت أسعار بدون الزيت من 70 ألف إلى ما يقارب 150 ألف في السوق.
أما البيع في المناطق التي لا توجد فيها زراعة الزيتون يختلف السعر حسب التاجر وسياسة العرض والطلب، حيث تنخفض الأسعار أثناء الموسم وترتفع بعد انتهائه، خاصة أن شجر الزيتون يعطي محصوله كل عامين.
كيف تقاس جودة الزيت ومن يتحكم بالسعر؟
تقاس جودة الزيت حسب نسبة الأسيد الموجودة فيه وتختلف هذه النسبة حسب نوع التراب المزروع به الشجر ونوع الغراس وكمية الهطول المطري، وتوجد مقاييس خاصة لمعرفة جودة الزيت، ويعد الزيت عالي الجودة للتصدير في حين تترك بقية الأنواع للاستهلاك المحلي.
المتحكم الأكبر بسعر الزيت هم تجار المادة وأصحاب المعاصر، حيث يقوم التجار بالمرور على القرى وشراء الزيت من المزارعين أو المعاصر مما يفرض قيمة سوقية للزيت محكومة بالعرض والطلب.
ويصار الى تخزين الزيت وتصديره أو إعادة بيعه للسوق المحلية بأسعار كبيرة بعد انتهاء المواسم، وتؤثر طريقة عمل المعاصر على جودة الزيت حيث يقوم أصحاب المعاصر بخلط الزيوت التي يتقاضونها من المزارعين قبل بيعها مما يؤثر على طعم الزيت واختلاف نسبة الأسيد.
كيف أتعرف على الزيت المغشوش ؟
للزيت حساسية كبيرة لطرق الحفظ، الرطوبة والضوء ونوع الوعاء الذي يتم تخزين الزيت فيه حيث تؤثر بشكل كبير على طعم الزيت، كما يقوم البعض بخلط الزيت بكميات من الزيوت النباتية، قد تصل لأكثر من 2 لتر نباتي مقابل 1 لتر زيت زيتون، بقصد الغش وبيع كمية كبيرة على أنها زيت زيتون نتيجة الفروقات بين سعر زيت الزيتون مقارنة بسعر الزيوت النباتية الأخرى.
كما تعددت الطرق الشعبية لمعرفة الزيت المغشوش وأغلبها يعتمد على التذوق، البعض يقول ان نسبة “الحدودية” هي المقياس، فكلما كان أكثر حدودية كلما كانت كمية الاسيد فيه أكثر
في حين الطريقة الوحيدة العلمية للتأكد من جودة الزيت هي عن طريق أخذ عينات وتحليلها في مخابر الأغذية.
وتعاني سوريا من قلة مخابر الأغذية، ليبقى موضوع تحديد جودة الزيت أو عدم غشه رهن التقصير التمويني والمؤسسات الحكومية في ظل استمرار اسلوب العمل المتبع الحالي.
ويطالب الكثير من الفلاحين بتوفير معاصر زيتون للدولة تنافس المعاصر الخاصة ليتحرروا من سطوة أصحاب المعاصر، وزيادة المتابعة التموينية لتحديد جودة الزيت وتسعيره.
كما يستغرب البعض إهمال الدولة من الناحية التسويقية لأن الأرباح تذهب لجيوب التجار عوضاً عن خزينة الدولة، خاصة في ظل الأزمة السورية وما يمكن أن يحققه محصول الزيتون من مدخول من القطع الأجنبي للبلاد.