ما الذي يدفع المتزوجين إلى مشاهدة الأفلام الجنسية؟!
من الأمور الهامة والدقيقة التي تخفى علينا أحياناً في طريق التعافي هو الحلقة المفرغة بين مشاهدة الإباحيات وما يُعرف بقلق الأداء.
أولاً دعنا نعرف قلق الأداء: هو ذلك الخوف الشاحب في خلفية أذهاننا قبل وأثناء العلاقة، حول الاستطاعة والقدرة والأداء والأثر على الشريك.
هل يشتهيني؟ هل يحبني؟ هل أعجبه؟
هل يحب جسدي؟ هل يرى عيوب جسدي؟ هل ينفر مني؟
هل سأتمكن من إشباع حاجاته؟ هل سأحصل على انتصاب جيد؟ هل أنا جيد في الممارسة؟ هل سنصل لذروة النشوة معاً؟
وغيرها من المخاوف التي تعصف بذهن البعض على أعتاب العلاقة.. العجيب أن قلق الأداء هذا هو المسبب الرئيسي لمشكلات الأداء الجنسي النفسية!
ببساطة قلقك من فشل الأداء هو سبب فشل الأداء!
وتلك حلقة مفرغة قل من يفطن إليها..فالقلق بتحفيزه لمسارات الجهاز السمبثاوي المرتبط بالخوف يصنع نوعا' من حظر الاستجابة الجنسية الطبيعية
فإنك تمنح ذهنك أفكار الخوف التي يترجمها لمشاعر الهرب.. ولا أحد يهرب سيستجيب جنسياً بشكل جيد!
لذا كان الجنس مرتبطاً في الطبيعة البشرية بالتخفي والاسترخاء والظلام والأمن عن الخطر.. ومخالفة هذه الطبيعة ولو ذهنياً يفسد الأمر بالكلية.
وقلق الآداء هو مشكلة عامة تصيب الذكور والإناث على حد سواء ولا تتعلق دوماً بمشاهدة الإباحيات، ولكنها ترتبط كثيراً بخلل في الصورة الذاتية..
وكما بينت فإن قلق الأداء يكاد يكون السبب الرئيسي في اضطرابات الأداء نفسه.
فالذهن المشحون بالتوقع والمحتل بالهواجس والشكوك لا يمكنه أن يحضر في علاقة أساسها الانسياب..
وقد لا يؤثر قلق الأداء في البدايات؛ لأن طاقة الاشتهاء تغلب القلق وتتمكن من مجاوزته، لكنه لا محالة يوماً ما سيضرب ضربته، وحين يضربها بخلل ما في العلاقة الجنسية يوماً واحداً سيدخل المرء في الحلقة المفرغة.
ففشل واحد سيؤدي لمزيد من القلق من العلاقة، الذي سيؤدي بدوره لمزيد من الفشل .. وهكذا.
وربما يؤدي هذا الأمر إلى اجتناب الشريك أو العلاقة الجنسية بسبب تلك الأفكار التي تحتلك!
فما علاقة الأمر بالإباحيات إذن؟!
يرتبط قلق الأداء بمشاهدة الإباحيات من عدة زوايا:
- أولاً: مشاهدة الإباحيات تنزع حساسية الفرد من الجنس، وتعلي من سقف الحد الأدنى اللازم للاستثارة
فمن يشاهد الإباحيات يعتاد درجة قصوى من الاستثارة، وبالتالي لا تفلح المقدمات البسيطة في العلاقة الواقعية لاستثارته، كما أنه يصنع رابطاً ذهنياً بين العين وبين الاستثارة، فتصبح العين هي بوابته نحو الاستثارة، لا اللمسات.
كما أنه يعتاد نمطاً معيناً من السيناريوهات الشائعة في الإباحيات والتي لا تتواجد بالضرورة في العلاقة الحقيقية، كما أن ممثلي الإباحيات وجمالهم وتزينهم ولمعتهم وأداءهم الاستثنائي يجعل الشريك أقل من تحقيق الاستثارة.
فالذي اعتاد التنوع المتاح في الإباحيات سيصعب عليه الاستجابة للمؤثر المعتاد المتكرر الموجود في الشريك!
