مراقبو حماية المستهلك..عيون مغمضة وجيوب مفتوحة
صاحبة الجلالة _ أحمد يوسف:
انصاع البائع أخيرا لرغبة الزبون الذي نجح في إقناعه بأن يقطع له من لحم الفخذ، وبينما انشغل، أو تشاغل، الأخير باللمس على شاشة جهازه الخلوي بانتظار ان تجهز طلبيته من اللحم الذي اعتقد أنه اختاره بعناية، كان البائع أعد خطته المحكمة القابلة للتكرار طيلة اليوم، والقائمة على تنويع وتطوير تقنيات الغش، التي لا بد وأن تنطلي على هذا الزبون وغيره، مهما بلغت شدة حرصهم وحذاقتهم..
يتمتع هذا البائع، الذي يمارس "مواهبه" من محله في سوق باب سريجة الشهيرة وسط دمشق، بخفة يد على نحو لافت، فهو لا يحتاج سوى ثوان حتى يسحب القطعة التي طلبها الزبون بيد، ويضع بالأخرى قطعة مجهولة المصدر، كما المنشأ، لتصبح بذلك خلطة الغش جاهزة للفرم على طريقة "جلاميط" أبو رياح في مسلسل صح النوم، ولا ينقصها سوى المزيد من عبارات الوداع بعد أن يبتلع الزبون الطعم من قبيل: "شرفت..المحل محلك..بالهنا..".
"صاحبة الجلالة".. رصدت، سواء بالمشاهدة المباشرة أم عبر آخرين، حالات غش أخرى لا تخلو من "الإبداع"، وهي تبين إلى أين يمكن أن يصل الإنسان إن أراد أن يتشيطن، وإن أعماه المال والجشع..وإليكم بعضا من منتجاته..لبنة عالية التركيز والمزج بالسبيداج المادة ذات المنشأ الكيميائي التي تخلط عادة مع معجون طلاء الجدران لتعطيها مزيدا من التماسك والجفاف..شطة قوامها نشارة الخشب..قمر الدين بنكهة قشرة البرتقال..خلطة لحم "مختلف ألوانه" ليس أفضلها جاموس أميركا اللاتينية، والقائمة تطول..
باعة حريصون على سمعتهم، كما لقمة الحلال، قالوا لـ "صاحبة الجلالة" إن الغش وإن بدا ظاهرة مستفحلة، إلا أن ذلك لا يعني عدم وجود باعة وتجار حريصون على نصح الزبائن، وعلى بيع منتجاتهم بما يرضي الزبائن، ويتناسب وقدراتهم الشرائية، بحيث يجد كل منهم ما يناسبه، ملمحين إلى أن جزءا مهما من الغش الذي يسود الأسواق، إنما يرجع لضعف الرقابة ونفوس بعض مراقبي حماية المستهلك، الذين يغمضون عيونهم بالتزامن مع فتح جيوبهم، وليبقى المستهلك البائس في ذمة الله..!