المثقف السوري بين الواقع التراجيدي وتهريج الدراما
تعمدت الدراما السورية تهميش المثقف في غالبية أعمالها ولم تحاول أن تقدمه إلا في حال كان هناك ضرورة لوجوده، لكن مع الأسف حتى في الأعمال القليلة التي ظهر فيها لم يقدم إلا كشخصية هزيلة مثيرة للشفقة أو الضحك فقط، وأحيانا مصابة بأمراض نفسية وجنون العظمة كأنها تريد الانتقام منه، لكن هل يمكن اعتبار كتاب النصوص الدرامية هم العدو الأول للمثقف السوري، أو أنه رأس المال الجاهل الذي ينتج تلك الأعمال ويتحكم بالأقلام المبدعة في نسج حكاية درامية يظهر فيها المثقف السوري بشكل غبي أو هزلي أو غريب الأطوار؟ حال المثقف السوري في الدراما والواقع لا يختلف في الوطن العربي وكأن هناك اتفاق بين شركات الإنتاج فالكل يحاول إدانته سواء في السينما أو التلفزيون، ولا يظهر للمشاهد إلا كحشاش أو قذر لا يهتم بنظافته الشخصية أو معقد نفسيا، البعض يعتبر أن تلك العدائية ناجمة عن العقلية التي تتحكم بالإنتاج. عقلية التاجر التي تعتبر أن الدراما مجرد صناعة يجب أن تكون رابحة من دون أن يعنيها الارتقاء بالجمهور، فما يعنيها أن تضحك الوعي العام وتسايره من دون أن تحاول تطويره، وكون رأس المال جاهل فهو بالضرورة لا يمتلك رؤية مختلفة عن السائد أو فكرة خلاقة جديدة تبتعد عن القصص العاطفية وسفاح القربى والشهامة المصطنعة، والنخوة الخلبية، فهي مواضيع سهلة سطحية استهلاكية لا تحتاج أكثر من شوارب وخنجر وأنثى ضحية. لقد شاهدنا كيف صورت الدراما السورية الشاعر والروائي والناقد الصحفي والفنان التشكيلي والممثل المسرحي، كلها كانت شخصيات للتهريج وإضحاك المشاهد حولت المبدع من شخص قيادي مسؤول عن تقدم المجتمع وتنويره إلى شخصية ثانوية ضعيفة، لا ننكر أن المثقف مغيب في الواقع عن الحياة العامة ولا دور له في الحياة إلا من خلال السلطة أو ما عرف بمثقف السلطة أو مثقف الاتحادات، لكنه في النهاية مجرد نمط من غير الصحيح تكريسه في الأعمال الدرامية كما في الواقع. المحزن أن المثقف لا مجال لتقديمه بصورة صحيحة إلا في الأعمال الاجتماعية، لكن مع ذلك كانت هذه الأعمال عدوا له ولم يقدم إلا بشكل كوميدي كما في مسلسل « الفصول الأربعة» شخصية «برهوم- أندرية سكاف» الشاعر الشره العاطل عن الشعر والعمل، المنتظر دائما ما يجود به عليه صاحب معمل الجوارب الذي يكلفه بكتابة دعاية لما ينتجه معمله، كما شاهدنا كيف تتم معاملته من قبل أفراد العائلة، وهي صورة قريبة للشاعر «أبو النواس – سامر المصري» في مسلسل «مشاريع صغيرة»، الشاعر الذي كان يؤلف قصائد خاصة بالأعراس ويتقاضى مقابلها أدوات منزلية مصنوعة من الألمنيوم حتى تحول بيته إلى متجر لبيع صواني الألمنيوم الكاسدة. في الأعمال الكوميدية قدم مسلسل «قانون ولكن» شخصية الشاعر الأفّاق الذي يسرق القصائد من دواوين قديمة، ويقدمها لحبيبته مقابل مبالغ زهيدة على أنها من شعره وهي بدورها تنشرها باسمها في الدوريات الثقافية، كما قدم الفنان قصي خولي دور الصحفي الذي يؤلف الجرائم لينشرها ويتقاضى مقابلها بعض المال في العمل ذاته. قدم ناجي طعمة أيضا في مسلسل «حارة المشرقة» شخصية الشاعر والصحافي الانتهازي والمعدم «منتصر- محمد خير الجراح»، المنفصل عن واقعه فهو كان حريصا على الظهور بأبهى حلة بالطقم الرسمي، وفي جيبه أغلى أنواع التبغ بينما في الحقيقة لم يكن في بيته رغيف خبز واحد. وفي العمل ذاته شاهدنا الفنان التشكيلي «أبو فريد- بشار اسماعيل» الرسام المعقد الانعزالي الذي يتوهم الشهرة والعالمية ويفرض على بيته طقوس غريبة بحجة أنها طقوس الفنان، وشاهدنا كيف يعامل أسرته ويسجن ابنته الشابة في غرفتها مع أنه يدعي الثقافة والتحرر. نذكر أيضا كيف استعرضت الدراما العلاقة المشوهة بين المثقف والسلطة، وكيف جعلت كل المثقفين ينتمون إلى اليسار كما في شخصية «صبحي ياسين- أيمن رضا» في مسلسل «عناية مشددة»، ولم يكن في أي عمل المثقف إلا معارضا للسلطة رافضا للاستبداد والدكتاتورية، لكنه يظهر بدور ثانوي غير مؤثر ملاحقا مهزوزا محاصرا ضعيفا، ويكون مصيره السجن أو تملق السلطة كما في مسلسل «غزلان في غابة الذئاب»، الدور الذي قام فيه صاحب دار النشر الفنان جهاد سعد، وكيف كان يطبع ويبيع الكتب المؤلفة بتعميم من أحد المتنفذين. من أسف، ما زالت صورة المثقف السوري مشوهة منذ بدايات التلفزيون من أيام حسني البورظان، والمقال الذي عجز عن كتابته «إذا أردنا أن نعرف ماذا في إيطاليا علينا أن نعرف ماذا في البرازيل»، والصراع ما زال قائما، بين أصحاب رؤوس الأموال والمثقف بسبب الجهل، وبين السلطات والمثقف بسبب الأفكار والأيدلوجيات. ولهذا لن نرى المثقف في الدراما إلا صاحب شخصية انعزالية غريبة الأطوار، خائفة، جائعة، أو متعجرفة، متأبطة الصحف أو الكتب في كل مناسبة حتى في ليلة عرسها. الايام - لؤي ماجد سلمان