تقرير للرقابة يكشف ضياع 500 ألف يورو بمؤسسة التأمين
صاحبة الجلالة – حسن النابلسي
لاشك أن القرار الصادر عن رئاسة مجلس الوزراء والقاضي بـ"إلغاء التأمين الشامل لكل السيارات الحكومية"، لم يأتِ من فراغ، لاعتبارات نعتقد أنها تندرج ضمن سياق ضغط النفقات وخاصة بعد أن أضحى التأمين الشامل يشكل عبئاً ثقيلاً على أسطول السيارات الحكومية، نتيجة تلاعب بعض المستفيدين بهذه النعمة، محوّلين إياها إلى نقمة وبمنزلة (أبقار حلابة لجيوبهم)، وفقاً للعرف السائد شعبياً الدال على مصدر المال المشبوه.
ولكن هذا القرار لم يكتمل التنفيذ الذي يحقق الغاية منه، نظراً لعدم استثمار المؤسسة العامة السورية للتأمين استثمار البرنامج الإلكتروني الموجود لديها بالشكل الأمثل وفق ما نص عليه القرار، ولاسيما فيما يتعلق بالآليات والمركبات الحكومية بحيث يمكن الحصول على الإحصائية الدقيقة بشكل ربعي وفي نهاية العام (إجمالي قيمة العقود – إجمالي الصرفيات على الحوادث)، لكل الآليات الحكومية المؤمّنة تأميناً شاملاً (إجمالي أسطول الآليات – ولكل جهة حكومية على حدة).
وبالتفاصيل نبين أن المؤسسة العامة السورية للتأمين وقعت عقداً "رقم 60" منذ العام 2006 مع شركة إنفوبلس اللبنانية بقيمة تزيد عن نصف مليون يورو لتصميم برنامج الكتروني يشمل عمل المؤسسة كاملاً مع عتاده وتجهيزاته، وذلك في عهد المدير العام السابق للمؤسسة سليمان الحسن.وذلك بغية أتمتة عمل المؤسسة بالكامل وتحقيق وفر وأرباح وضبط التجاوزات، والأمور الممكن تحقيقها بسهولة وبنتائج شبه فورية لو أن البرنامج وضع في الاستثمار خلال مدة منطقية أو على الأقل الالتزام بشروط العقد.
وحُوّل الموضوع إلى الهيئة المركزية للرقابة والتفتيش نهاية عام 2014 عندما ألغي التأمين الشامل للآليات الحكومية التي باتت تعرف بأحد طرق السرقة الكثيرة في مجال التأمين وبناءً عليه تم إلغاؤه، وأصدرت الهيئة تقريرها نهاية العام 2016 بمبررات وجدها بعض المتابعين غير منطقية لجهة عدم وضع البرنامج قيد الاستثمار، وتمثلت هذه المبررات بوجود ملاحظات على البرنامج وتعديلات مطلوبة تحول دون وضعه قيد الاستثمار الكامل، وأن البرنامج قدم البرمجيات المستخدمة واستحالة تطويرها، إضافة إلى تضرر مبنى الإدارة العامة للمؤسسة في حمص في ظل الظروف الراهنة. وأشار تقرير الهيئة إلى أن الموضوع قيد الدراسة من قبل البعثة المشكلة في فرع الهيئة بحمص وفق قرار الهيئة رقم (145/رزهـ)لعام 2009.
ويوضح من يشيرون بأصابع اتهامهم إلى المؤسسة ومصلحتها بتدمير البرنامج، وعدم قناعتهم بتقرير الهيئة من جهة ثانية لـ"صاحبة الجلالة" أن أي برنامج الكتروني لن يقدم كامل وجاهز للمستخدم دون وجود أخطاء أو فجوات يتم تداركها، وبالتالي فإن مهمة المستخدم أن يرسم صورة واضحة لطبيعة عمله وأدق التفاصيل والمميزات التي يرغب بوجودها في البرنامج، وأن يستثمر البرنامج في فترة تجريبية تكشف فيها الأخطاء والنواقص، وبالتالي تحقق تغذية راجعة للمصمم.
ومقابل ذلك فإن مهمة المصمم، أن يترجم ما قدمه المستخدم من بيانات إلى برنامج فعال، ويستفيد من التغذية الراجعة للتعديل والوصول إلى الشكل النهائي المطلوب للبرنامج. وهذا الأمر يثير عدة تساؤلات من قبيل هل قام كادر المؤسسة بتجريب ودراسة البرنامج وتقديم التعديلات المطلوبة وتقاعست الشركة المنفذة عن التعديل..؟.
أم أن الترهل واللامبالاة في قطاعنا العام من جهة، وتفعيل هذا البرنامج سيضر الكثيرين من جهة ثانية، حال دون تقديم المعلومات الكافية في الوقت المناسب للتعديل..؟.
في كلا الحالتين يوجد تقصير يستوجب المحاسبة، وفق العقد الموقع أو وفق القوانين والأنظمة لهدر المال العام وفوات المنفعة وتعطيل العمل..!.
يضاف إلى ما سبق أيضاً أن مبنى المؤسسة في حمص تضرر عام 2012 أي بعد ست سنوات من العقد، وبالتالي لا يوجد من سبب للتعليق أو مناقشة هذا العذر، لأنه أقبح من الذنب المرتكب، حجج واهية لا أكثر ولا أقل وفق وصف مصادرنا المطلعة على حيثيات هذا الموضوع..!. إلى جانب هذا كله فإن بعثة الهيئة مشكلة منذ عام 2009 لمتابعة هذا الموضوع، لنفترض هنا وجود تقصير من الجهاز الرقابي وقام بمتابعة الموضوع بعد تأخره ثلاثة سنوات، فلماذا بقي التقرير محل البحث لسبع سنين..؟.
مدير عام المؤسسة الدكتور ياسر المشعل أوضح أن التعاقد لاعتماد هذا البرنامج لم يتم بعهدة إدارته، مشيراً في تصريح لـ"صاحبة الجلالة" أن الشركة أنجزت المشروع وسلمته تسليماً أولياً للإدارة السابقة، معتبراً أن هذا الموضوع بات بحاجة إلى تحكيم وليس إحالة إلى الهيئة المركزية للرقابة والتفتيش التي لم يرد تقريرها بعد إلى المؤسسة.
هامش:المال العام ليس مزحة أو أمر عادي على اللسان، المال العام هو قوت الشعب يؤخذ بمثل هذه المشاريع المراد لها الفشل من حياة المواطن لتحرمه تطوير أو تعديل أمور تمس حياته. كما أن لدينا خبرات برمجية وهندسية قادرة على تقديم الدعم المطلوب، وهذه المبالغ عندما تصرف في الداخل وعلى شبابنا بكل تأكيد ستوجد المنفعة وللجميع بلا استثناء..!.