صاحبة الجلالة_ لور أحمد  :

"رح نبئا نحنا هون ويفنى كل الكون"..انسابت تلك الكلمات إلى أذني صباحا ..أعادتني 8 سنوات إلى الوراء ..تحديدا إلى المقهى الذي اعتدنا الاجتماع فيه مع الشلة مساء الخميس من كل اسبوع ..كل شيء بدا كأنه الآن..

يال قدرة الموسيقا على تجسيد الأشياء والذكريات وإعادتها بلحظة واحدة إلينا .. لا أنسى تلك الجملة ماحييت ..

كانت تصدح جوليا بها بأعلى صوتها عند وصول مضر متأخرا علينا كعادته..ضحك وقال " أصلا جوليا عمتغنيلنا ..هي بتقصد رح نضل رفقة طول العمر ونختير سوا بالشام" ..علقت رشا لو سمعت جوليا كيف تشرح معنى الأغنية كانت لتنتحر ..وضحكنا جميعا...مازلت  أستطيع أن أسمع صدى الضحكات..........رنين جوالي أعادني بسرعة خاطفة إلى حيث كنت في غرفتي.. رقم غريب من كثرة أرقامه عرفت بأنه خارجي ..أجبت على مضض ..وكم أفرحني سماع ذلك الصوت ..إنها ديمة تطمئنني بأنها وصلت هي ورشا إلى ألمانيا وهما بخير....رشا وديمة أصغر أعضاء شلتنا ..فقدتا والديهما اثر قذيفة هاون ضربت منزلهما في جرمانا منذ سنة ..لم تحتملا البقاء بلا مأوى أو عمل فقررتا الرحيل ..

كانتا آخر من سافر بعد سفر جميل إلى دبي..وصلتني منه رسالة إلكترونية البارحة يطلب مني فيها أن أزور ضحى الفتاة التي يحبها لأخبرها بأن تنتظره قليلا..فقد تحسن وضعه وربما يعود لخطبتها في آخر هذا العام ..

كانت قد قطعت كل اتصالاتها به بعد سفره ..آلمها رحيله كثيرا .. كنت عازمة على الذهاب عصرا إلى بيت ضحى برفقة سهر عندما رن المنبه ..اي موعد ذاك الذي حددته ونسيته ؟؟ 20 /4 / 2013 لم استطع منع الدموع من الانهمار إنها الذكرى الرابعة لاستشهاد مضر..كيف أنسى ذلك ..رحمة الله عليك كم نفتقدك..هاتفت سهر التي لم تكن قد نسيت هذا التاريخ أبدا ..قصدنا بعد ساعة مقبرة الشهداء ووضعنا الورود على قبره "الجوري مع الياسمين" كما يعشقها مضر.

طغى علينا جو حزين للغاية لكن رغم ذلك أصريت على سهر بأننا يجب أن نستمر بطقوسنا المعتادة بزيارة مقهانا مساء كل خميس..إكراما لذكرانا سوية ...كانت السادسة مساء عندما وصلنا هناك ..كان كل شيء كما هو تماما ..لكن نحن من تغير.. موسيقى حزينة زادت من كآبتنا وكدت أختنق بالذكريات لولا أني نظرت فجأة باتجاه باب المقهى ..رأيت شابا يتجول بعينيه بين الطاولات باحثا عن شخص ما ...يبدو مألوفا لي..فالذقن الطويلة غيرت معالمه قليلا ..

ياإلهي إنه علي..الدكتور علي سابع أعضاء شلتنا سافر قبل بداية الحرب بعام إلى فرنسا للتخصص في جراحة العظام .. أخفت صديقتي بصراخي فجأة ..لقد عاد علي ياسهر ..ركض باتجاهنا عانقناه كما لم نعتد قبلا وامتزجت الدمعة مع الابتسامة ..كانت هذه أولى الابتسامات

منذ وقت طويل ..حدثناه طويلا عن كل مامررنا به في غيابه وحدثنا هو كم كانت الغربة صعبة وموحشة ....سألته لما عدت الآن ..ابتسم ألا تريدين أن أعود..قلت بصراحة لم أتوقع عودتك في هذه الظروف..ربت على رأسي قائلا أوفدتني بلادي للتخصص في جراحة العظام وغص بالكلمات ..ألا تعتقدين إنها بحاجتي اليوم أكثر من أي وقت مضى......صمتنا لبرهة على وقع تلك الجملة..كسر الصمت ضاحكا " بعدين مو سامعة فيروز شو عمتقول ..عنا الحلا كلو ..لمين بدي أترك كل هالحلا " ضحكنا من القلب..حتى إننا نسينا الحرب.. فكرت في نفسي أنا متأكدة سيعودون يوما كما عاد علي ..سننتظرهم.  

في اليوم التالي ذهبت إلى الجريدة التي لم يمضي على عملي بها وقت طويل ..بضعة أيام فقط ..قدمت لرئيس التحرير أولى كتاباتي ......مسكونون بك ياشآم ..عائدون