تمثال نفرتيتي الذي رفضت ألمانيا التخلي عنه وطالب به الملك فاروق واستعد هتلر لإنشاء متحف من أجله.. هل يعود إلى مصر بعد قرن على اكتشافه؟
طالب المحامي نبيل فزيع باسترداد تمثال نفرتيتي من ألمانيا، وجاء قرار الدائرة الأولى بمحكمة القضاء الإداري بمجلس الدولة في يونيو/حزيران الماضي بحجز الدعوى للنطق بالحكم يوم الثالث من سبتمبر/أيلول 2018. ويعد تمثال نفرتيتي واحداً من أشهر القطع الأثرية في العالم، كما أدرجته مجلة تايم ضمن أبرز 10 قطع أثرية مهربة، ولكن ما قصة هذا التمثال وصاحبته؟ حكمت نفرتيتي مصر مع زوجها، وتزوجت إحدى بناتها من توت عنخ آمون «الجميلة أتت» هذا ما يعنيه اسمها ونسبها مجهول، إلا أن أغلب الأقوال تشير إلى أن مُرضعتها كانت زوجة «آي» Ay أحد كبار الشخصيات، وأصبح فرعوناً للبلاد بعد توت عنخ آمون. حكمت نفرتيتي الدولة المصرية القديمة إلى جانب زوجها الفرعون إخناتون «أمنحتب الرابع» في الفترة ما بين عامي 1353 و1336 قبل الميلاد. بعدما دعا أمنحتب الرابع لعبادة الإله الواحد متمثلاً في قرص الشمس، وغير اسمه إلى إخناتون، في حين أضافت نفرتيتي إلى اسمها لقب نفر نفرواتن ليعني «يشرق آتون لأن الجميلة قد أتت». رافقت نفرتيتى زوجها في النقوش الموجودة على جدران المقابر والمعابد التي بُنيت في عهده، لكنها لم تكن زوجته الوحيدة، فقد اتخذ لنفسه زوجات أخريات بعدما أنجبت له نفرتيتي 6 بنات. تزوجت الابنة الثالثة لها من توت عنخ آمون أحد أبناء إخناتون من إحدى زوجاته الأخريات. اكتشف التمثال في ورشة نحّات وبه بعض الأضرار، وادعى مؤرخون أنه غير أصلي ففي ديسمبر/كانون الأول عام 1912 أثناء عمليات حفر البعثة الألمانية للبحث عن آثار مصرية في منطقة تل العمارنة التابعة لمحافظة المنيا جنوبي مصر، عثر فريق التنقيب الأثري بقيادة عالم المصريات الألماني «لودفيغ بورخارت» على تمثال رأس نفرتيتي بداخل ورشة النحّات تحتمس. ويعتقد عالم المصريات الفرنسي ألان زيفي أن النحّات المصري تحتمس هو مَن خلّد ذكرى نفرتيتي من خلال نحت هذا التمثال البالغ ارتفاعه 48 سنتيمتراً ويزن 20 كيلوغراماً. والتمثال مصنوع من الحجر الجيري، ومغطى بطبقة من الجص الملون، وقد قال بورخارت إن التمثال يعد من أكثر القطع الفنية حيوية. والتمثال له عين واحدة مصنوعة من الكوارتز، ويبدو أن النحات لم يتمكن من استكمال صنع العين اليسرى لأسباب غير معلومة. ويرتدي التمثال قلادة ملونة، وتاجاً أزرق كبيراً، وكان يوجد كوبرا على الجبين إلا أنها مكسورة حالياً، كما أن الأذنين بهما أضرار. وأظهر تصوير مقطعي محوسب للتمثال أن الوجه منحوت بعناية فائقة أظهرت الانتفاخات أسفل العيون، والتجاعيد حول الفم، وانتفاخ في الأنف، إلا أن طبقة الجص الملونة النهائية استطاعت أن تخفي كل هذه الآثار ليبدو التمثال أكثر جمالاً. إلى الآن لم يُكتشف مكان تواجد جثمان نفرتيتي، وتذهب الآراء إلى احتمال وجودها ضمن الجثث المجهولة التي عُثر عليها في وادي الملوك والتي يذهب أغلب الظن إلى أنها تابعة لواحدة على الأقل من مدافن تل العمارنة التي نُقلت إلى الوادي في عهد الملك توت عنخ آمون. في عام 2009، زعم المؤرخان أردوغان إركيفان وهنري ستيرلين أن التمثال منحوت حديثاً في القرن العشرين، وكان وسيلة لاختبار الصبغات من قِبل ناحته، إلا أن الاختبارات الإشعاعية الحديثة أثبتت أن التمثال كان عمره أكثر من 3000 سنة. خرج بخدعة فرنسية ألمانية وأُخفي في منجم للملح أثناء الحرب العالمية الثانية وفقاً للقانون المصري آنذاك، كان يحق للمنقبين عن الآثار من غير المصريين الحصول على بعض اكتشافاتهم نظراً لتقديمهم الخبرة والأموال، وكان من حق الدولة المصرية الاعتراض على منح قطع أثرية محددة. في إحدى الوثائق العائدة لعام 1924، زعم بورخارت أن التمثال مصنوع من طبقات الجبس وليس الحجر الجيري محاولاً بذلك تزييف الحقائق. لم يترك غوستاف ليفيفر -عالم المصريات الفرنسي الذي كان لديه مهمة تعيين الاكتشافات- أي سجل لقراراته بشأن التمثال. وقد أوضح المستشار أشرف العشماوي بعد استقالته من اللجنة الوطنية لاسترداد الآثار المهربة لجريدة الدستور في عام 2014، أن بورخارت قد خدع مصلحة الآثار المصرية ممثلة في غوستاف ليفيفر، المفتش فرنسي الجنسية. فأثناء عملية التقسيم بين