الإعلان الحكومي على خط تماس المال و الإعلام
صاحبة الجلالة _ فهد كنجو:
نهاية العام 2015 الأسبق نقلت مواقع إعلامية خبراً مفاده أن رئيس مجلس الوزراء السابق الدكتور وائل الحلقي يحقق في قيام بعض المواقع الإعلامية الإلكترونية بتلميع صور مسؤولين ضد مسؤولين آخرين مقابل الحصول على هباتمالية، هذا الخبر آنذاك كان من جملة الأخبار المتوالية عن مكافحة حكومة "الحلقي" للفساد، انتهى العام 2015 وغادرت حكومة "الحلقي" في صيف العام التالي 2016 دون أن تصدر نتائج التحقيق الذي قيل حينها إنه طال عدة مواقع إلكترونية بقيت مجهولة، وبالتالي لم يتعرف أحد على المسؤولين الذين "تلمعت" صورتهم إعلامياً، وما إذا كانوا حظيوا بفرصة أخرى في الحكومة الحالية ، طبعاً على حساب مسؤولين آخرين من المحتمل أن تكون "المواقع" المتهمة آنذاك قد أظهرتهم بصورتهم "المصدية".
منطقياً فإن تتبع مسار الإعلان الحكومي إلى وسائل الإعلام الخاصة سيدلبكل تأكيد على المحاباة لرأس الهرم الإداري لهذه الجهة العامة المعلنة أو تلك، والعكس صحيح أي أن المحاباة تعني بالضرورة منفعة مادية للوسيلة،ومعنوية لآمر الصرف تجعله بمنأى عن أي نقد إعلامي.
الإعلام الخاص بمختلف وسائله منذ انطلاقته في سورية، اعتمد في جزء كبير منتمويله على الإعلان الحكومي، الذي بدا شكل من أشكال الدعم غير المباشرله، ومع انطلاقة أوسع للمواقع الإعلامية الإلكترونية والتي باتت تناهز 80 موقعاً "مرخصاً" وفق آخر إحصائية للمؤسسة العربية للإعلان، باتت المنافسة أكبر على سوق الإعلان بشكل عام وخاصة الحكومي منه، وبدخول الأزمة تقلصت السوق الإعلانية في القطاع الخاص أكثر فأكثر، ما يعني أن المورد الرئيسي للإعلام الخاص هو الدعم الحكومي المتأتي على هيئة إعلان ودعاية.
تسجل دائرة المراقبة في المؤسسة العربية للإعلان العديد من الخروقات(إعلانات حكومية في وسائل إعلامية خاصة لم تمر عبر قنواتها)، القانون يفرض على المؤسسات والجهات العامة المعلنة عدم صرف أي مبلغ تحت بند الدعاية والإعلان دون موافقة المؤسسة التي ستتقاضى نسبة 20 % من قيمةالإعلان.
يؤكد السيد وسيم فواز حمزة مدير عام المؤسسة العربية للإعلان لـ"صاحبةالجلالة" أن المؤسسة تتعاطى مع هذه الحالات وفق قوانين نظامها الداخلي،وعادةً ما تلجأ إلى مخاطبة الجهة المعلنة وأيضاً الوسيلة لتوضيح الأمر، وما إذا كان الإعلان المنشور في الوسيلة مأجور أم لا، في بعض الأحيان ترتب هذه الحالات ذمم مالية على الجهات العامة، ومثلها على الوسيلة،لصالح المؤسسة، بعض المرات تراسل بعض الجهات العامة مخطرةً المؤسسة عدم علمها بتلك الإعلانات، وأنها ربما تكون اجتهاد شخصي من الوسيلة التي نشرت الإعلان، الأمر يحصل بشكل خاص في مواقع الإعلام الإلكتروني، يشكك"حمزة" بفكرة الاجتهاد الشخصي.
تعج مواقع إعلامية محددة بـ "لوغويات" بعض المؤسسات ذات الطابع الإداري،وتعكف على متابعة ونقل الأخبار تلك المؤسسات وفق ما تحرره الماكينات الإعلامية التابعة لتلك الجهات (المكاتب الصحفية)، ثمة ثغرة يبدو أن عينالرقيب لم تلحظها في حالة المؤسسات ذات الطابع الإداري وهي أن الاعتماداتالمالية المرصودة للدعاية والإعلان غير مفصولة عن نفقات الضيافة والمؤتمرات وتصرف تحت بند واحد، مما يسهل على آمر الصرف صرف قيمة الاعلان بخلاف القنوات القانونية (أي عن طريق المؤسسة) تحت بند الضيافة مثلاً،منطقياً حتى الجهاز المركزي للرقابة المالية الذي يحقق ويدقق في مشروعيةالنفقة لا يمكنه كشف هذه المخالفة إن حصلت.
في موازنة العام 2017 الجاري بلغت الاعتمادات المرصودة لبند الدعاية والإعلان والضيافة والمؤتمرات للجهات العامة ذات الطابع الإداري وفقبيانات وزارة المالية نحو 260 مليون ليرة سورية.. الأمر مختلف في المؤسسات والجهات العامة ذات الطابع الاقتصادي فالإعلان يصرف تحت بند البيع والتوزيع، (رصدت موازنة العام الجاري لهذا البند نحو 296مليون ليرة سورية، وهذا المبلغ أقل من العام 2016 السابق حيث كان 315 مليوناً)، طبعاً وفق بيانات وزارة المالية لأن المؤسسة العربية للإعلان المعنية بهذا الأمر لم تملك يوماً هذه البيانات وهو أمر لافت ويسجل علامة استفهام على آلية عمل المؤسسة.
تستند "المؤسسة" التي يبلغ عدد العاملين لديها أكثر من 400 عامل بمختلف فروعها في المحافظات، تستند إلى تعاميم دورية تصدر من رئاسة مجلس الوزراء إلى الجهات العامة تؤكد فيها على حصر نشر إعلانتها بالمؤسسة وعن طريقها، وعلى ما يعتقد مديرها العام أن التجاوزات تحدث في حدود ضيقة، مشيراً إلى رؤيته حول تحقيق عدالة في توزيع المال الإعلاني الحكومي على مختلف وسائل الإعلان الخاصة المرخصة أصولاً، أمر لن يتحقق إلا من خلال تعاون الجهات العامة المعلنة وهذا بالضرورة يتطلب إطلاع المؤسسة على حجم الإنفاق الإعلاني في كل جهة.
رؤية ستبدو قاصرة طالما أنها لا تعتمد معايير تنظر إلى نوعية وانتشار الوسيلة التي سيتجه إليها الإعلان الحكومي، بعض المواقع الإعلامية الإلكترونية يديرها شخص أو شخصين، وتعتمد على "النسخ واللصق" بعدد متابعين متواضع، كيف يمكن أن تقارن بمواقع أخرى تعتمد كادر تحرير متكامل وتقدم مادة إعلامية نوعية وتحظى بنسبة متابعة عالية؟!.