تجربتي مع الله

إعداد : وسام النمر

لماذا مجتمعاتنا تحظى بكثرة الانتقادات الهدامة , زاعمين أنهم على صواب وأنهم يحسنون صنعاً ؟

إن افترضنا أن هناك عيوب فقول الشاعر هو : شغلتني عيوبي عن عيوب الناس فلا تؤاخذني

فذاك همي ، لمن أراد أن يدعو لي أو يذكرني

أشرت بأصبعي، فإذا بي أرى أصبعي يذكــّرني .
هل ابن سينا الفقيه في دينه أبو الطب الحديث كما سماه الغربيون في العصور الوسطى, كانت دروسه الدينية لا تتماشى مع الحياة وكانت عقبة في رغد عيشه وإبداعه الطبي؟! , وهو أوَّل من وصف التهاب السَّحايا الأوَّليِّ وصفاً صحيحاً، ووصف أسباب اليرقان ، ووصف أعراض حصى المثانة.
هل ابن النفيس الفقيه في دينه كانت دروسه الدينية حاجزاً أمام اكتشافاته الطبية العالمية التي أسست لنهضات الطب العالمي ؟! وهومن اكتشف الدورة الدموية الصغرى وكان رئيساً لأطباء مصر في زمنه .

الأستاذ هنائي الأورفه لي - مدرس ديني ومدير مكتب مدير أوقاف ريف دمشق ..

يروي قصة علاقته مع الله قائلاً : عندما ضاقت بي جميع السبل ، كان ملاذي الوحيد السفر خارج البلاد , عند أحد أقاربي الذي ما انفك وهو يغريني بجمال البلاد ، والمستقبل الباهر الذي ينتظرني هناك ,وكانت الأيام تمر ببطء شديد ، وأنا أنتظر بشغف خبر موافقة السفر ، لكن تلك اللحظات اتسمت بطابع أحادي ألا وهو استهجان كل من حولي بأمر هذا السفر، اللهم إلا الثلة القليلة ، ومن جهة أخرى تخلى الأقارب والأصدقاء وبعض المحبين عني إلا ما ندر ..

فلم يكن أمامي إلا أن أسعى لأحظى بفرصة السفر ، التي كنت أراها السبيل الوحيد للسعادة ، ومع ذلك كله لم أنقطع في تلك الفترة عن متابعة دراستي الشرعية ,ودخلت مجال الدراسات العليا ، بالإضافة إلى ذلك مواظبتي على دروس العلم الأسبوعية في المسجد من درسين إلى ثلاثة ، وهي دروس سيدي الإمام الشهيد السعيد العلامة محمد سعيد رمضان البوطي رحمه الله تعالى , والتي كنت أحرص عليها الحرص الشديد على أن لا يفوتني درس من هذه الدروس القيمة ، مهما كانت الظروف التي أمر بها

, حتى أني كنت أجد في تلك الدروس الملاذ , لا بل الحياة والعالم الآخر إن جاز لي التعبير عنه ، أنظر من خلال تلك الدروس إلى الحياة بنظرة تأمل تزيد ثقتي وأملي بالله سبحانه أكثر فأكثر , كنت حينما أعود من تلك الدروس كعودة المنتشي من حضرة ذلك العالم الرباني ..

ويؤكد الأستاذ هنائي قائلاً : كانت مواظبتي على هذه الدروس ، تجعلني أواجه انتقادات الكثيرين من حولي ، لا سيما الأصدقاء, مبدين آراؤهم السلبية كما كنت أراها ، قائلين وناصحين لي عن هذه الدروس التي ألتزم بحضورها بأنها :
( ليست إلا دروس دينية تقليدية لا تسمن ولا تغني من جوع , ولا تغني عن متطلبات الحياة الكثيرة ، وأن مستقبلك سيضيع إن أنت بقيت دون أن تلتفت إلى أمور دنياك ، ومن وجهة نظرهم أن تلك الدروس لا تتماشى مع متطلبات الحياة ، لذا يتوجب علي الانصراف عنها كي أضمن مستقبلي ورغد عيشي ) , تلك الترهات التي كنت أسمعها لم تزدني إلا شدة في الحرص بالمواظبة على تلك الدروس، وأنا أعلم تمام العلم بأن الله لن يتخلى عني أبداً..

وتمضي الأيام وأنا أنظر اليوم بعينين تفيضان بالدمع أمام لطف الله بي حيث أنظر إلى نفسي الآن , وما آلت بي الدروس ، وماذا أورثتني ..

كيف لا وقد وقفني الله سبحانه وتعالى وشرفني بتأليف كتاب المنهج الرباني في فكر وسلوك الإمام البوطي رحمه الله وقد تحدثت فيه عن المنهج الرباني الذي تركه لنا هذا الإمام والعالم الرباني في حاله ومقاله .

عندما أعود إلى نفسي لأتساءل ومن أنا!؟ حتى يعطيني الباري سبحانه وتعالى هذا الفضل والشرف الكبير الذي أكرمني به , لأجد جواباً واحداً يقول لي : إنه كرم الله سبحانه , ما عهدت منه إلا اللطف و الخير والكرم و الجود .

وجدت في ذات يوم أن الخير والسعادة لي لا تكمن إلا في السفر ، لكن الله لم يقدره لي وهيأ لي الأفضل الذي أجد فيه سعادتي الحقيقية في دنياي سبحان الله وفوق تدبيرنا لله تدبير, ثابرت على تلك الدروس كبذور في تربة خصبة ، وها أنا الآن أقطف تلك الثمار ولله المنة و الفضل ...

ورحم الله ابن عطاء السكندري القائل : " لا تطلب منه أن يخرجك من حالة ليستعملك في أخرى فلو أرادك لاستعملك مع غير إخراج " .