كيف سيواجه الأميركيون عملية تحرير الجنوب السوري؟
من الواضح أن الجيش العربي السوري وضع مناورة استكمال تحرير الجنوب السوري موضع التنفيذ العملي، وحيث تتركز في المرحلة الاولى من هذه المناورة تغطيته الجوية والمدفعية على نقاط الارتكاز الأساسية للمسلحين في أرياف درعا غير المحررة، يبدو أنه يعمل على محورين رئيسيين انطلاقاً من قاعدة مهاجمة واسعة في ريف السويداء الغربي، تمتد بعرض يتجاوز الـ 20 كلم، على جبهة عريضة ما بين مسيكة ومطار الثعلة، على أن تكون الأهداف الأولى للعملية بصرَ الحرير والمليحة (الشرقية والغربية) والكرك، وامتدادا ربط ريف السويداء الغربي بخط أزرع – خربة غزالة الاستراتيجي في ريف درعا الشمالي الشرقي. هذا التحرك الميداني والذي يؤكد القرار السوري باستكمال تحرير الجنوب، كان قد أكده سابقا بشكل واضح كلام الرئيس السوري بشار الأسد حول ذلك في اكثر من مناسبة اعلامية أو رسمية، وحيث كان الرئيس دائما واقعيا لناحية التقييدات الاستراتيجية والدولية التي تعيق استكمال هذا التحرير، ويحدد توقيت قراره بالعمليات العسكرية الكبرى على هذا الاساس، كانت تتحقق دائما اهداف العمليات التي يتخذ القرار بتنفيذها. من الواضح ايضا، وحيث أصبحت قدرات الجيش وحلفائه متفوقة ولم يعد من امكانية لأي فصيل لمواجهتها، تبقى فقط التعقيدات والتقييدات الاستراتيجية الاقليمية والدولية هي العائق الوحيد أمام هذا الجيش، فكيف تتوزع هذه التقييدات الاستراتيجية؟ وهل يمكن للجيش العربي السوري وحلفائه تجاوزها، خاصة في ظل الرفض الاميركي العنيف لعملية تحرير الجنوب السوري المرتقبة؟ لناحية العدو الاسرائيلي، كما يبدو فإنه يلتمس رعاية روسية لاتفاق يعيد تثبيت خط وقف النار والهدنة من ناحية، ومن ناحية أخرى يحفظ له ماء الوجه برضوخه للقرار السوري، وذلك عبر تغليف هذا الرضوخ بتحقق شرط أساسي يتعلق بابتعاد ايران وحزب الله مسافة كافية ( تحدد بالاتفاق بين كافة الاطراف) عن حدود الجولان المحتل. لناحية الاردن، هو ينتظر بفارغ الصبر حماية حدوده وعمقه واقتصاده، وقد اقتنع بأن ذلك لا يتحقق الا بانتشار الجيش العربي السوري على تلك الحدود، وتبين له أن الدولة السورية انتصرت وهي على الطريق لاستعادة كامل جغرافيتها ونفوذها، هذا النفوذ الذي كان دائما يحسب له حساباً، خاصة وانه مرّ اخيرا بأزمة حادة، ظاهِرُها اجتماعي ماليّ، لكن حقيقتها ضغوط وإملاءات اقليمية خليجية ودولية تحت عناوين الملف الفلسطيني وغيره. يبقى الأميركيون الذين سيحاولون منع الدولة السورية من الامتداد جنوبا عبر أكثر من طريقة : – دبلوماسيا، الولايات المتحدة الاميركية تضغط وتهدد بموضوع العملية العسكرية السورية جنوبا، كما كان يحصل عند كافة عمليات التحرير التي حققت اهدافها، وهي لم تغير استراتيجيتها في عرقلة الدولة السورية، عبر مجلس الامن وعبر التركيبات الكيمياوية المعروفة، وعبر الضغوط الدولية على روسيا وعلى ايران وحزب الله، والتي ترتبط بأغلبها بالموضوع السوري. – عبر مسلحي الجنوب، هناك قسم كبير منهم يفاوض وينتظر التسوية، ومن بقي منهم يُعاند فهو مرغم على ذلك لأسباب مادية وتنظيمية، ومهما كان وضع هؤلاء المسلحين وقرارهم، فجميعهم مقتنعون بعجزهم عن مواجهة الجيش العربي السوري عسكرياً. – لناحية العرقلة العسكرية، من المنطقي أن الأميركيين لن ينزلقوا في مواجهة مباشرة مع الجيش السوري طالما تجنبوها، اللهم الا عند الحالات الطارئة جداً، والتي كانت تتم تحت حجة وغطاء “حماية قواعدهم” في التنف مثلا، أو “حماية مستشاريهم العاملين مع قسد”، في الطبقة سابقاً أو في شرق دير الزور لاحقاً ومؤخراً، الأمر غير المتوفر في الجنوب، حيث لا وجود لقواعد أميركية الا التنف في الجنوب الشرقي السوري، والتي هي حتى الآن محيدة عن الاعمال العسكرية السورية المرتقبة التي تستهدف بوضوح ريفي درعا والقنيطرة. حتى في الاستهداف المباشر عبر قاذفاتها للوحدات السورية في الجنوب، هناك محاذير روسية وسورية تقنية وعسكرية، إذا لم نقل استراتيجية، ومن الطبيعي أن هكذا استهداف لن يكون بمأمن عن الدفاع الجوي السوري الذي تصدى بفعالية مؤخرا للقاذفات للاسرائيلية، وربما ينتهز الروس الفرصة الذهبية لتوجيه رسالة حاسمة للاميركيين، يغلفونها بصاروخ او بأكثر (غير محسوبة ومن خارج التوقعات) يُطلقها الجيش العربي السوري، وتكون عبارة عن رسالة، وفي نفس الوقت، تجربة طالما انتظرها الرئيس بوتين في مواجهة مباشرة، كان لها دائما محاذيرها وحساسيتها. تبقى المناورة التي طالما برع بها الاميركيون في سوريا، ونحن نشاهد عدة نماذج منها مؤخرا، عبر دعم داعش مباشرة في شرق البادية وبين البوكمال والميادين، وحيث انهم لن يدفعوا داعش جنوبا، خاصة ان في ذلك اليوم صعوبة كبيرة في ظل هذه الحشود العسكرية السورية في كامل المواقع الجنوبية، ستكون مناورتهم عبر اطلاق جحافل داعش في الشرق وعلى كامل خطوط المواجهة مع الجيش العربي السوري وحلفائه، و بعد ان يتم تزويد التنظيم الارهابي بالعتاد والمعلومات وبالطلعات الجوية التي تغطي تقدمه كالعادة، تحت عنوان حماية مستشاريهم وحماية قوات سوريا الديمقراطية. وهكذا، سيضطر الجيش العربي السوري لتوزيع ونقل قسم مهم من جهوده شرقا لدعم وحداته المستهدفة، وسيقلل بذلك حشوده جنوبا، الامر الذي يعيق ويؤخر عمليته المرتقبة في ارياف درعا والقنيطرة حتى الحدود الجنوبية كاملة. العهد_شارل أبي نادر