فإنك لا تجد من يشاهد الإباحيات يقتصر على فيلم بعينه أو شخص بعينه إنما ينوع مشاهداته؛ لذا يصنع رابطاً ذهنياً بين التنوع وبين الاستثارة؛ لذا تركد علاقته الحقيقية محدودة التنوع والمقتصرة على شريك واحد!
لذا ببساطة يكون الفشل في الأداء الجنسي أقرب، لا بسبب ضعف جنسي حقيقي، وإنما ضعف نفسي منشؤه هذه الروابط الجديدة بين الاستثارة وبين هذه الزوايا من الإباحيات.
وبالتالي تزداد فرص الفشل، فيعود قلق الأداء، ويعود الفشل، وهكذا حلقة مفرغة أخرى.
- ثانياً: إن مشاهدة الاباحيات التي تعتمد هؤلاء الممثلين الاستثنائيين في الأداء، وتعتمد نظام التصوير فائق البراعة تؤدي إلى أمر خطير وخفي،
وهو تحطيم الصورة الذاتية لمن يشاهدها نفسه!
فأنى له أن يقارن نفسه بهؤلاء؟ وكيف له يمكن أن يصل إلى هذا الأداء الاستثنائي الذي صار لدى ذهنه هو المعيار الطبيعي للعلاقة الجنسية، فيقارن نفسه به، وبالتالي لا تكون المقارنة أبداً في صالحه، فلا الرجل سيكون مفتولاً استثنائي الحجم والمدة والأداء، ولا المرأة ستكون بارعة رشيقة ملتفة القوام بارزة المفاتن؛
لذا تهتز الصورة الذاتية لا وعياً، ويزداد قلق الأداء، بسبب المقارنة المعقودة في اللاوعي بين أدائه الطبيعي وبين معياره الإباحي الجديد؛
لذا يزداد قلق الأداء، وبالتالي تزداد فرص الفشل، وبالفشل يقوى قلق الأداء، وهكذا حلقة مفرغة أخرى.
- والزاوية الثالثة وهي الأخطر:
هي أن الإباحيات تمنح الفرد فرصة رحبة للتفريغ الجنسي بدون قلق الأداء.. وبدون شريك له حاجات ومتطلبات،
أي أنه تمنحه فرصة سهلة بسيطة مجردة من القلق والاكتراث بالآخر،
فهو يتخيل نفسه في موقع الممثل، ويجد كل هذه الرحابة والقبول لحاجاته وحده.. بلا قلق ولا هواجس أثناء المشاهدة، اللهم إلا من الشعور بالذنب الذي يكون غالباً عقب المشاهدة أكثر منه أثناءها،
فإذا وجد الذهن فرصتين للإشباع الجنسي؛ إحداهما حقيقية بعلاقة جنسية مشحونة بالقلق وهواجس نظرة الشريك، والأخرى عبر المشاهدة الإباحية المجردة من قلق الأداء.. فلا اكتراث بقوة انتصاب أو قدرة على الإشباع والوصول المتزامن.. فلا عجب أن ينهمر الذهن نحو الثانية ويفضلها؛ بل نجد أحياناً بعضهم لا تشبعه العلاقة الحقيقية مهما كانت جيدة ويشعر بعدها بأن بعضاً منه لم يتم إشباعه وربما يهرع نحو المشاهدة مباشرة بعد الممارسة!
إن قلق الأداء يؤدي للانسحاب نحو مشاهدة الإباحيات، والمشاهدة تؤدي لمزيد من القلق والفشل معاً، فيؤدي ذلك لمزيد من الانسحاب نحو الإباحيات.. وهكذا تكتمل الحلقات المفرغة المتداخلة أكثر وأكثر!
وذلك كان وصفاً تحليلياً لإشكالية الإباحيات لدى المتزوجين، وارتباطها بقلق الأداء الذي لا بد لنا من فهمه واستيعابه قبل الشروع في علاجه، فكل حلقة منه، وكل ترس في مايكنته له تدخلاته الخاصة.
هافنغتون بوست