في السويداء .. أزمة أخلاق أم هدنة يحلها الوقت والمستقل القريب هل سيطرت العصابات على الحياة العامة بعد اعتكاف المصلحين والمثقفين..؟
صاحبة_الجلالة – ضياء الصحناوي
لم يكن يعيش أهالي محافظة السويداء في مجتمع مثالي كما يصوره الكثيرون قبل الحرب الأخيرة، فقد كان هناك اللص والإقطاعي الظالم، والقاتل الذي تنجيه الأعراف والتقاليد، والانتهازي الفاسد الذي استغل معارفه أحسن استغلال.
وبقي لقب "بني معروف" سيد الحسابات لدى أهالي المحافظة والسوريين على السواء، وهو لقب عززه لجوء العديد من الدخلاء طلباً للحماية، وهروباً من مصير ينتظرهم، واكتسب أهالي هذه المنطقة العديد من الألقاب منها الكرم والشجاعة، لكن ما يعيبها تحكم عدد قليل من الأشخاص بكل شيء، والامتيازات التي كرستها السلطات أيام العثمانيين والفرنسيين والتي استثمرها هؤلاء بشكل كامل حتى اللحظة، ما جعل المثقفين وأصحاب العقول تقف متفرجة أو تهاجر.
وبعد سنوات الأزمة والحرب، طفت على السطح طبقة اللصوص والمهمشين والمعفشين الذين وجدوا متسعاً لحلم الثراء بعيداً عن العادات والتقاليد المعروفية الأصيلة، وهم لا يشكلون 1 % من عدد السكان، لكنهم سيطروا بشكل كبير على الحياة رغم محاولة المجتمع المدني تشكيل قوة مضادة، وسط غياب كامل للرادع الأخلاقي والديني، والقضاء الذي كان الحلقة الأضعف في كل ذلك، مع غياب الأمن والخوف من ردات الفعل الانتقامية، فتشكلت عصابات كبيرة، وتخصصت في الخطف والتهريب والسرقة والسطو، والمخدرات.
يقول الكاتب السوري "وليد شعيب" مؤسس مجموعة أبناء السنديان أن الأزمة قديمة؛ لكن لم تكن متفاقمة كما هي اليوم. لعدة أسباب أهمها أن المجتمع فيما مضى كانت تحكمه أعراف متماسكة مع وجود رجالات محترمين، وكانت أحكام المجتمع قاسية لا يقوى على تحملها الفرد آنذاك.
ويضيف أن الناس يعيشون نفس الظروف الاقتصادية بشكل عام في المأكل والملبس، ولا يعرف الغني إلا بسندات التمليك، ونتيجة ازدياد عدد السكان واستلام الأحزاب للحكم آنذاك؛ استخدموا مبدا الهرم المقلوب، فحكموا قاعدة الهرم برأسه التقليدي.
وجاءت الوحدة مع مصر لتزيد الطين بله، وقد زرعوا نظام المخابرات واستخدموا ضعاف النفوس، وقضوا على الديمقراطية والتطور الذي كانت تقوده البورجوازية الوطنية، وبات بعدها كل عمل مرهوناً بالولاء والطاعة أو التعرض لمخاطر الاقصاء والاعتقال والمحاربة بلقمة العيش. فراحت الناس تفتش عن مصالحها، ومن يطعمها تخضع لإرادته.
وختم شعيب رأيه قائلاً: مع بداية الحرب؛ دخل المال غير النظيف الذي ساهم أكثر في تردي الاخلاق والذي دعمته ثلاثية السلطة والمال وسدنة الدين.
ويرى الناشط في المجتمع وصاحب المبادرات الاجتماعية شريف المقت أن السويداء لم تكن (المدينة الفاضلة) عبر سنوات نشأتها وتوسعها الديموغرافي، فحكايات السلب وقطع الطرق في بداية تكونها جاء نتيجة الظروف المحيطة والمجتمع البدوي الذي تأثرت به، ولكنها ولأسباب متعددة كانت المحافظة الأقل في الأعمال اللاأخلاقية، مؤكداً أنه لا يخلو أي مجتمع من عديمي الأخلاق الذين لا يتورعون عن ارتكاب أبشع الجرائم بحق مجتمعاتهم، مع اختلاف مستويات تلك الجرائم، ففي السويداء ككل المحافظات كان هناك سارق البيوت والمحال التجارية أو سارق المحاصيل الزراعية والكروم، ولكن قلما كان هناك خاطف أو قاتل أو مغتصب، وذلك لشدة التزام المجتمع، والإيمان بعلاقات القربى التي تربط عائلات الجبل مع بعضها.
وأضاف المقت: لا يخفى على أحد أن قلة السكان وتلاقي الناس الدائم بالمضافات والمناسبات يجعل المجتمع منكشف وسريع العلم بأي حدث يحصل، فيكون العقاب الاجتماعي الصارم بمقاطعة عائلة الفاعل، وإقامة الحرم الديني الذي هو من أقسى العقوبات التي يخافها كل ملتزم بالدين.
مضيفاً أن كل ذلك كان يقلل من انتشار وتوسع الجريمة وانحسارها بأشخاص محددين، ولكن كانت سياسة المجتمع المتبعة بعدم إثارتها؛ يساهم بعدم توسعها وانتشارها، وكان هذا كمن يخبئ الثعبان تحت المخدة.
ساعدت الأزمة السورية المستمرة على انتشار حالات الخطف والقتل والنهب تحت مبررات مختلفة، كما ساهم ضعف الأمن والفساد؛ بنشر الانطباع لدى الطبقة المجرمة بعدم وجود الرادع والعقاب. وهناك من عمل على كسر هيبة المجتمع وتحطيم صورة رجال الدين والمجتمع، ولو أن جزءاً من هؤلاء قد ساهموا شخصياً بكسر هيبتهم بالوقت الذي كان المجتمع يناشدهم بضبط إيقاع الحياة الاجتماعية، وإيجاد الحلول الرادعة والحاسمة .
وبات الإعلان عن تكوين عصابة وخطف الضيوف والتباهي بالثراء الإجرامي، والسيارات المسروقة أمراً عادياً، ما ساهم بتغول هؤلاء المجرمين، وعدم تحمل عائلاتهم المسؤولية، كل ذلك فتح الباب واسعاً أمام تلك الشرذمة لتكون من صفوة المجتمع كما أكد المقت.
والحل برأي المقت قيامَ ثورةٍ اجتماعية حقيقية، والاتفاق على عقدٍ اجتماعي جديد، يعملُ على بترِ هذه الحالة التي تكادُ تترسخُ بالمجتمعِ، وتغدو جزءاً منه مع ضعفِ وقلة الحالات الخيرة والإنسانية على أهميتها، والمواقفُ الاجتماعية التي ترفعُ من معنويات الشرفاءِ، وتساهمُ بانتشالِ المجتمعِ من الوباء الإجرامي البشع الذي ألم به.