الجانب المصري والبعثة الألمانية لم يعاين ليفيفر رأس التمثال وإنما شاهد له صورة فوتوغرافية موضوعاً في صندوق خشبي وإضاءة سيئة. ولم يكتفِ بورخارت بهذا فقط إنما وصف التمثال بأنه قطعة من الجبس لأميرة من العائلة الملكية، وهو ما تم تسجيله بالفعل في محضر القسمة؛ لأن قانون القسمة كان لا يسمح بخروج القطع الأثرية النادرة الخاصة بالملوك. وتمكن بورخارت من إخراج التمثال من مصر في يناير/كانون الثاني 2013 مع بعض القطع الأثرية الأخرى التي ذهبت إلى متحف برلين، بينما ذهب التمثال إلى منزل الدكتور جيمس سيمون ممول أعمال الحفر والتنقيب. وبدأ عرض التمثال للجمهور في متاحف العاصمة الألمانية برلين منذ عام 1923، إلا أنه خلال الحرب العالمية الثانية تم إخفاؤه في منجم للملح، ويوجد التمثال حالياً في المتحف الجديد Neues Museum بالعاصمة الألمانية برلين. نزاع طويل لاسترداده.. طالب به الملك فاروق واستعد هتلر لإنشاء متحف من أجله بعد ظهور التمثال في معرض برلين الوطني بدأت الجهات المصرية في إجراء مفاوضاتها تحت إشراف مدير خدمة الآثار المصرية من أجل استعادة التمثال، ولكن من دون جدوى، وفي عام 1925 رفضت مصر منح أي إذن تنقيب لألمانيا كتهديد لاستعادة التمثال، إلا أن هذا التهديد كان دون جدوى أيضاً. وفي عام 1929 قدمت الحكومة المصرية عرضاً لتبادل التمثال بمجموعة من القطع الأثرية الأخرى، إلا أن هذا العرض لم تتم الموافقة عليه. وفي عام 1935 وافق رئيس وزراء بروسيا هيرمان غورنغ على إرسال التمثال إلى مصر، إلا أن أدولف هتلر رفض هذا الأمر وقال إنه سينشئ متحفاً خاصاً بالتمثال الرأس، وبعد انتهاء الحرب العالمية الثانية، وفي عام 1946 تحديداً، أرسل الملك فاروق طلباً رسمياً لاستعادة التمثال، إلا أن هذا لم يجدِ نفعاً، وفي الفترة ما بين عامي 1995، و2005 طالب الدكتور زاهي حواس -أمين عام المجلس الأعلى للآثار- منظمة اليونسكو بالتدخل لإعادة التمثال إلى مصر، وفي 2009 حاولت مصر الحصول على التمثال على سبيل الاقتراض، إلا أن الجانب الألماني رفض هذا الطلب أيضاً. في عام 2011 رفضت مؤسسة التراث الثقافي البروسية -تدير متحف برلين الجديد الذي يعرض التمثال- طلباً للمجلس الأعلى للآثار بمصر باستعادة التمثال، وأوضح رئيس المؤسسة أن التمثال بمثابة سفير مصر في ألمانيا، ولا توجد نية لإعادته لمصر. وترفض الجهات الألمانية نقل التمثال إلى مصر معللة ذلك بأن حالة التمثال ليست جيدة، كما أنه قد يتعرض للتهشم عند نقله بسبب الاهتزازات أو التصادم، كما أكد وزير الثقافة الألماني أنه لا توجد شكوك حول الملكية القانونية للتمثال. بين اتفاقيات اليونسكو وعدم وجود دليل.. القوانين الدولية ليست في صالح مصر هناك أكثر من 180 دولة في العالم وقعت على اتفاقية اليونسكو للمساهمة في إعادة الآثار المهربة إلى أوطانها، إلا أنه لسوء الحظ لم توقع ألمانيا على هذه الاتفاقية. لكن الصورة ليست قاتمة، فحسبما أوضح المستشار العشماوي، فإن مصر في تلك الأحيان كانت واقعة تحت الاستعمار البريطاني، ولم توقع على اتفاقية التقسيم ما يمنحها حق إثبات ملكيتها لرأس نفرتيتي. في نفس الصدد، أكد خالد العناني، وزير الآثار المصري، في 2017 أن القانون الدولي يقف حائلاً أمام استرداد آثار مصر المهربة للخارج، وقال إن هناك نصاً في اتفاقية اليونسكو يشترط تقديم سند ملكية للآثار كشرط لاستعادتها. وهذا يعني أن الآثار المرقمة التي اكتشفتها الدولة ثم سرقت فيما بعد يمكن استعادتها بسهولة، أما الآثار غير المرقمة التي لم تدرج ضمن آثار الدولة فإنه من الصعب جداً استعادتها. كذلك الرأي الخاص لزاهي حواس، فلا يمكن استعادة الآثار المصرية الموجودة في الخارج بالقانون، فاتفاقية اليونسكو والقانون الدولي ليسا في صالح الجانب المصري. فعلى سبيل المثال تنص المادة الرابعة من اتفاقية اليونسكو التي وقعت عليها مصر أنه لا يمكن إعادة الآثار لبلادها في حال توافر أربعة شروط: عند خروج القطع الأثرية بموافقة الحكومة فلا يحق لها المطالبة بها مجدداً. لا يسمح باستعادة القطع الأثرية التي خرجت بالقسمة. عند خروج القطع الأثرية بالتهريب مع علم الحكومة بالتهريب وعدم محاولة منعه. في حالة إهداء الرؤساء قطع أثرية لرؤساء بلدان أخرى، فلا يحق حينها استعادتها. عربي بوست